|
|
 علماء السوء ووعاظ السلاطين
|
علماء السوء ووعاظ السلاطين!!
د. عمر القراي
(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً،
فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) صدق الله العظيم
حين انحط الاسلام، في صدور المسلمين، وقتّل بنو أمية آل البيت، ومثلّوا بهم، وفرضوا على أئمة المساجد سبّهم من المنابر، وتحولت الخلافة الاسلامية، الى ملك عضوض، ظهرت طائفة الفقهاء الذين يتزلفون الحكام، ويمالونهم بالباطل، ويكفرون خصومهم، حتى يستأثروا برضاهم، وينعموا بموائدهم فيبيعون دينهم بدنيا غيرهم. وكان أحد هؤلاء، من حين لآخر، يقول للحاكم: لوفعلت كذا وكذا لضاعف الله أجرك!! فيبكي الحاكم رياء للناس، ويسأل الله المغفرة والأجر الجزيل!! وهو في قرارة نفسه مسرور، لأنه يعلم أن الفقيه إنما يعظه في سفاسف الامور، ليخفي عن الناس كبائرجرائمه ومفارقاته.. وكان الفقهاء يحاولون بذلك، إدعاء أنهم إنما يعظون الملوك والحكام، أمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر!! فسماهم الناس وعاظ السلاطين سخرية من عجزهم ومفارقتهم. ما أشبه أولئك بالفقهاء الحاضرين، ممن سكتوا عن مفارقة وفساد الملوك، والحكام، وأفتوا بكفر الكاتب نجيب محفوظ وفرج فودة ونصر حامد ابوزيد ونوال السعداوي وغيرهم من الكتاب والمفكرين.
وكان مثل هؤلاء، وشيوخهم، وأساتذتهم من علماء الازهر، قد أفتوا بردّة الاستاذ محمود محمد طه. ولقد عرف فقهاء الأزهر، بتملقهم للحكام الانجليز، وبعد ذهاب الانجليز، اشتهروا بتملق الحكام المصريين، فلقد كان الازهر مثلاً، يحتفل سنوياً بعيد ميلاد الملك فاروق!! ومما جاء في وصف أحدى مشاركاتهم، في تلك المناسبة (فنهض الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر فألقى خطبة جمعت فأوعت في مناقب حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق) وكان مما قاله شيخ الأزهر في تلك الخطبة عن فاروق (انه مثال من مثل الخير العليا وصورة كاملة من صور الفضيلة المحببة للنفوس)!![1] وكتبت مجلة الأزهر، أيضاً، بقلم رئيس تحريرها أحمد حسن الزيات، قبل شهرين فقط من الإطاحة بفاروق (وبهدى صاحب الرسالة محمد صلوات الله عليه لسان الوحي ومنهاج الشرع ومعجزة البلاغة وبعطف صاحب الجلالة الفاروق ناصر الاسلام ومؤيد العروبة وحامي الأزهر، أعز الله نصره وجمل بالعلوم والآداب عصره)!![2] ولما قامت ثورة يوليو 1952، وأطاحت بنظام فاروق، كتب أحمد حسن الزيات نفسه، في مجلة الأزهر نفسها، عن فاروق (وكان آية من آيات أبليس في الجرأة على دين الله، انه كان كما حدثني أحد بطانته المقربين اليه، انه اذا اضطرته رسوم الملك أن يشهد صلاة الجمعة خرج اليها من المضجع الحرام وصلاها من غير غسل ولا وضوء، وأداها من غير فاتحة ولا تشهد. وكان يقول أخوف ما أخافه ان يغلبني الضحك وانا اتابع الإمام في هذه الحركات العجيبة. وبلغ من جرأته على الحرمات أنه كان يغتصب الزوجة ويقتل الزوج ويسرق الدولة)[3]!!
هذه السيرة السيئة، المنفرة، من تاريخنا الاسلامي القديم والمعاصر، يحاول بعض الفقهاء اعادتها في السودان، من حين لآخر، فيصمتون دهراً عن كل إصلاح أو تغيير في البلاد، وينطقون كفراً في وجه كل مصلح، أو مفكر، أو صاحب رأي يعبر عن رأيه!!
ولعل من أبلغ النماذج، على تكرار هذه الفتاوي، التي تتجه الى إثارة الفتنة، وتحريض البسطاء، الفتوى التي نشرها من يسمون أنفسهم رابطة العلماء والدعاة، بتكفير من ينضم، أو يتعاون مع الحركة الشعبية لتحرير السودان!! فقد جاء عن تلك الفتوى المشؤومة (وقالت الفتوى التي تلقت الجزيرة نت نسخة منها إن آيات عديدة من القرآن الكريم تبين أوصاف من يتعين على المسلم موالاتهم ونصرتهم والتعاون معهم والدخول في حزبهم، مؤكدة أن حزب الحركة الشعبية لا تنطبق عليه هذه الأوصاف، واتهمت أنصار الحركة بأنهم إما لادينيون أو علمانيون تقوم سياستهم على إقصاء الدين من مناحي الحياة وتعطيل أحكام الله. وأشارت الفتوى إلى أن الحركة تكيد للإسلام والمسلمين وتتخذ الكفار أولياء وهذا يظهر جليا في تصريحات وبيانات قادتها. واعتبرت الفتوى "أن الانضمام لحزب الحركة فيه موالاة ونصرة له وذلك كفر وردة، كما أن التعاون معهم تعاون على الإثم والعدوان والتحالف معهم لمحاربة الله ورسوله والإفساد في الأرض من أعظم أنواع الكفر والردة عن دين الله". وقالت إن الولاية تنبني على الوفاق والوئام "وليس أولئك بأهل لولاية المسلمين لبعدهم عن الأخلاق الدينية ولإضمارهم الكيد للمسلمين". وحذرت الفتوى المسلمين من حزب الحركة ودعوته ودعاته "فهم دعاة على أبواب جهنم، من أطاعهم قذفوه فيها". وطالبت بعدم تأجير المحلات والمساكن والمكاتب لهم "حتى لا يستعينوا بها في نشر باطلهم والدعوة لكفرهم"، وأوجبت البراءة منهم وبغضهم في الله)[4].
إن هذه الفتوى الجاهلة، لا وزن لها من حيث الفهم الديني السليم. ذلك أن الحركة الشعبية قد حاربت بشرف، وحين جنحت للسلم، حق على محاربيها، ان يجنحوا له أيضاً، نزولاً عند قوله تبارك وتعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم).. ولأنه في أصل الدين فإن معاملة غير المسلمين ، يجب ان تكون بالحسنى!! قال تعالى (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين)، وقال جل من قائل (ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون)!! فإذا قال الفقهاء ان هذه الآيات منسوخة، وأن الآيات المحكمة هي آيات القتال، فلماذا أنزل الله، هذه الآيات الإنسانية الرفيعة، اذا كانت لن تطبق مطلقاً؟! لقد أنى للعلماء ان يعلموا ان النسخ إنما هو ارجاء، وليس إلغاء.. وأن الآيات التي تدعو للسلام، والمودة، والحسنى بين المسلمين وغير المسلمين، هي أصل الدين، وهي صاحبة الوقت اليوم، ولا بد من بعثها، ومعيشتها، حتى لا يتناقض ديننا مع حياتنا، فنقبل أن يكون زعيم الحركة الشعبية، نائباً لرئيس الجمهورية، ومسؤولاً عن البلاد والعباد، ثم نتهمه بالكفر!! ما قول فقهاء التكفير، في قوله تبارك وتعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وهل هناك عمل أصلح من ايقاف نزيف الدم وتحقيق السلام؟!
أما من حيث الفهم الانساني، فإن هذه الفتوى جريمة نكراء، في ميزان الديمقراطية وحقوق الانسان. لأنها دعوة الى إثارة البسطاء، والمضللين باسم الدين، ليأخذوا القانون في أيديهم، فيقتلوا زعماء الحركة الشعبية، أوالمتعاونين معهم!! ولأن الدعوة لعدم التعاون مع الحركة الشعبية، بعد توقيع الاتفاق معها، نكوص عن العهد، وخيانة للاتفاق (وإن الله لا يهدي كيد الخائنين)!! ومن هنا، يجب عدم السكوت على هذه الفتوى، او قبولها باعتبارها مجرد راي ديني، من حق الفقهاء اشاعته بين الناس. إن اي تساهل مع هذه الشرذمة، إنما هو اغراء لمن هم وراءها، ممن يريدون انتكاسة اتفاقية السلام، ليدقوا طبول الحرب من جديد. وما ينبغي للحركة الشعبية، وكافة المثقفين، الإحجام عن مواجهة هذا الامر، بحجة أنه أمر ديني حساس، فان التحرز من الفقهاء، هو الذي أغراهم، وأطمعهم، وأوهمهم في انفسهم.
ولمن اخرجوا هذه الفتوى الباطلة نقول:
ياعلماء السوء، ويامثيري الفتن!!
نريد ان نسمع فتواكم فيمن يقوم بالتفجيرات، فيقتل العشرات من الأبرياء، والعزل، والأطفال، دون ذنب وبلاحرب، كما حدث في لندن قبل أيام!!
نريد ان نسمع فتواكم في الجماعة التي تسمى أنصار السنة، والتي قتلت ستة من السودانيين الأبرياء، العزل، في العراق، وذكرت في بيانها، أنهم تابوا، ولكنها لم تقبل توبتهم!!
نريد أن نسمع فتواكم في الزعيم الإسلامي، الذي يخطط، وينفذ إنقلاب على نظام منتخب بالسلاح، ثم يعتقل نفسه مع المعتقلين، إمعاناً في الكذب والتضليل!!
نريد ان نسمع فتواكم فيمن رفعوا شعار الله أكبر، وحرقوا به القرى، واغتصبوا تحت راياته النساء، في جبال النوبة وفي الجنوب، وفي دارفور!!
نريد ان نسمع فتواكم في سرقة المال العام، وبناء القصور الشواهق، من عرق الجوعى والفقراء والمباني العالية التي تنهار من شدة فسادها وخرابها!!
فإن لم تفعلوا، ولن تفعلوا، فاخسأوا فإنكم لن تعدوا أقداركم، ولن تتجاوزوا أسلافكم من علماء السوء.
[1] مجلة الأزهر –مايو 1939
[2] المصدر السابق مايو 1952
[3] المصدر السابق يوليو 1960
[4] http://www.aljazeera.net/NR/exeres/55898EEF-A37C-439A-B980-0E5050CDDE4E.htm
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: علماء السوء ووعاظ السلاطين (Re: Yaho_Zato)
|
مشغولون بالحلال والحرام اما حين يتعلق الامر بشئون الناس المقهورين فهم الصامتون دهرا، لم نسمع يوما انحياز ما يسمي بالعلماء لقضايا الناس او انتقادهم للظلم والاضطهاد والتعذيب، لم نسمع عن ثورة رجال الدين ضد حاكم ظالم او قوانين متعسفة او جرائم ارتكبتها السلطة ضد مواطنيها. لم نسمع بعد بانتفاضة المشايخ المجيدة.
لماذا في رأيهم يتصدي للظلم دائماأناس لا تربطهم علاقة بالمؤسسة الدينية ؟ وهل سينتفضون ضد انفسهم؟ ضد المؤسسة التي تضمن لهم فتات الموائد جزاء وفاقا لفتاويهم المؤيدة للسلطان؟
ينظرون للمواطن المسكين الذي يفترض ان يقفوا الي جانبه، ينظرون اليه من عل باعتباره مارق جاهل يجب ان يبقي بالقوة في الصراط المستقيم الذي يحددونه هم. يقرأ هذا ويسمع ذاك،
ومن سخريات القدر ان هذا الذي يعدونه مارقا جاهلا هو الذي يصنع الثورات التي تبحث عن العدالة الاجتماعية التي تنادي بها الاديان.. لو كانوا يفقهون.
شكرا د. عمر ، وشكرا زول ذاتو.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: علماء السوء ووعاظ السلاطين (Re: مكي النور)
|
عزيزي مكي النور..
جزيل الشكر على المتابعة والتعليق..
هؤلاء الوعاظ ليسوا سوى آلية أخرى من آليات القمع التي تستخدمها السلطات الشمولية، ولا علاقة لهم بالدين من بعيد أو قريب.. تماما كما جرى به قلمك الكريم..
أعتقد أن مقال الأستاذ القراي هذا قد جاء في وقته، ولعله يصبح بمثابة صفارة الإنطلاق لمرحلة جديدة من مراحل مواجهة أدعياء الدين هؤلاء، خصوصا وأن البراح عليهم قد ضاق بعد اتفاقيات السلام، وأزف أوان فضح جهلهم فيما يدعون..
ولك المودة..
قصي همرور
| |
|
|
|
|
|
|
| |
Yaho_Zato
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست