|
هل الديموقراطية والديكتاتورية وجهان لعملة واحدة ؟
|
لا شك أن النظام الديموقراطي هو نظام هش .. لأنه لا يقوم على أسس العدل كما يدعي المدافعون عنه .. بل هو نظام يقوم على أسس " ظاهرها العدل " .. وشتان بين الأمرين .. وأما باطن هذه الأسس التي تبدو لنا في ظاهرها عادلة , فهو يقوم على ظلم بيِّن لكل من يعيش في ظله , وليس فقط الفقراء منهم كما قد يتصور البعض .
وهشاشة هذا النظام قد لا تبدو واضحة جلية في الأوقات العادية , والتي ينشغل فيها الناس بمتطلبات الحياة , وتأخذهم رتابة العيش وروتين الحياة عن التوقف لإعادة تقييم هذا النظام بموضوعية , ولكن هشاشة هذا النظام سرعان ما تتجلى للعيان في وقت الأزمات .. حيث يرى الجميع عيوب النظام دون أن يكون هناك حاجزاًً يغمِّي على أعينهم , أو إعلام يغسل عقولهم , أو ليبراليون يتهمونهم في دهاليز الحداثة وما بعدها , ويمنعون الناس من رؤية الحقيقة البسيطة التي تنطق في وجوهنا , ولا يستطيع منطق أن يدافع عن سوءتها مهما أوتي من بلاغة ..
فكما تظهر الأزمات معادن الرجال .. فهي تظهر أيضاً معادن النظم .
وما تعرضت له أمريكا أكبر دولة ديموقراطية في العالم , قد أظهر معدن النظام الديموقراطي الذي تقوم عليه , والذي دأب في مدحه الليبراليون أشعاراًً , فخدعوا شعوبهم , وجعلوهم يعبدون صنماًً لنظام هش وخيال لا وجود له .. فلما ظهرت مساوئ هذا النظام في العراق وفي جونتانامو وفي أفغانستان , وظهر أنه نظام غير عادل ولا حتى ديموقراطي خارج أمريكا .. هب المدافعون عن الديموقراطية , ليقولوا لنا : صحيح أن أمريكا غير عادلة وغير ديموقراطية خارج حدودها , ولكنها عادلة وديموقراطية في داخل هذه الحدود .. ورغم أن المعارضون للديموقراطية , أكدوا على كذب هذا الإدعاء , وأن الديموقراطية هي نظام حكم غير عادل , سواء خارج حدود الدول التي تطبقه أو داخلها , لأنه نظام يقوم على حكم أقلية منتفعة وجشعة وثرية , يزداد ثراؤها هذا كل يوم , على حساب الشعب الذين يدعون أنهم يحكمون بإسمه , فيلعبون على غرائزهم , ثم يلقون إليهم بفتات ما تبقى من موائدهم ليشبعوا به هذه الغرائز ويستثيروها , ثم يرغمونهم على دفع فوائد على هذا الفتات , فيزدادوا فقراً وعوزاً وشهوانية ومديونية كل يوم .. إلا أن المدافعين عن الديموقراطية , لم يقتنعوا بذلك .. وراحوا يمدحون في هذا النظام , ويسوقونه لشعوبهم , ويسهبون في وصفه , بكيف أنه نظام قائم على حق المواطنة , وأن الجميع في هذا النظام سواسية , ويضمنون حياة مستقرة آمنة , وأن الشعب هو الذي يحكم وهو الذي يختار من يحكمه .. لكن تشاء حكمة الله العزيز الحميد , أن تأتي الأزمات فتظهر هشاشة هذه الإدعاءات , وأنها حبر على ورق , وتظهر خطأ الليبراليين .. وتبيِّن الديموقراطية على حقيقتها ..
فبوش الديموقراطي أثبت أنه أقل أمناًً وأماناًً من صدام الديكتاتوري .. فصدام ظهر وسط الشعب العراقي المسلح , والذي يكرهه , وفي ظل حرب مدوية , وهرجلة أمنية .. لكن زعيم أكبر دولة ديموقراطية لا يأمن على نفسه أن يتواجد وسط شعبه ( الذي إنتخبه ) .. وستتضح المأساة أكثر لو عرفنا أن ولايتي ميسيسيبي ولويزيانا من الولايات الجمهورية , التي إنتخبت بوش في المرتين .. ضد آل جول , وكيري .. لا شك أن بوش حتى ولو أراد زيارة موقع الكارثة .. فإن مستشاروا الأمن سيمنعوه حتى ولو إضطروا لإستخدام القوه .. لأن حماية الرئيس الديموقراطي من شعبه , أهم من حماية الشعب نفسه ..
وعجبي على الديموقراطية .. كيف لا يفصلها عن الديكتاتورية في أحيان كثيرة غير شعرة , سرعان ما تختفي وخاصة في أوقات الشدة .. فتصبح الديموقراطية والديكتاتورية , وجهان لعملة واحدة .. عملة الإستهانة بالشعب ..
مع خالص تحياتي
|
|
|
|
|
|