و...للقِصَّةِ ماعونٌ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-21-2024, 06:04 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-14-2005, 08:26 AM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
و...للقِصَّةِ ماعونٌ...

    هذه محاولة لتقديم مجموعة قصصية في ماعون جماعي. أدعو في هذه المحاولة كتَّاب القصة القصيرة ونقَّادها لوضع بما تجود به أقلامهم في هذا الماعون وأبدأ بنفسي واضعاً قصَّة كتبتها ونقَّحتها في مدى زماني امتد بين عامي 1992 و 2000 ومجال مكاني امتدَّ بين السودان واليابان وسلطنة عمان والسعودية. عنوان القصة: صُبْحُ الصَّيْحة. وآمل أن تنال اعجابكم.
                  

08-14-2005, 08:30 AM

ADIL FAIT
<aADIL FAIT
تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1134

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: و...للقِصَّةِ ماعونٌ... (Re: Adil Al Badawi)

    أها.. يا عادل

    نحنا فاتحين خشومنا ومنتظرنك

    انت وكل المبدعين

    ولك التحية وانت بتفتح اجمل ماعون



    مع اكيد حبي وتقديري،،،

    عادل فايت
                  

08-14-2005, 08:39 AM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: و...للقِصَّةِ ماعونٌ... (Re: Adil Al Badawi)

    استفزك واقع حالك فلم تملك إلا ان تضحك ضحكاً وافراً أهدرت فيه كل السرور الذي اكتنزته تحسباً لسنواتٍ عابسات. قهقهتك قهرت أذن الكون كله متجاهلةً أذنيك المتحفزتين ومن صخبها ارتعبت جميع حواسك فارتبكت مشاعر الحزن والفرح في داخلك. مع الحشرجة الأخيرة لعاصفة القهقهة تملكك همٌ كثيفٌ وما أن تلاشى الضحك الى فحيحٍ خاوٍ وشاحب حتى قادك الهم ماداً رأسك الى الأمام منحنٍ كأي ثورٍ رأى أن يغالب حبل جلاده. كاحلاك أوجعاك لا من كثرة ما مشيت حقاً ولكن من كثرة ما مشيت في خيالك. فى انقيادك ذاك خمدت كل الأصوات وكل حالة وعىٍ فى داخلك، تمرَّدت فحاولت فكَّ عنان وعيك ثم حاولت حلً عقد حبال صوتك فما كان نصرك إلا إذعاناً وسكوتاً.

    "يا أستاذ...يا أستاذ"
    "............"


    ثم ابتدع مناديك شفرةً عتيقةً فلاحقك صائحاً:

    "لم تفتـنا في أمر السجائر!"

    هزت الشفرة حالة اللاوعى في داخلك فصحت:

    "اوووه...معلِّمنا!!..."

    وقفت وقفةً عسكريةً رافعاً يدك اليمني إلى صدغك، ثم بصوتٍ جهورٍ ومدٍ طويلٍ فى الأول ووقفٍ عنيفٍ مفاجئ في الآخر، حييت مناديك:

    "السلاااااام عليكم."

    خرجت غنائيتك كأنها صادرة عن حنجرة إمامٍ قاد آلاف المصلين إلى ختام جلوسٍ أخيرٍ طويل. بقيت يدك معلقةً كأنها انتظرت الإذن بإنزالها. عند نزولها استرخت وقفتك العسكرية فانفرج فمك الصارم عن تكشير رجفت له شفتاك. أضفت:

    "الله وحده القادر علي تسطير توبتنا من زلتنا"

    ضحك معلمك ضحكةً ظافرةً وداعـب لحيته الكثة بمكر من أراد أن يخرج من ثناياها طلباً بائتاً، أردف:

    "حتى ذلك الحين،حسن أن نشعل اثنتين: لي واحدة ولك الأخرى."

    فعلت فأشعلت اثنتين ناسياً السيجارة المنزوية في ركن فمك. مع خروج الدخان متثاقلاً عبر لحية معلمك كان دخان اللاوعي يتسرب الى دماغك مع كل حزمة دخانٍ مسحوبةٍ الى رئتيك حتى باغتتك حالة الإذعان السكوتي مرةً أخرى. كنت ساكتاً ومذعناً لانقيادٍ كاملٍ لا يعبأ لا بالسابلة ولا بالزحام ولا بصفعات روائح السوق القاسية تنفذ إلى أنفك. قدماك أثارتا عاصفةً ترابيةً عفَّرت أعقابك ولم تهتم طالما أنها لم تطل مرمى ما كان أمامك. السيجارتين استجابتا لرتابة إيقاع مشيتك فابتدعتا احتراقاً ذاتياً بطيئاً جداً حتى أنه لم تسقط منهما ذرة رماد، كأنما حفظ الرماد نفسه لأغراضٍ محاسبيةٍ بحتة.
    تفتق انقيادك والعراك الصوتي، للسيارات والسابلة والضوضاء، عن حشدين حضرا في مشهدٌ واحد. حدود كل حشد كانت شارعٌ عريض…بهيجٌ إلى يمينه بائسٌ إلى يساره. الحشد المنقسم علي نفسه مقامه قومٌ كأنما تم بعثهم من دهشةٍ عظيمة. علي يسار الشارع كان الحشد زمرةً من الراقدين القابضين علي تراب الأرض وعلي أحشائهم، خشية اندلاقها علي الإسفلت اللامع، أناساً موجوعين بكل شيء. عيونهم، شبه المنطفئة، كانت تتفرس في السترات اللامعة والوجوه النديَّة، علي الجانب الآخر من الشارع وكأنها تمثل ريح الخلاص. علي ذات الشارع العريض، انشقت نقطة توسطت الإسفلت فنبت معلمك عباءةً سوداءَ لامعاً امتصاصها للحر والضوء والضوضاء. انطلق صوته سابقاً لتمييزك لسحنته:

    "لست من المحتفى بهم ولست من المرضى."
    "ممن تكون إذن؟!"
    "من معلميك."
    "تفتني وأفتيك. لكن أيهم…فهم كثر؟!"
    "ذلك الذي حرمت عليه نوعًا من السجائر وحللت له آخر."


    أفقت علي ذكر السجائر فاستدعيت دخاناً جماعياً إلى رئتيك. مع انسياب الدخان الكثيف من فمك وأنفك صعدت عصابة اللاوعى الى مقدمة هامتك وغطت، كسحابة ظهرٍ تائهةٍ، ما بقي من رأسك. كأن رد فعل معلمك قد جاء رثاءً لحالتك فقد اعتلى رحلة مارد الجن ذاك قاصداً أعماق قمقمٍ قميء. عندما غطت سطوة السحابة السخيفة على بقية حواسك كان آخر خيط من دخان معلمك قد بلعه القمقم. لحظتها، حكمتك حالتك الانقيادية:

    "شمال-يمين-شمال... شمال-يمين-شمال... شمال-يمين-شمال..."

    شعرت بقدميك ترتقيان رصيف مبنى فخم حين فاجأك لون الزجاج الثلجي. تراءى لك ان المبنى بلا مداخل، أو بمداخل دخانية مفتوحة فقط لمن يعرفونها. أدركت إنك من العارفين عندما وجدت الأبواب. سلسلةً لانهائية من الأبواب البرَّاقة بوقوفك على أيٍ منها تطل على أنقى مشاهد الجانب الآخر من الشارع حيث المرضى يفترشون القيء وأحلام الشفاء. كانت تلك الأبواب فسيحةً كأنها ليست أبواب، وصدور بوابيها واسعة كأنهم ليسوا بوابين. سألتهم:

    "بماذا يحتفلون؟!"
    "بدنو صبح الصيحة."
    "وهل عاشوا علاماتها؟!"


    الإجابة نمت الى مسامعك موسيقى صاخبةً وصراخ يتخللها ولا يخلو من تطريب. كأن طريقك قد رسم منذ الأزل إذ لم يعرك الحضور الأنيقين التفاتاً. نظيفةٌ سحن ألئك القوم ونظيفٌ ووثيرٌ جداً كرسيك. استقبلك الكرسي بحنان أمٍ فتمددت باسترخاءٍ مبالغ فيه. كان رأسك مسنوداً بنتوءٍ مخصوصٍ للرأس، على الحافة الخلفية للكرسي، فيما ارتاحت قدماك على امتدادٍ للكرسي بديع. سافرت نظراتك، المستقيمة، بعيداً جداً الى حيث المنصة والى حيث طبيب يتمايل ملوحاً بأطراف سترته البيضاء مستغرقاً فى غناءٍ منمقٍ أرغم سماعته ونظارته، الطبيَّتان، أن تتدليا جنباً الى جنب. صوت الطبيب المغنى فاقم من حالة الاسترخاء في عضلاتك فذابت. ما سر تلك الرجفة؟! أتراك طربت؟! أم بدت القاعة باردةُ جداً؟! …أشتاءً كان أم صيفاً؟‍! أم كان الأمر جوعاً؟‍! بل هما الجوع وفوضى السجائر أفضيا بك إلى شفا حفرة من غثيان. طارت سترة الطبيب وحلَّقت ثم حطًّ الطبيب واقفاً عند رأسك المتكئ على نتوء الكرسي فتعدَّلت الموسيقى الصاخبة لتتوافق مع اهتزاز جسده في إيقاع واحد لا يتغير. حملت إليك الموسيقى خليطاً من الأصوات الساخطة وما أن تراكمت الأصوات عند أذنيك حتى أفقت جزئياً بيد أنك لم تميز شيئاً. عندها، استشرت حدسك فكان أن استدعيت جميع حواسك ثم استعنت بذاكرتك فأسعفتك. تعرَّفت على الأصوات المتشابكة للمرضى فى الجانب الآخر للشارع تأتيك عبر مكبرات الصوت تحمل هتافاً حاراً:

    "أفتح ’خشمك‘..."
    "كبير...كبير...كبير..."
    "أفتح ’خشمك‘..."
    "كبير...كبير...كبير..."


    اعتراك شكٌ عظيمٌ فى امكانية فتح فمك إلا أن مزيجاً محيراً فى عيني الطبيب الواقف عند رأسك أوحى إليك أن تصرخ ملأ حالة الوعي التي تملكتك. ظل فمك مفتوحاً عن آخره والصخب مصرَّاً على الدخول عبر أذنيك، المتحفزتين، ليمر محمولاً بحنجرتك الى فمك مضاعفاً آلاف المرات. الغبطة الطاغية لم تدعك تدرك مصير السيجارتين، إلا أن لسعتين وخزتاك على جنبي صدرك وصعدت إلى أنفك رائحة شياط فأفقت على أنَّك قد صرخت بفمٍ مفعمٍ بالدهشة.
                  

08-14-2005, 09:03 AM

ADIL FAIT
<aADIL FAIT
تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1134

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: و...للقِصَّةِ ماعونٌ... (Re: Adil Al Badawi)

    لك كل الود ايها الرائع

    وانت تتحفنا

    وانت تضيف الجميل للمنبر

    بقلمك الانيق



    مع اكيد حبي وتقديري،،،

    عادل فايت
                  

08-14-2005, 11:30 PM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: و...للقِصَّةِ ماعونٌ... (Re: ADIL FAIT)

    عزيزي عادل فايت

    لك جزيل الشكر على اهتمامك وعلى إطرائك لي ولنأمل أن يمتلئ هذا الماعون حتى يفيض.
                  

08-15-2005, 07:28 AM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: و...للقِصَّةِ ماعونٌ... (Re: Adil Al Badawi)

    كما في أدناه...

    (عدل بواسطة Adil Al Badawi on 08-15-2005, 08:06 AM)

                  

08-15-2005, 07:33 AM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: و...للقِصَّةِ ماعونٌ... (Re: Adil Al Badawi)

    وهذه قصَّة فكرتها، والقصَّة ثقلها في فكرتها، ترجع لنهاية ثمانينات القرن الماضي ولم أكتبها إلا في بداية القرن الحالي، فهل مضى عليها قرن؟! ربَّما. عنوان القصة: "مصيدةٌ سوداء" وآمل أن تنال إعجابكم:

    عبس وجه الشمس فضاقت عينها واحدودبت عدستها فتعامدت أشعتها سياطاً تجلد كل ما هو تحتها. لون الأرض ضرب إلى السواد كأنما احترقت التربة وتحوَّلت إلى حمأ. لهث من القيظ كل ما هو تحت الشمس إلا عقرب الدقائق فكأنَّه تنهَّد مستريحاً على ظهر عقرب الساعات فتطابقت الأشياء راكبة فوق ظلالها. استوى جسد عبد الحميد مطبقاً على الرمضاء ولم تتطابق ساقاه: اليمنى من حديد وخشب واليسرى من لحم ودم. مرمياً كان والنار من تحته ومن فوقه وداخله تشوي جسده وتكوي جرح ساقه دوناً عن جراح قلبه. سرت غيمة فجائية فوق رأسه ففتح عينيه بكسل لتلامس بصره تظاهرة ضخمة من الطيور الجوارح كانت قد انتظمت فضاءه الخاص. نسي نار الرمضاء وساقه وجراحه وكسله وصاح صيحة شقَّت صف جيش الذباب المنهمك على وليمة قوامها جرحه:

    - المصيدة...يا ناس... المصيدة... المصيدة...أسرعوا.

    وثب سليمان، ببقايا من نعاس، من على سرير المقيل القصير المنسوج لحمه من حبال على عظم من عيدان. سحب طاقيته من بين الحبال وولجت مقدمة يسار قدمه في يمين خفِّه المهترئ. أسرع يتبع إعصاراً دائرياً يحمل في صدره المسودّ، برماد التراب المحروق، بقايا من أوراق أشجار وشوك ونفايات. استقرَّت العاصفة الدائرة في رأس سليمان عندما احتضر الإعصار إلى دوائر منخفضة وبطيئة ثم مات، لحظتها قرَّر سليمان أن لا، لن يفوِّت فرصته هذه المرَّة أبداً. لم يقف مرتبكاً كعادته يحني رأسه حتى تلامس أذنه كتفه الأيمن ليشد الجانب الأيسر من رقبته فيحكَّه أو ليقف كأيِّ أبلهٍ ينتظر إذناً من أحد. لمح مجموعة من الصبية يتقاذفون كرة فحدَّد بؤرة إهتمامه وسطهم. عض طرف جلبابه بقواطعه وركض نحوهم، صادر الكرة وساوم الصبية أن: "أول من يأتيني بشملة للمصيدة يكون أول من يحوز الكرة".

    سأل عبد الحميد نفسه عن مكان الجزار الملعون وكيف يختارون الطعم من دونه فما من مرة نصبوا مصيدةً من دون أن يختار الجزار طعمها ونجح صيدهم. بصق وتمتم: "يعرف ذلك السافل أي طعم يختار" ثم صاح مزعزعاً عرس الذباب مرة أخرى:

    - اللحم...يا ناس... الملعون...المصيدة...أسرعوا.

    لا يمكنهم أن ينسوا ولا ينبغي لعبد الحميد أن ينبه أحداً. كان سليمان أكثرهم تحفزاً لذا كان قد قطع شوطاً في طريقه إلى بيت الجزار حين انطلقت صيحة عبد الحميد. حين رجعا كانت أول الظلال قد أطلَّت برأسها فيما ازدادت الغيمة كثافة واستوت ستارة سوداء فوق رؤوسهم. خطف سليمان الشملة من يد الصبي فلامست بقايا عبير دخان الطلح الكامنة فيها أوتار أعصابه فانطلق رنينها عالياً وسرت في أوصاله رجفة تحفزٍ من نوع آخر. فرش الشملة متأوهاً ثم أفسح المجال للجزار ليتولى وضع الطعم. حكَّ عبد الحميد ساقه الصناعية تماماً في مكان الجرح الذي على الطبيعية. أشاح سليمان بوجهه ليغطس في عوالم أخرى. تسرَّب العبير عبر مسام أنفه إلى خلايا دماغه فتسربت إمرأة ندية إلى مخيلته وغاب عن صيد عبد الحميد إلى صيد آخر. لم يغب طويلاً فقد انقطع الطريق إلى مخيلته بصيحات ظافرة:

    قَبَضَتْ... قَبَضَتْ

    قفز سليمان من غفوته راكضاً لكن الحدأة كانت أسرع من ساقيه المنهوكتين فأفلتت مخالبها من بين خيوط الشملة كما فلتت إمرأة ندية من أحضانه. وقف محتوياً رأسه بين يديه لاهثاً ومحدِّقاً في الشملة ثم شتم الحدأة وصائديها وتحسَّر على حلمه المبتور المتحوِّر إلى ألم في حوضه ومغص مدمِّر. لم يجد أمامه غير الجزار يفجر فيه غضبه المحتقن.

    - تضحك يا جزار الجيف؟!.

    كانت العبارة كافية لأن يدخلا في عراك كأنه جذب المزيد من الجوارح لتضيف كثافة للغيمة المعلقة فوق رؤوسهم. كثرة الجوارح حفَّزت عبد الحميد ليعرج متعثراً إلى حيث الشملة ليضع الطعم بنفسه متعجباً ومتمتماً "آه لو كانت بندقيتي بيدي كنت حصدتها كما أحلق لحيتي". تفاقمت شجون عبد الحميد حتى دلف عبر أصوات الجوارح وظلالها إلى خبايا ذاكرته مبحلقاً يطارد نسراً جسوراً. قاده النسر بين مستنقعات ووحل وأشجار وأحراش ورطوبة ومطر حتى صرخ صرخة عظيمة انفصل على إثرها جسدي المتعاركين، تماماً كما انفصلت ساقه عن جسده ذات نهار ضبابي. تحسس بندقيته إلى يمينه وصوَّبها ثم تعثَّر ناهضاً وسقط قبل أن يستوي واقفاً كانت يده تصوِّب ساقه الصناعية ناحية ستار الجوارح الذي ازداد سواداً. لم تكترث الجوارح لا لنهوضه المتعثِّر ولا لبندقيته الكاذبة ولا لسقوطه لكن عبد الحميد فعل إذ تجددت الجراح في ساقه وقلبه المدفون في ذكرى إصابته ووجهه المدفون في التراب الملتهب. قفز الجزار فوق عبد الحميد وأسرع راكضاً نحو المصيدة حيث حدأة تصارع لتتخلص من خيوط الشملة. لم تكن الحدأة أسرع من يد الجزار التي خلصت مخالبها من بين الخيوط وأحكمت قبضتها عليها لكن منقارها كان أسرع إذ فلت من قبضة الجزار ووجد طريقه إلى معصمه وفعل ما لم تفعله كل تلك السنين وسط الفؤوس والسكاكين. أفلتت الحدأة وطارت تاركة الجزار قابضاً معصمه الجريح وحسرة وغضباً زاد من اشتعاله ضحكات الصبية ورفاقه.

    - ترى هل...

    صرعته الفكرة فتخثر دم الجرح وتبخَّر الغضب وانحسرت الحسرة. نعم، هذه أول مرة يضع فيها طعماً من لحم ذبيحة مفعمة بكامل الحياة حتى لحظة قطعت السكين مريئها. عبارة سليمان حق وإن أراد بها باطلاً فطالما أكل زبائنه لحوم ذبائح كانت أقرب إلى الموت من سكينه ولا كان يهتم ولا يعجز عن إختراع المبررات، واليوم تفلت من يده حدأة فلت من مخالبها طعم من لحم طيب. عرف أنه قد لا تسأم بقية الجوارح من تكرار المحاولة لكنه عجز أن يعرف ما إذا كان الطيب يسأم من محاولاته مع الخبيث.
    تقهقرت الرمضاء منسحبة أمام الغيمة التي تكاثفت حتى صارت ظلاً أسوداً غطى الثلاثة الملتحفين سواد الأرض. كان عبد الحميد يقاوم داعي حكَّ جرحه بحكِّ مكان الجرح على ساقه الصناعية. هزم عذاب المغص ما تبقى من مخيلة سليمان. انطلق بصر الجزار في رحلة يطارد فيها طيف الحدأة التي جرحته. انطلقت بصيرة كل واحد منهم لتختبئ من غزو من الهواجس وراء وهم نصبوه لاصطياد همومهم.

    قَبَضَتْ... قَبَضَتْ.

    كان ثلاثتهم مشغولين ومذهولين فما كان لهم أن يكترثوا لصيحات الصبية الظافرة فرحاً بسقوط طير في مصيدة تماماً كما لم يكترث أيٍ منهم لأن يساعد رفيقه في التخلص من مصيدة نصبها لنفسه. لكن شمس الظهيرة الحارقة اكترثت فأبت إلا أن تكون الشاهد والقاضي والجلاد في شئون كل ما هو تحتها فقضت أن تجلد سياطها وجوه ثلاثتهم خصوصاً عندما اختفت الغيمة فجأة بسبب انسحاب الجوارح احتجاجاً على وقوع رفيقتهم، الحدأة السوداء، في الأسر الأسود.
                  

08-15-2005, 07:53 AM

ADIL FAIT
<aADIL FAIT
تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1134

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: و...للقِصَّةِ ماعونٌ... (Re: Adil Al Badawi)

    يعني يا عادل

    الا الواحد يسطل ويجي يقرأ قصصك دي ولا شنو؟

    ياخ عليك الله انزل معانا تحت شويه لانو بي طريقتك دي حا ندمن

    لكن انت برضو رائع ..

    تملك خيال رهيب

    فلك كل التحايا ونحن في انتظار الجديد يا مبدع


    ملحوظة: وحتي تعم الفائدة ونكون معاك متابعين رجاءاً كل يوم قصة واحدة فقط




    مع اكيد حبي وتقديري،،،

    عادل فايت
                  

08-16-2005, 00:02 AM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: و...للقِصَّةِ ماعونٌ... (Re: ADIL FAIT)

    كما في أدناه...تاااني؟!!!

    (عدل بواسطة Adil Al Badawi on 08-16-2005, 00:35 AM)

                  

08-16-2005, 00:04 AM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: و...للقِصَّةِ ماعونٌ... (Re: ADIL FAIT)

    عزيزي عادل...

    من شِدَّة ما طوَّلت من القراية الفيها ثمرة قرَّبت أصل لقناعة مفادها أنَّ القلق متعلِّق بالكتابة دوناً عن القراءة لكنَّ كلامك ذكَّرني أنَّ الاثنين، القراءة والكتابة، عبارة عن قلق في قلق. ثمَّ أفقت على أنَّ قلقي المرتبط بقراءتي لقصصي ليس قلق كتابة، قلق نفس التنقيح الأمَّارة بالسوء يعني، وإنَّما هو قلق قراية متلو متل قلقك.
    إذاً، القلق حاصل حاصل سواء جزعنا أم صبرنا وربَّما أنَّ ذلك هو السبب الذي دعا عقلي الباطن لأن يفتح بوستاً ليس فيه كثير قلق لا للكاتب ولا للقارئ وإنَّما هو عبارة عن قصص مصيناها مصَّاً من بين قهقهات رواتها ناس علي ود عبد الله وأولاده وضيوف مجلس السمر الذي كانوا يعقدونه كل ليلة تقريباً. إنَّني الآن، وعندما أعيد صياغة تلك القصص لأكتبها أو أقرؤها لأنقِّحها أو أقرؤها لمجرَّد القراءة، لا أملك إلا أن أسمع قهقهة علي ود عبد الله ترن في أذنيَّ: كع...كع...كع...كااااع ولا أملك إلا أن أتبسَّم، لا قلق ولا يحزنون. لذا، فإنَّني أدعوك صادقاً لأن تهرب إليها كلَّما ضايقتك هذه القصص المجوبكة. أمَّا إذا لم ترضيك قصص ناس علي ود عبد الله دي، فترقَّب بوستاً أعدَّه الآن وأجمل ما فيه أنَّه قصَّة حقيقية لكنَّ موضوعها قد لا يخطر ببال أخصب الكتَّاب خيالاً. أمَّا إذا لم يرضيك لا هذا ولا ذاك فما إنت، حينئذٍ، إلا ذلك الكديس الشهير وما أنا إلا ذلك الفأر الشهير وما بيننا إلا تلك الكِتِّيحة الأشهر سوى أنَّني ما عندي روح للشَكَل وقدر القسمو لي الله من روح الشَكَل موفِّرو ياخوي إمكن تجي طامَّة أو يجي المسيح الدجَّال ذاتو، ده طبعاً بافتراض أنَّ المسيح الدجَّال ليس بين ظهرانينا نقارعه الحُجَّة بالحُجَّة آلاف المرَّات في كل يوم!!

    رابط البوست المذكور أعلاه هو أيُّها البورداب: إليكم، من بُطَانة أَبْ عَلِي، قصص الأعراب وأرجو أن يعجبك مع إنَّني واثق أنَّه مثل الكسرة بالموية لا بغلِّط عليك ولا بوسِّخ إيديك.

    وإلى لقاء آخر إن شاء الله.
                  

08-21-2005, 03:07 AM

Adil Al Badawi

تاريخ التسجيل: 07-27-2005
مجموع المشاركات: 1143

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: و...للقِصَّةِ ماعونٌ... (Re: Adil Al Badawi)

    وهذه قصَّة كتبتها ونشرتها في بداية النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي فهل تعبِّر عن تلك الفترة؟! ربَّما. عنوان القصة: "إيقاع" وآمل أن تنال إعجابكم:

    الشجيرات تسابقن مدفوعات بتنافس محموم غرضه الوحيد هو الاصطدام بمقدمة الحافلة فيما كان الهم الأول للسائق أن يحبط تلك المحاولات فتندفع الشجيرات إلى الخلف حتى تتوارى ناضحة بالخجل. الأرض من تحت الحافلة كانت تندفع بصراخ وأنين والحافلة كأنها ساكنة في مكانها يضج محرِّكها بالصياح المتغيِّر بين حين وآخر. زادت الأرض من سرعة اندفاعها فبدأت مقدرتي على الابصار تتلاشى آنياً كما بدأ صوت المحرِّك ينزوي تدريجياً إلى أن أصبح كأنه يتساقط بإيقاع منتظم ثم صار شبيهاً لوقع حذاءٍ نسائي. يستمر الوقع اللانهائي للحذاء يطرق أذنيَّ:

    - طق...طق...طق...

    تتوالى الاهتزازات والحافلة مسكونة بسكون غريب رغماً عن الضجيج المرهق الصادر عن محركها والذي يسمعه الركَّاب كأنه يأتيهم من عمق سحيق. توقف صوت وقع الحذاء النسائي فجأة إثر تلامس لا إرادي لرأسي مع كتف جاري على المقعد. كانت لحظة مشحونة بالغضب وقد فكَّرت أن جاري ربما تعمَّد أن يقطع عليَّ تلك الغفوة القصيرة. فكَّرت على إثر ذلك أنه ربما يجدر بي الصراخ في وجهه لكنني شكمت حبال صوتي عندما اكتشفت أن مرور حفرة تحت إطارات الحافلة كانت هي السبب. استثمر جاري فرصة استيقاظي وجأر بسؤال:

    - كم الساعة الآن؟

    إنه واحد من كثير من الأسئلة التي لا أحبِّذها ورغماً عن ذلك لم أتعب نفسي بالبحث عن مفر من الإجابة. نظرت إلى الساعة نظرة خاطفة، كانت عقاربها الثلاثة قد تكوَّمت في خط واحد. حسبت لوهلة أنها ربما تعطَّلت فهززتها ولدهشتي تحرَّك عقرب الثوان متثاقلاً ومتجاهلاً العقربين الآخرين. انطلق صوت مبحوح من بين شفتي:

    - تمام الثانية عشرة.

    جاري لم يبد أي اهتمام بالإجابة. انزلقت مؤخرته أدنى المقعد ورمى رأسه على خلفيته ثم بسط صحيفة على وجهه المحايد فلم تلبث الصحيفة أن ابتلَّت في النقطة المواجهة لفمه تماماً. تقزَّزت من المشهد وانسحبت بأفكاري إلى حيث خبايا ذاكرتي علَّني أجد شيئاً مضيئاً. ما كدت أكمل انسحابي حتى فطنت إلى صوت خواء مفزع ينبعث من داخلي فكان التثاؤب أقرب إليَّ من خيوط الذاكرة. انصرفت عيناي إلى حيث المرآة المعلَّقة على مقدمة الحافلة حيث كانت المرآة تعكس صوراً لوجوه الركَّاب مكرَّرة بشكل لانهائي. كانت الوجوه على درجة عالية من التشابه حتى أن وجه جاري المغطى بالصحيفة كان أقرب في ملامحه إلى وجهي الذي تعرَّفت عليه بصعوبة بالغة. العيون على المرآة تساوت في أنها مجرد كرات زجاجية صغيرة وخافتة البريق. رويداً...رويداً بدأت معالم الوجوه تختفي من على المرآة حتى انتهت الصور التي تعكسها إلى مجرَّد هياكل رخامية تنتشر فيها الكرات الزجاجية كيفما اتفق. انزعجت عندما حاولت استخدام وجه جاري المغطى بالصحيفة كدلالة للبحث عن وجهي ولم أعثر على أثر لأيهما. بالمقابل كان التقدم التدريجي لوقع صوت الحذاء النسائي يجعل المرآة تتوارى ببطء عن ناظري. حين اختفت المرآة تماماً كان وقع صوت الحذاء النسائي قد أخذ يعبث في دواخلي دون هوادة:

    - طق...طق...طق...

    كانت حماسة الإيقاع لا نهائية لم يستكن فيها وقع الصوت ولو للحظة فيما كانت الاهتزازات المنبعثة من مرور الأرض الغير مستوية تحت إطارات الحافلة تكاد تبعث فيه حرارة الانفعال. ما كان من إزدياد الاهتزازات، إلا وانقطع إيقاع صوت الحذاء بينما كانت صحيفة جاري قد استقرت على وجهي فأعاد ضجيج خشخشتها إلى عينيَّ ذات المرآة وذات الوجوه المتشابهة التي تعكسها. ما كان لجاري أن يفوِّت فرصة كهذه رغماً عن أنه لم ينتبه للسائل اللزج المنساب من بين شفتيه إذ كان انتباهه مركَّزاً على الساعة المربوطة في معصمي. مرَّة أخرى كان في وضع تساؤل:

    - كم الساعة الآن؟

    يا له من سؤال سمج وجار أحمق. وماذا تعني إجابة السؤال له؟ في لا مبالاة غريب كنت قد صرفت النظر عن أن أقوم بإجراءات الاجابة على ذلك السؤال بينما كان الصوت المبحوح يخرج من بين شفتي متقطعاً وكأنه لا يخصني:

    - تمام الثانية عشرة.

    لم يفطن جاري إلى أن الإجابة كانت هي ذاتها الإجابة رغماً عن أن وقتاً مقدَّراً قد مضى منذ إجابتي على سؤاله الأول. أنا أيضاً لم أكن منتبهاً إلى أن الصوت الذي بدا كأنه لا يخصني كان قد كوَّن نفس الإجابة. ذعرت جداً عندما اكتشفت عدم انتباهي لعبارات يرص كلماتها ذات لساني فألقيت نظرة على الساعة من جديد وتذكرت رد الفعل المحايد تماماً من جاري ولاحظت أن الموقف لا يخلو من طرافة ففكرت أن أضحك لكن تنفيذ الفكرة كان مجرَّد فحيح خرج من بين شفتي. لحظتها، اكتشفت أنني كنت قد صدقت زعم ذلك الصوت المبحوح.
    ما كان لعيناي أن تعودا لتتفحَّص تلك المرآة اللعينة ولا هي كانت على استعداد لأن تحدَّق في الفضاء اللامتناهي المنتشر على جانبي الحافلة. تجربة جاري في الثرثرة لا تتجاوز الثلاث كلمات ووجوه الركاب تنعكس من المرآة مجرد هياكل من الشمع. محرِّك الحافلة يضج بالعويل ولا يكاد يقنعني بأن الحافلة متحركة. الأرض من تحت اطارات الحافلة تكاد تنفطر لكن اتجاه الحركة كله إلى الوراء...إلى الوراء. الشجيرات لم تكل من مواصلة السباق ولا تعب السائق من إحباط محاولاتها للاصطدام بمقدمة الحافلة لكن عدوى السأم المسيطرة على كل من بتلك الحافلة كانت قد أصابت المحرِّك فأصدر أصواتاً غريبة فأنيناً طويلاً ثم حشرجات متواصلة ثم سكوت تام. خفضت الأرض من سرعتها وسرى الفتور في منافسة الشجيرات ثم تخاذلت واحدة إثر أخرى. سرت الدهشة في وجوه الركاب فاندفقت حرارة الدم فيها وأذابت هياكلها الشمعية فظهرت ملامحها مختلفة. تمطى جاري فكان أن استطاع أن يضيف كلمات جديدة لذخيرته من الثرثرة إذ سألني عما حدث للحافلة لكنني عجزت عن الإجابة فقد كان فمي مليئاً بذلك السائل اللزج فيما سال الفائض منه أدنى شفتيَّ حتى صدري.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de