|
المختَصَر الغريب في أمور التهريب
|
عندما تطغى البراءة على كل التكلف السائد و الزيف الذي يضرب بأطنابه كل أركان المجتمع ، فإن مسحة من الطمأنينة تسود النفس ، و يحس الإنسان بأنه يعود إلى جذوره البشرية و إلى فطرته التي فطره الله عليها. و عندما تعلو موجة الجرأة على سطح بحيرة التأدب و المجاملة ، فإن الإنبهار يصفع اللحظة ، و الإندهاش يسد منافذ ردود الفعل.
مدخل أول إلى البراءة :
( قبل أن تعم الهواتف ، و قبل أن يتربع التلفزيون على أكثر من ركن في المنازل ، كانت إذاعة أمدرمان العتيقة العريقة تقوم بجانب عملها الإذاعي بعمل التلفزة و الصحف و الهاتف و النت .. و من ضمن خدماتها ، كانت خدمة الحجيج إلى بيت الله الحرام خدمة مميزة و تؤدي دورا فاعلاً في ربط الحجيج بذويهم و نقل أخبارهم .. فكم سمعنا بعد كل تكبيرة و تهليل : أنا أمحمد ود حاج الزين .. بسلم على أبزيد و سالم و الحاجة مريم و جميع أهل الفريق .. وصلنا البيت لله الحمد و متوجهين لي منى . ففي ذات حج .. ظل الراديو يلعلع بأصوات الحجيج الهادرة .. و التهليل .. و التلبية .. و الخراف مربوطة في الحيشان تطلق أصواتها ... و الشربوت يتشابى في أوانيه مفرهداً نحو قمم أوانيه تسبقه رائحة مكوناته. و السكاكين تُشْحَذ .. و الراديو يقبع على (تربيزة) قديمة تآكل لونها يهدر منذ الصباح الباكر ... و الحاجة تصيخ السمع علها تسمع أخبار شقيقتها التي غادرت لأداء الفريضة في المشاعر المقدسة .. و كلما غاب صوت المذياع قليلا بفعل تذبذب موجاته ، صرختْ الحاجة : تعال ألحق الشي دة يا جنا .. جاتو العشراقة تاني. فمكثتُ بالقرب من المذياع لأراقب نقاء صوته و لأهرب من أعمال الذبح. و توالت تحيات الحجيج للأهل و الأحباب .. ثم جاء صوت قوي .. صوت إمرأة طاعنة في السن ، و لكنه صوت تملؤه الثقة و الحرص : أنا رقية بت حاج الضو .. بسلم على أختي الحرم .. و ووليداتا و أبو وليداتا .. أها .. المطوف قابلنا هني و كلنا بي خير .. و بقول لي سر تجارنا مساعد ود حاج الزين الوصية عملنا بيها طب زى ما قال لينا .. مرقنا مصران الراديو و ختينا بكانو الدهيبات أنا و حاجة ستنا و حاجة راكز الله .. و رسلنا الروادي مع ود سعدالله ال من حلة قدام ، قال بيجي يحضر العيد معاكم لأنو جا قبالنا و ما ناوي الحج .. الشقيقة من جيت هني خلتني ليك الحمد و الشكر يا رب .. بنشيل ليكم الفاتحة ..ودعناكم الله و الرسول ...
***
من قرأ هذا الكتاب فليمدنا بنفحة منه ..
|
|
|
|
|
|