ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-02-2024, 11:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-27-2004, 11:42 PM

Amjed
<aAmjed
تاريخ التسجيل: 11-04-2002
مجموع المشاركات: 4430

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل (Re: Ehab Eltayeb)

    4
    لعبة الزمن

    سيرة الحلم


    (استيقظ) جو في السابع والعشرين من الشهر الرابع بعد الذكرى الأولى لرحيل نون، ولم يجد نفسه في بيت (سيدة الفرح)، ولا أي بيت آخر! وإنما ضمن كومة من البشر وهدف لركلة الشرطي النوبتجي الصباحي! سيقوا إلى خيمة مكتوب عليها (محكمة الطوارئ) رقم (..)! وبعد سين وجيم في الأبجديات سأله الرجل الجالس:

    ـ إنت أمبارح كنت سكران؟

    ـ لا.. كنت قاعد في الكبري!

    تدخل الشرطي:

    ـ كوبري شنو يا مولانا؟ دة جبناهو من البيت الداهمناهو!

    ـ صحيح الكلام دة؟

    ـ والله ما عارف ..

    ـ ما عارف كيف؟ والقزازة دي حقّت منو؟ قال الشرطي.

    تأمل جو الزجاجة. لم تكن غريبة عليه، ومازالت بها بقية أقل من النصف بقليل.

    ـ أيوة دي بتاعتي!! جيبها هنا ..

    وصدر الأمر بجلده، وحبسه ثلاثة أشهر بسبب (حيازة الخمر) بالاعتراف!!

    وفي السجن، استعاد جو ذاكرة المدينة. والله، والنهر، والناس. واستعاد صور أستاذ عساكر ورينقو، وأبدللاهي إساخا. وأيام نون.

    بدأ يسمع من زملاء السجن الحكايا الطويلة. ويفكر ويفكر..

    كانت بعض التفاصيل لا يعرفها أحد! بعضها يختلط ببعض! فنبتت في ذهن جو فكرة (أخبار الأيام). كان يجلس ويستمع ـ في الليل ـ إلى أحزان رفاق السجن بكل تفاصيلها ويضيفها إلى أحزانه الخاصة. وعندما يؤخذ إلى منزل ضابط السجن ـ ليغسل الملابس والأطباق وينظف الحمامات ـ كان يستلف من ابن ضابط السجن بعض الأوراق والأقلام ويدون تحت عنوان: (أخبار الأيام) كل ما سمعه. "لابد أن يعرف الناس الحقائق"، هكذا كان يقول لنفسه. وقد استغربت زوجة ضابط السجن أن يكون مثل هذا الرجل في السجن! فصات تعامله بشيء من الود. وتم إعفائه من الغسيل وأصبح مدرس الإنجليزي لإبنتها.. صارت تعطيه الطعام الجيد، وتهديه الأوراق والأقلام، وتحفظ له (أخبار الأيام) في دولابها!! إلى أن جاء السابع عشر من يناير. فأطلق سراحه ـ لسبب لم يكن يعرفه ـ قبل عشرة أيام من انتهاء المدة!

    قامت زوجة الضابط بإعطائه بنطالاً جديدا وقميصين وخمسة جنيهات وودعته قائلة:

    "عليك الله ما تنقطع مننا".

    حمل جو كيسه وأخبار أيامه وذهب. تجول في المدينة. عبر جسر (بُرِّي) إلى الخرطوم، ثم جسر النيل الأزرق إلى بحري. ثم جسر شمبات إلى أمدرمان. ثم جسر النيل الأبيض إلى الخرطوم مرة أخرى. كان ماشياً على رجليه وكيسه على ظهره يقول مرة بعد مرة:

    "إييه! ... ما أحلى الحرية!!".

    بجوار حديقة الحيوان، وفي ذلك العصر، جلس أمام الكشك، أفطر، ثم استلف الجريدة من صاحب الكشك..

    فتح الصفحة الثانية:

    "الحمد لله .. لسة في سينما!!"

    سينمتان فقط! أخبره صاحب الكشك أنهما أهم مصادر الدخل لـ(واحد كبير في الحكومة).

    في كوبر: "التحفة الهندية الرائعة (شولي)، بطولة دهر مندرا وأميتاب بيشان (أبوطويلة)"!

    "آآخ يا أبوطويلة.. أين تكون أنت الآن؟"

    قام، وضع كيسه على ظهره ثم عاد إلى (كوبر). "والجوة وين؟ جوووة.. والبرة وين؟؟ جووووة"!!!

    كانت السينما مزدحمة، لكن الصدفة تواطأت وحنت على جو:

    ـ عايز تذكرة يا شاب؟ في واحد أخونا معانا ما جا..

    ـ جيب.. جيب!!

    ودخل جو السينما. وكان الفيلم (هندياً تماماً). ولما انتهى، نسي جو أنه يحمل أخطر الجرائم وصك إدانة الزمان! (أخبار الأيام). ولكنه كان لا يريد أن ينام هذه الليلة بالذات داخل أي جدران! ذهب وتجول هنا وهناك، ولم يأبه للطوارئ! تعشّى في أكشاك السوق، وحمد الله وشكره، ثم قام ومشى. وبجوار نادي السجون، لاحظ زيادة عدد الحراس! ولكنه قدّر أنهم يعرفونه. وهو يستطيع أن يثبت لهم أنه قد تم إطلاق سراحه، وإن عصلجوا، سيستعين بزوجة الضابط!

    توسد كيسه ونام بالقرب من سور النادي. كانت نومته عميقة، لم يكدرها أي كابوس! وفي الصباح، استيقظ على إثر جلبة عظيمة حول المكان!! كميات من البشر تتقاطر وهي تهتف "الله أكبر.. الله أكبر"!

    ظن جو أن الثورة قامت.

    ولكنه استقصى؛ سأل الرجل الذي كان على نية أن يتسلق الحائط:

    ـ في شنو الليلة يا أخونا؟!

    ـ الكافر (محمود محمد طه)؛ الليلة رجمه؟!

    ولأول مرة يجد جو كافراً متعيناً! فكل ما كان يعرفه عن (الكفار) أنهم (أبو جهل) و(أبو لهب) و(فرعون)؛ وأنهم ـ على أي حال ـ مرتاحون في قبورهم! فقفزت إلى ذهنه صروتان متداخلتان؛ صورة ذلك (الكافر) الوقور التي تظهر مرات في الجرائد، وصورة أولئك الفتيات ذوات الثياب البيضاء اللاتي اشترى منهن كتاباً ذات يوم في ممرات السوق الأفرنجي، ذلك الكتاب الذي ذكره بعم عبده!

    تسلق جو الحائط مع المتسلقين.. ولكنه لم يهتف. ‍قال لنفسه: "من لم يمت بالسيف مات بغيره"، ثم تخيل أن هذا الرجل سيسعد بعد قليل بلقاء نون وجميع الراحلين..

    "يا لفرحته.." ـ قال .

    جاءت طائرة هيليوكوبتر، ومرت فوق المكان.

    لم ير جو شيئاً بعد ذلك إلا وهو يعبر (كوبري بري) ماشياً، وبعض الرجال واضعين عماماتهم على وجوههم يبكون بعد أن كانوا يهتفون!!

    في الديم، وجد ديكور جالساً يرسم لوحة كبيرة للرجل. كان منهمكاً لدرجة أنه لم يرد التحية لـ(جو) ـ رغم أيام الفراق الطويلة بينهما.

    ولما إنتهى ديكور من البورتوريه، إلتفت إلى جو قائلاً:

    "تفتكر فاضل حاجة تاني؟"

    (كان صلاح زين قد ابتهج ثلاث بهجات؛ الأولى البيت الأبيض صار له وحده. والثانية أنه تزوج من بنت الوزير. و(ثالثة الأثافي) أن (الكافر) قد زهق.

    أما السيد زين العابدين، ففرح فرحتين: الأولى أنه دخل معهداً للرشاقة واشترى بدلاً جديدة بعد أن صار اسمه يرد مع كل لستة ترشيحات للوزارة، والثانية أنه سلم المقاول خارطة الفيلا الجديدة في (حي النيل) من فيء البركات فرع ماوراء البحار (OVERSEAS) فرد جو:

    ـ الفاضل ديل..

    ولكن العالم لم يكتف بـ(مؤامراته التقليدية) كما يسميها عامر ديكور، كلما قرأ عليه جو خبراً من أخبار الأيام، وإنما تجاوز الجلد إلى العظم. عرف جو بسوء الحال بعد أن تخاذل المطر للمرة الثانية، و(كسر) الموسم. ولكن أشجى ما في الأمر أن مصطفى بطيخة قد أضيفت إليه أعباء جديدة بعد أن تخلص من عبء أولاد قرف. فصار يعول أسرة عثمان سنين بالإضافة لآخرين كثر‍! وقد أخفى على عثمان سنين حقيقة ما حدث لجو وحكاية سجنه وجعل له مرتباً ـ يكذب عليه بأن جو هو الذي أرسله!! ‍لقد استشعر بطيخة بحنكة التاجر، ما صار إليه حال الناس عندما مر يوماً على طاحونة جاره ووجد إمراة تكنس غبار الدقيق وتضعه في إنائها. ولما اتسفسر عرف أنها تاخذه لتطبخه لأطفالها الجائعين .. فواصل المرتب.

    أعلن جو وديكور ـ هما الآخران ـ حالة الطوارئ، لإنقاذ بطيخة من الإفلاس. فتحا (خاناً) لبيع أدوات الزينة التي يصنعانها في الليالي وهما يسكران خفية، ويستعيدان ذاكرة الجسر وينشدان نشيدهما خلف الجدران:

    لن ننسى أياماً مضت لن ننسى ذكراها.

    ..

    كانت (أياماً) اتسعت فيها الرؤية حتى ضاقت العبارة. وكانت الفنتازيا هي الحكي عن الذين ذهبوا وحملوا معهم وعوداً بأيام قادمة ستأتي من رحم الليل الطويل.

    كان شربات قد تخرج في كلية الشرطة. وأصبح ضابطاً. لكنه لم ينفذ من وعيده وتهديده إلا حينما سمع (حاضر سعادتك) من الشاويش بشرى لتصبح أنهار بشرى أول غيمة في صحاري قرف.

    وقد ظل شربات يلقى بأوامره اللطيفة (للبصل المعفن) والجراثيم وكل الممحوقين في الأرض من الذين صادفهم:

    "أسمعي .. يلا أمشي شوفي ليك شغلة تانية ربي بيها عيالك.."

    ويصرف لها كانوناً!

    "... شوفي ليك أي شجرة أو حيطة.. وسوي شاي. ولو رجعتي للحاجات دي تاني أعملي حسابك لحدي ما ربنا يفرجها.."

    وأحياناً يأمر بإيقاف عربة الكشة عند المنعطفات، ولما يهرب المكشوشين، يأمر جنوده بصرامة:

    "خلوهم.."

    كان يشارك جنوده في السراء والضراء. وكانوا يحبونه ويثقون به إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أُمر فيه بالتحرك إلى شارع الجمهورية وكانت الخرطوم في ظرف أكثر أيامها اشتعالاً.

    في تنوير ضباط العلميات، جاء الأمر صريحاً (تفريق المظاهرات بالقوة) ليس بالبمبان فحسب، وإنما بالرصاص.‍ رابط الملازم عثمان شربات بجنوده تحت قيادة رائدهم منذ الصباح الباكر في المنطقة المحددة.

    قبيل العاشرة، جاءت الأمواج تهدر.

    ألقى الرائد بالأمر الجلل..

    لكن سعادة الملازم عثمان شربات (خالف) وألقى بتعليماته:

    "مفيش ضرب.. (الشرطة في خدمة الشعب)".

    وبحنكته القديمة، استطاع أن يقنع قائده بأن "الشرطة في خدمة الشعب" وليس العكس. ثم صارا معاً يدلان الناس على الابتعاد عن المناطق الملغومة؛ التي يقود العمليات فيها الضباط الموالون.

    كانت الجرائد تحمل في صفحاتها أخباراً مزيفة عن أعداء (للوطن) مندسين لتهديد (أمنه وسلامته). ولكن شموس تلك الأيام، حملت في معيتها إيقاع زمان جديد.

    كتب جو رسائل حميمة إلى كل الذين فاتوا في رحلة العمر. وأعاد لهم ديكور إبتساماتهم في اللوحات التي رسمها لوجوههم السمحة.

    صار منزل ديكور وجو غرفة العمليات. واستعادت فرقة مسرح الرصيف نشاطها. وانضم إليها أعضاء جدد أهمهم عوضية، التي أظهرت مواهب مدهشة في التمثيل وبراعة في الاستعراض لا تدانيها فيها الممثلات المحترفات. وإكباراً لجو فقد (أمنها) أهلها له، وحتى خطيبها العريف إسماعي كجّو، فرح جداً لدرجة أنه فكر أن يترك الجيش ويعمل معهم في الفرقة ليمثل أدوار البوليس والجنود التي يجيدها بطبيعة عمله. وظهر المخرج الموهوب نجم عبد الخير، الذي أحب أفاق جو ونظّم الإرتجال وأزال شوائب الجربندية.

    كونت جماعة صلاح حزب اللافتة ‍ وانضم إليهم السيد زين العابدين! ‍

    ملأوا البلاد باللافتات التي تشجب وتدين وتؤكد وتزعم وتدّعي. وتسب وتقرر، وتجري وتقف وتتبرأ وتتجرأ. وهلمجرا .. وإستغماية مع (هلمجرا)..

    ما كان جو ورفاقه يحفلون بما يجري من شجار. كان جو يرمي حجراً على بعد نصف قرن ثم يبدأون في رصف الطريق إليه. ويلقي نجم عبد الخير بحكمته: "إذا رصفنا هذا الطريق.. فبالتأكيد سيصل أحبابنا القادمون وراءنا بأسرع مما نحن فيه. هيا إلى البروفة".

    صارت ليالي المدن تستضئ بمسرحهم. كانت روابط الطلبة تستضيفهم.. سائقوا البصات ـ أحياناً ـ يأمرون كماسرتهم بأن يردوا لهم ثمن التذاكر. ستات الشاي يرفضن أن يأخذن منهم ثمن الشاي والقهوة!!

    في (المدينة)، زار جو عزة، فرأى اللوحة القديمة، وكتب مسرحية (عودة النوارس) التي أسست لما صار يعرف (بمسرح الجمال). وصادف يوم عرض مسرحية زوار الليل، على خشبة مسرح المدينة الكبير أن كان أستاذ عبد الجليل ـ الذي صار عضواً في حزب اللافتة ـ يتحدث في ندوة حزبه في ميدان الكراكة. وما أن أنتهت المسرحية حتى هجم الجمهور على الميدان، ورجم جماعة حزب اللافتة بالحجارة.. ولم ينقذهم إلا تدخل جو ونجم عبد الخير، الذين استمتعا لأول مرة (بالساوند سيستم) شارحين للناس أنه في هذا الزمان "يحق للحمار أن ينهق كما يحق للعصفور أن يغني، دون أن يتدخل أحد في غناء أحد، أو يتدخل أحد في نهيق أحد. وأنه لا يحق للعصفور أن يمنع الحمار عن النهيق. كما لا يحق للحمار أن يمنع العصفور عن الغناء. كما إنه يحق ـ أيضا ـ للحمار أن يعتقد في أن نهيقه أجمل من غناء العصفور، مثلما يحق للعصفور أن يعتقد في أن غناءه أجمل من نهيق الحمار، ومن أعجبه هذا فيذهب إليه، ومن أعجبه ذاك فيذهب إليه أيضاً"!!

    وفي كسلا، صعد جو جبل توتيل في الليل وكتب مسرحية إحتفال النيازك.

    لفوا المدن، جل المدن، الصغيرة منها والكبيرة، وبدأ الزحف على القرى. فكانوا كلما مروا بقرية. أصبح أطفالها يستعيدون ذاكرة الرتائن. ويضيفون إلى ألعابهم البلدية ألعاباً بلدية أخرى.

    كان جو لا ينام إلا بعد أن يكتب (أخبار الأيام). ويرسل رسائل عبر جسر الغياب إلى كل الغائبين، يختمها قائلاً:

    "أعرف أنكم كنتم معنا.. وأعرف أنكم تبتسمون.. وأعرف أنكم تستعدون للمساءات القادمة لاحتفال جديد ..".

    وكذلك مرت الأيام الجميلة كما البرق. وفي اليوم السابق للذكرى السابعة لرحيل نون، قضى جو المساء يحكي للنيل (أخبار الأيام). ومع نهاية كل قصة، يلقي بحجر فتنداح دوائر ودوائر.. ودوائر ..

    كانت المدن غافية. والكهرباء في الخرطوم تقطع وتجيء. المتشاجرون يتشاجرون. وكتاب الصحف (المأجورين) يلفقون الأخبار. و(غير المأجورين) يصححون أخطائها اللغوية فحسب!‍

    وضع جو خطة الاحتفال بالذكرى السابعة لرحيل نون بأن يصحو مبكراً، ومع طلوع الشمس، يلقي بقبلة على ابتسامتها. ويضع كلات الأزهار على بورتوريهات الغائبين الحاضرين. ويحمل كلة أخرى ليضعها على جيد النيل رغم ما بينهما من ثأر.

    في الصباح، وبعد أن أكمل الطقس الأول، سمع الضجيج في الشارع. ‍خمّن أنها مشاجرة بين نسوة الحي بسبب صبيين أحمقين دلق كل منهما لبن صاحبه في طريق العودة من أمام (دكان الفوراوي)؛ حيث يقف (سيد البن). ولكنه لما أدار مؤشر الراديو، إذا بالطامة الكبرى تتكور وتنفجر مع حماسة المراشات العسكرية!! ‍

    قال جو لنفسه: "إنهم هم!".

    ولم تمض ليلتان كما مضت على أستاذ عساكر إلا وجاءه زوار الليل! بدأوا أولاً بتهشيم الصور! ‍كان جو قد رأى هذا المشهد قبل ثلاثة قرون وهو ما كان سوى (فكرة) في خيال وأحلام جده الرابع عشر في قرية الدناقر. عندما طار وقتها وحلق وتداخل مع أحلام وكوابيس (عم كوني فارس الغابة) الذي سبقت أحلامه الزمان ليرى ما حدث بعد ثلاثة قرون من لحظته تلك وكل ذلك من فرط حبه لقرية الدناقر وناسها!!

    بعد إن هشموا اللوحات والصور، أخذ زوار الليل الكتب و(الأوراق) ومن بينها كل رسائل نون و(أخبار الأيام)، تلك التي سببت له من العنت ما لم يصدقه. فقد استفادوا منها إيما استفادة في تعذيب المعتقلين! أدرك جو غلفته هو أيضاً بعد أن ظن أن المدينة وحدها هي الغافلة. وكان ذلك آخر الدروس الصعبة.

    كان جو يحب الحرية. ولكن طالما أن رأسماله هو دماغة، وهم لا سسبيل لهم إليه بسبب جدار حنكة سنين الفواجع العظيمة، فقد وضع أفعالهم معه مكان العادية. ولكن ما آلمه هو خبر موت عثمان سنين قبل إن يرى ثمار شجرة الحلم التي بدأت تمد فروعها في الفضاء وترك بت النور وحيدة. وهي قد تكبدت المشاق وأتت إلى (هنا) لتحمل مصاعب العيش مع (البرجوازية) (المحرجة) من هيئتها القروية. ثم بعد ذلك كله لم يسمحوا لها بمقابلته، وهو يعرف مدى الغبن الذي عاشته وتعيشه.

    وبالطبع لم يزره أحد، ولكن رسائل منتظمة كانت تصله من ديكور وعلى إسماعيل عبر وسائل شربات الخاصة. كانت في البداية رسائل جميلة (مفعمة بالأمل). ثم بدأت تزحف باتجاه المرارات. إلى أن صارت حنظلية.

    عرف جو أن على إسماعيل قد أخطأ في كسر صغير في حسابات تكتيكات اللعبة، ولم يقدّر أن (بلّة) الجنايني الذي انتحل شخصية عم عبده، كان يخفي (نظارة سوداء) تحت لحيته الصغيرة.

    قال جو؛ "حتى صورتك إنت يا عم عبده!!؟‍". وقد قُبض على علي إسماعيل، وضُرب حتى كسرت رجله. ولما خرج وجد نفسه (على باب الله). فكتب إلى جو رسالته الأخيرة وهو يتسلل عبر المطار بأسم غير إسمه بادئاً إياها بقول الشاعر:

    "مافي غير تلكع تسافر

    شيل حقايبك وامشي بينات الشعوب"!!

    ثم رسالة أخرى من ديكور، أتمت المرارات، يأسف فيها على رحيله إلى أرض الحبشة، بعد أن انتظر لمدى عامين يصحو كل صباح ويجر كرتاً فيجده إما دو(2) أو تريس(3).

    قال ديكور في رسالته:

    "دي قافلة معانا. وشكلها حتطوِّل!"

    وعمل بالحكمة الدينية "وامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور.." ـ كما فعل أبو خسين الذي فر بدينه إلى جوار النبي ـ وأوصى جو بأنه لو خرج حياً وليس (جدثاً) أن يذهب إلى ود عبد الوهاب الذي كانا يؤجران منه الخان في أيام (التحف) "والمجاعة الرحيمة" ليجد عند ه بعض الأشياء.

    بعد عامين من تلك الرسالة، وجد جو نفسه في فسحة وراء ضواحي أم درمان! بعد أن أُلقي به كما تلقي النفايات! قال له الحارس الذي فك العصبة عن عينيه:

    "إنتو خلاص إنتهيتوا. بقيتوا كوشة. تاني ما ليكم لازمة"!



    أدخر جو لقاء شربات ليوم أخر سيجيء ـ وقد بنت ليالي التفكير الطويلة جبل الاحتراس ـ قال ـ "سأذهب إلى ماجد عبد الرحمن، فقد يكون أدرك (جوهر المسألة). وحتى لو سئل ستكون الإجابة:

    ـ دة ود عمتي..

    وستنتهي الحكاية، على أي حال ـ بعد سين وجيم ـ بتفحُّص الأوراق إياها ومقارنتها بأقوال بت النور في إجابتها على أسئلة من شاكلة:

    ـ وإنتي هنا في الخرطوم قاعدة مع منو؟"

    ولكن المفاجأة كانت قاسية رغم الخبرات الطويلة مع القساوة. دخل جو الصيدلية المضاءة بكثافة. بقى لدقائق يتأمل رفوف الأدوية. نظّر في خياله في (ديكور) الصيدلية ليغتنم أول فرصة فراغ ليدخل منها.

    وجاءت الفرصة:

    ـ إزيك يا ابن خالي ..

    ـ آآ... أهلاً.. جو!!؟

    وتلفت ماجد عبد الرحمن خوفاً ثم سأل جو وهو يرتجف:

    ـ وإنت مرقت متين؟

    ـ الليلة..

    ـ ومارق الليلة جاييني طوالي؟ ليه ياخي؟؟

    ـ إنت ناسي إنك إبن خالي ولا شنو؟

    ـ يا خي ديل بعرفوا كلام زي ده؟ إنت عايز تودّينا في داهية؟

    ـ إنت خايف كدة مالك؟!!

    ـ ياخي أنا زول عندي أسرة! كيف ما أخاف؟!

    مرر جو بصره على الأرفف مرة أخرى، وقارنها بالحكايات التي سمعها في المعتقل عما صار يجري للناس بسبب الأدوية، وقال:

    ـ خلاص يا قريبي، مع السلامة..

    وخرج.

    وأثناء تجواله، وفي الطريق الذي يمر أمام المستشفى. كان يخمن في ذهنه ما ستكون وصايا ديكور.

    رأى أشياء كثيرة تغيرت. قامت مباني جديدة، طُليت واجهات المباني بلون البوهية التي كان يحتكرها ويخزنها صلاح زين العابدين وصار عدد اللافتات مهولاً!

    وفي يوم، وهو يمر أمام حوادث المستشفى، رأى شخصاً كأهل الكهف ـ شعره كثيف، لحيته غبراء، عارٍ إلا من سرواله الداخلي! مكوماً حوله جبلاً من الأوساخ؛ جوالات دقيق، أكياس أسمنت، جرائد، هياكل راديوهات وتلفزيونات، عوادم عربات، بقايا كوانين ستات الشاي وأشياء أخرى كثيرة! كان يجلس أمام تلك الكومة ويصبح:

    "فتين .. فتين. شوف هاجات دة كلو أنا جبتو ليك"

    وينادي المارة:

    "شيف.. شيف.. هاجات دة كلو أنا جبتو لفتين"

    اقترب جو:

    ـ أبدللاهي إساخا.. إزيك. أنا جو؟ إنت ما عرفتني ولاشنو؟

    ـ تآلي شيفي. هاجات دة كلو أنا جبتو لفتين..

    ـ أنا جو.. تتذكر زمان لمن كنا نقعد نقرا الجوابات سوا ؟

    ـ شيفي شيفي.. هاجات دة كلو أنا جبتو لفتين..

    ـ ؟؟؟!!

    ـ ...

    وفي المكان الذي كان مكتب المقاول، الذي شهد أحلى الإنتظارات لرسائل نون على مدى أعوام، قامت عمارة كبيرة، "بنك الـ.. الـ..". ولافتة بحجم بوابة المدرسة "شركة البركات للتجارة والإستيراد"، حاف هكذا! بعد أن إختفت كلمة (المحدودة) التي كانت ترافقها في أيام مضت! ‍‍‍‍

    أشياء كثيرة أخرى تبدلت: فكلمة (الله) مثلاً، صارت تعني (البنك)! ‍وكلمة (المستشفى)، صارت تعني (الدكان)!! ‍ و(الجامعة)، تعني (الروضة)!!! و.. و...

    قال جو لنفسه:

    "ما رأيك يا جو؟"

    تلك هي إستعارة للعبارة "ما رايك يا نجم؟" التي كان يقولها نجم عبد الخير المخرج ـ لنفسه ـ بعد أن يفرغ من قراءة نص جديد كتبه جو.

    إلتقى جو بود عبد الوهاب وكانت قد بانت على وجهه غبشة وكهولة مصارحة. وكعادة الرجال الطيبين، تأسف لما حدث لجو وتأسف أنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا له أي شيء. ولم يك خائفاً، فأكرمه وحكى له الحكايات وأكد له أنه (بقى على الحديدة) وأن (البرّة زي الجوة)..

    "يا خي ديل بخلو حاجة!؟ لكين الحمد لله إنت ود حلال.. جيتني في الوكت المناسب. أنا هسع مفكر أبيع الدكان. وكنت بفكر أنقل الحاجات بتاعتك دي البيت، وحتى والله كلمت الأولاد يفضّوا الحمّام بتاعي داك عشان أعمله مخزن ـ ما تآخذني يا خي. أنا ذاتي باقي حاجاتي عايز أنقلها هناك".

    وجد جو كل أدوات العمل القديمة. وبعض ما نجا من (مسرحية الثور في مستودع الخزف). كان عامر ديكور قد قام بإعادة رسم كل اللوحات التي هُشِّمت. وبنفس الإبتسامات القديمة. وأضاف إليها صورته وهو يبتسم إبتسامته الساخرة تلك، واضعاً قبعته المعهودة على طرف رأسه، وبقايا الألوان على أصابعه، ممسكاً بفرشاته يضع اللمسات الأخيرة للوحة داخل اللوحة يظهر فيها جو وهو حاملاً صخرة كبيرة كصخرة سيزيف، وصاعداً بأتجاه قمة الجبل وأمامه لافتة في شكل سهم:

    >---------- إلى المستحيل

    ولوحة سوريالية سماها (صوت عم عبده)!

    وفي البيت، وبعد الغداء، دخل ود عبد الوهاب وأخرج الوصية:

    عد أربعين ألفاً من الجنيهات وسلّمها لجو ومعها الرسالة:

    "الذكرى التاسعة لرحيل نون. وأنا أحتفل وحيداً بالنيابة عنك. لم أجرؤ على شيء واحد لأنه يخصك أنت وحدك.

    عزيزي جو:

    ما زال في العالم متسع لي ولك وللذين نحبهم. تأكد دائماً أن حذاءك مربوط جيداً وبحزم، وقبل أن تلبسه تأكد أن ليس فيه حصى. لو تأخر خروجك، فلن تكفي الجنيهات التي سلمها لك ود عبد الوهاب قبل قليل لشراء حذاء.

    أنت تعرف أنها أخر ما عندي ..

    أمنياتي لك بالتوفيق في مارثون الزمن.

    بقية الأشياء قد تفيدك..

    اليوم أكملت لكم دينكم

    ولي الرحيل.

    ديكور

    الذكرى التاسعة لرحيل نون"


    ****



    عقب الذكرى الحادية عشر لرحيل نون، سرّب جو اللوحات والأدوات إلى (المدينة). وذهب إلى أبدللاهي إساخا وقال:

    "وداعاً صديقي، سنلتقي في الزفة القادمة".

    كان قطارالميجا قد خرج ذات يوم ولم يعد! لتحل محله بصات (المجد) التي تمتلكها شركة (البركات غيرالمحدودة). لم يجد جو مفراً من دعم (الوطن). وأشترى تذكرة مغادراً إلى (المدينة).

    وهناك، كان أول من صادفه هو البصلة المعفنة الكبيرة مصطفى بطيخة، الذي اضطر في السنين الأخيرة أن يعمل كومسنجياً متجولاً بعد أن أفلس دكانه مِن كثرة مَن صار يعولهم مِن الناس. ولم تسعفه من عاديات الزمان إلا أريحيته وشهرته وتاريخه الشخصي النظيف. فكل من نقص عنده ثمن الفرار، تكفل مصطفى بطيخة بإقناع سائق اللوري ليوصله ويختم (أوامره) التي لا ترد بـ"إتكل على الله يا رجل!".

    وأول ما صدع به بطيخة ـ كعادة الكومسنجية في إفشاء أسرار المدينة ـ هو أن أخبر جو بأن أستاذ عبد الجليل قد عُيِّن محافظاً للمدينة وضواحيها! وأن أول عمل قام به هو (هدم مسرح المدينة الكبير) وتحويله إلى (بورصة محاصيل)!! صُعق جو من الخبر، لأنه كان يتوقع أن يتم تحويل المسرح إلى (مسجد) ـ الذي كان، على الأقل، سيحل ضوائق السابلة المساكين، ويوفر لهم مظلة تقيهم غلواء الحر في أيام الحر، وهوجاء المطر في أيام الخريف!

    وبعد،

    واصل جو تصفح بانوراما المدينة. وجد ساقيه قد ساقاه إلى الأماكن الحميمة القديمة. كانت الإغنام ترعى في (المدرسة) التي تحول إسمها إلى إسم أخر. ولم تعد الداخلية داخلية، فقد تم تحويلها إلى ملكية منظمة الـ.. الـ..المشهورة!

    أجل جو طواف القدوم، وذهب إلى الأميرية ـ مرتع الغزلان القديم.

    كانت حيطانها قد تهدمت وأشجار لالوبها جفت. وتحولت لافتتها إلى لافتة أخرى (معهد علوم الـ...الـ..)، وأغلقت بقية المدارس في إنتظار أن يفتحها الله!!

    وفي المساء، ذهب جو للتنزه عبر الجسر. كانت الأشجار قد أزيلت. وبقي الجسر عارياً كأبدللاهي إساخا! ولم يعد أحد يتخذه متنزهاً! فبالإضافة لتهشم منظره، صارت الشرطة تتدخل وتسائل الناس كلما عبروا في الأمسيات! كان ذلك ضمن خطط أستاذ عبد الجليل لمحو ذاكرة المدينة!

    وفي الليل، وقبل الخروج إلى (الكعبة)، أسر جو لبطيخة بعضاً من أسرار الليالي القديمة مع (الكعبة). فضحك بطيخة ضحكة أعادت أيام زمان وقال:

    "على اليمن دي إبليس ما عملها!!"

    ولكنه صرح لـ(جو) بعدم جدوى الذهاب إلى هناك. لأن ذلك المكان كان قد أصبح في العام الفائت مأوى للجنود غير النظاميين!! وأضاف بطيخة وهو يواصل ضحكته القدرية:

    "والله ما تلقى التكتح!"

    وفعلاً، لما وقف جو على الأطلال. كانت النافذة مهشمة. فقد أخذ الجنود أخشابها. ولم يعرف مصير (النملية)! بل حتى الزنك وأخشاب السقف (ذهبت في خبر كان)!!

    إلتقى جو بسيف حسن. وعرف أنه تزوج جليلة. وأنجبا ملويزي و مابانا. وعرف أن عزة إنتقلت لتسكن بجوارهم. وقد صارت (أبلة عزة) التي يذهب ملويزي ومابانا مع رفاقهم كل صباح إلى بيتها الذي صار روضة تدرّس فيها الأطفال (أحلام الزمان). وفي أيام (الحنين)، يبقى سيف حسن ويعزف لهم أغنيات (الزمان الجاي) التي كانت يوماً (أحلام بكرة) على النورمال جيتار فيغنون.

    فرح جو،

    ولما إلتقى بـ(أبله عزة)، وجدها ما تزال تضع أمام عينيها نظارتها السوداء تلك! أحتضنته بإلفة بالغة. واستعادت قدرتها القديمة على البكاء المرير.

    أستغل سيف حسن المناسبة واقترح على جو أن يسكن معهم. ولكن المشكلة كانت في بعض تفاصيل جو، التي تتضمن عودة نورس إسمه بت النور. لكن عزة حلت المشكلة فوراً. أمرت جو أن يأتي ببت النور لتسكن معها في بيتها وترافق والدتها. وعلى الأقل ستجدان فرصة لتبادل (إشعاتهما القديمة) وتسعدان بصحبة بعضهما في آخر أيامهما. كان ذلك حلاً جيداً. فأُحضرت بت النور، وهُدم الجدار الفاصل بين البيتين. وبعد أيام أُفتتح دكان بطيخة مرة أخرى. ولكن هذه المرة خاناً للتحف وأعمال النجارة. وملجأ لطالبي الديكور، بالإضافة لزبونات سيف حسن من الفتيات الراغبات في زيادة أناقتهن وهن كثيرات ـ خاصة بعد تفشي ظاهرة (العزوف عن الزواج)!

    بدأت الدنيا تستعدل مشيتها قليلاً. كان جو وسيف حسن يعملان في النهار، ما عدا أيام الأحد والأربعاء. الذين خصصاهما لروضة عزة. حيث يعزف سيف حسن على النورمال جيتار، ويقوم جو بضبط الإيقاع واختراع الجملة الحركية للصغار لأداء الأناشيد وراء عزة وجليلة.

    وفي كل خميس، بعد أن يمشط جو لمابانا الصغيرة شعرها، يذهبون جميعاً بصحبة الصغار للتنزه وعبور الجسر ويرزعون الأشجار القديمة في ذاكرة هؤلاء الصغار.

    في الليل يذهب جو إلى (سيدة الفرح). ويأخذ مرتبه اليومي، ثم يعود إلى الغرفة. يجد عزة وجليلة تعدان العشاء. وسيف يعزف على النورمال جيتار لملويزي ويغني له:

    "عندما تكبر قليلاً وتطول يداك.. سأعلمك كيف تعزف يا صديقي.."

    فيجلس جو، ويضع مابانا الصغيرة في حجره، ويحكي لها حكايات (الثعلب في الغابة) وهو منهمك ـ في نفس الوقت ـ في قصقصة الجلود والأقمشة.. وأياً من لوازم الشغل. وأحيانا يخطط في كراسته تفاصيل المسرحية القادمة التي اكتملت في ذهنه. وبعد أن تنام مابانا، يحملها إلى سريرها ويعود ليتناول الأرشيف ويكتب أخبار الأيام ثم ينام.

    مع شقشقات الصباح يصحو، ويصلي صلاة اليوم الواحدة! يقرأ سورة الفاتحة التي يحبها. وسورة البلد، التي يؤمن بها، ويردد قول المسيح "أنتم ملح الأرض.. فإذا فسد الملح فما الذي ....؟". وأحياناً جزءاً من نشيد الإنشاد!

    كان جو لا يدعو أي دعاء! فهو مع الحكمة القائلة بأنه "ليس هناك داع للصياح وإزعاج الرب طالما هو يعرف كل شيء.. وإذا كنا قد ارتكبنا أشياء مخجلة ـ وهو يعلمها بالضرورة ـ فليس هناك معنى من محاولة خداعه (بكلمات حلوة).."! وعلى رأي المقدم عثمان شربات "أن هذه الكلمات الحلوة تنفع مع الفتيات فقط، ولكنها لا تنفع مع الرب"! ومن دواعم هذا الموقف أنه في أيامه الأولى في المدينة، أستيقظ يوماً مبكراً وداهمته الرغبة في أن يصلي الفجر مع عم عبده ـ رغم علمه بانتقاله إلى الرفيق الأعلى! فتوضأ ومضى باتجاه الزاوية. ولكنه لم يتصور أن الدكاكين التي نبتت كالمسكيت على سور الزاوية قد امتدت إلى داخلها أيضاً! فمنذ رحيل عم عبده إلى رحاب الله، أستولى ود العمدة على المايكرفون الذي لم يهنا به عم عبده إلا أيام قليلة. وبدلاً من (أسبحنا وأسبح الملك لله) سمع جو حشرجة حنجرة الحوت: "اللهم كفر عنا سيئاتنا.. اللهم أهزم أعداء الدين.. اللهم... اللهم.."! فقارن جو الصوت بصورة ود العمدة، الذي صار (أمين اللجنة)! أستحضره لما كان يمر أمام المشغل ملقياً بتحيته:

    "السلام عليكم يا (شيخ) سيف.."

    وهو يحمل سبحته بيده اليمنى، وأشداقه قد كبرت حتى أطاحت برقبته، وقد امتدت مؤخرته وهو يرتدي عراقيه وسرواله الفضفاض، ويضع طاقيته بطريقة (فكي شاف لحم)! فعاد جو أدراجه، وظل يسمع صوت عم عبده بوضوح كلما نظر في الفجر إلى اللّوحة التي رسمها ديكور!!

    وفي تلك الأيام، كتب جو مسرحية (الطريق إلى المدن المستحيلة)، التي تحكي عن قافلة من الناس ضربت أرضهم المصائب.. فخرجوا باتجاه مدن على ضفاف أنهار سمعوا بها في أخبار الزمان. وفي الليل الطويل، وجدوا جبلاً عظيماً سد عليهم الطريق. فاختلفوا؛ بعضهم آثر الذل والمسكنة والبقاء تحت رحمة هوام الجبل. وآخرون من الشبان المتهورين، قرروا المضي قُدُماً، وتسلق الجبل. كان هناك شيخ كبير، يحمل حفيده على كتفه قد قرر مواصلة الطريق. وكلما ظهرت صخرة كأداء، أنزل حفيده، واتكأ على عصاه، وحنى كتفه قائلاً للشبان:

    "هيا .. ضعوا أرجلكم على كتفي واصعدوا واسرعوا".

    ثم ينتظر حتى يمر نيزك فيحترق ويضيء. وفي لمح البصر يضع الجد علامة في المكان، فيساله حفيده:

    ـ لماذا تفعل ذلك ياجدي؟

    فيرد:

    ـ عندما يجيء الذين بعدنا، فلن يضلوا الطريق.

    ويحمل حفيده ويواصل.

    وفي أخر المشهد. تشرق الشمس. ويجدان نفسيهما في المنحدر الآخر. فيتوقف الجد ليستنشق عبير الشمس. ينطط حفيده على كتفه ويصيح:

    "أنظر يا جدي. إنها المدينة!!"

    "أنظر بيوتها الجميلة!! أنظر النهر!!".

    "ياآآه يا جدي! أنا سأذهب إلى هناك والعب بالطين! أنا فرح يا جدي!
    أنظر أسراب الطيور.. كيف هي جميلة!!"

    ولكن الجد في تلك اللحظة كان قد مات واقفاً وهو متكئاً على عصاه!!!



    ****


    في الحادي والثلاثين من ديسمبر، وبعد مرور نصف عام على الذكرى السابعة عشر لرحيل نون، والزمان على وشك أن يكمل دورته القديمة. استلم جو الرسالة التالية من على إسماعيل:

    "جو العزيز:

    أنا الآن واقف على أقصى بقعة في الأرض على ضفاف بحر الشمال. أمامي الفنار القديم، مغطى بالثلوج التي كثلوج روحي التي تحن إلى شمس إفريقيا!

    صباح الجمال يا حبيبي العنيد، وأنت ما تزال تمتهن الأسئلة بالقصي من الإجابات.

    أعرف أنك الآن جالس أمام الديار تكتب مسرحاً جديداً عن بطولات الناس العاديين والناس القادمين. أعرف أنك لم تغسل وجهك جيداً هذا الصباح حتى لا تتبخر فكرة مجنونة عن نشيد تؤديه الحبيبات على أبواب الشمس.

    وأعرف أنك قبل قليل أرسلت ملويزي ليأتي لك ببعض السجائر. وأن ملويزي يماطل في الطريق ويلعب (سكَّج بكَّج) مع سابيمبي..

    أعرف، وأفرح جداً، لأنك أجلت بعضاً من تفاصيل المسرحية القادمة يوم أمس لتقنع مابانا الصغيرة بأن تمشط لها شعرها اليوم. وهي ما زالت لا تثق إلا في رؤاك الجمالية. وتعلن أنها لو كانت كبيرة لتزوجتك أنت، ضاربة عرض الحائط بكل ما تقوله النسوة عن قميصك الوحيد.

    جو العزيز:

    أنا الآن كما تعرف أبصر العالم جيداً بعيني تلك التي كنت تنظفها لي بنفخات من فمك عندما كنا نلعب في التراب. وأعلق على جدران قلبي دائماً صورة ذلك اليوم الذي مشيت فيه حافياً عشرين ميلاً، عبرت الغابات والجبال وضِعْتَ في تلك المدينة التي كانت في مخيلتك المكان الأزرق بحجم المنديل. ذلك المكان الذي أخذوني إليه ليرمموا لي عيني التي انجرحت بعصاك التي قذفتها لترمي لنا بعض اللالوب. من المؤكد أنك الآن اكتشفت أن المدينة مكان أزرق، ولكنه بحجم البحر، الذي هو بحجم المنديل في آخر المطاف. أذكر أنهم قالوا أنني قبل أن أصحوا من البنج، كنت قد سربت بعض أسرارنا للإيقاع بأصدقائنا في الجانب الآخر من الحي في لعبة القمر القادمة.

    ها أنا يا جو أعرف العالم جيداً وأرى بعيني تلك كل الفنارات وكل الدروب. وأنا الآن ماضٍ باتجاه (المدن المستحيلة). أتذكُر يا جو عندما كنا (نُدَقِّسْ) الأستاذ ونتصفح كتاب (ألطريق إلى المدن المستحيلة)؟؟ ونقرأ رواية (عائد من الجحيم) التي تمجد بطولات العناد؟ أتذكُر تلك الكتب الممنوعة في تلك المدرسة التي أنشأها الغزاة (المحليين) الذين يعملون ليل نهار ليركِّبوا لنا جلوداً غير جلودنا وقلوباً غير قلوبنا ويدججونا ببعض الفرائض؟! ‍

    جو يا حبيب،

    مازالت مفاوضاتي جارية مع الـ(التاريخ)، وأحاول أن أقنعه بأن بيوتنا أيضاً كانت جميلة، وكذلك غناءنا ونساءنا..

    غداً نشرع نافذة أخرى للنهار.

    غداً سيكون ملويزي أكثر إنضباطاً في مسألة الوقت.

    غداً سيكون لمابانا الصغيرة تفاصيل أكثر اتساعاً، وتقوم المسرحية في ميعادها.

    غداً سارسل لك قميصنا لتخرج وتتفسح قليلاً وترقص في عرس حبيبتنا نواندا وتغازل بعض البنات، لأن ذلك يزيد الفرح في العالم.

    أنا عائد إلى غرفتي لأهندس عالماً وبلاداً للصحو، بملامح مدن ومسارح أكثر أتساعاً لتحمل دراما الحضور التي تكتبها أنت، وما يسميه سيف حسن (هزائم المستحيل).

    كان جو يتأمل تفاصيل هندسة على إسماعيل. فدخلت عليه مابانا الصغيرة، وأخرجته خشخشة أقدامها النبية عن لحظة الأيدي المتشابكة التي كانت ستشكل القوس الذي ستمر عبره النوارس إلى البحر فناداها:

    "تعالي يا السمحة... هوب.." حملها وأجلسها على حجره وأدخل يده في جيبه الأيمن.. ثم الأيسر.. لم يجد الحلوى!‍

    حملها على صدره وفتش الرفوف.. وقبض على الحلوى المندسة، وبدأ يزيل عنها غطاءها:

    ـ يا عمو جو.. إنت مش عايز تمشط لي شعري؟

    ـ أيوة يا حلوة.. بس خلي ملويزي يجي يجيب لينا السجائر وبعدين نقعد نمشط شعرنا.. كويس؟

    ـ لكين ملويزي قاعد يلعب مع سابيمبي سكج بكج!!‍

    قال جو في نفسه: "غداً سيكون ملويزي أكثر انضباطاً في مسألة الوقت"

    أمسكت مابانا شعره بيدها الصغيرة، وتذكرت سيرته التي ظلت تلوكها النسوة اللاتي كن في شغل الاستعداد للذهاب إلى عرس نواندا.. قالت:

    ـ إنت يا عمو جو ما عرست مالك؟

    ـ أنا لما ألقى لي واحدة سمحة زيك كدة وذوق كدة.. أعرسها طوالي؟

    ـ أنا مش ممكن أعرسك يا عمو جو؟

    ـ وليه تعرسيني أنا الشين دة؟

    ـ لا يا عمو جو، أبلة عزة قالت .. قالت إنت أسمح زول. ‍

    ـ وإنتي رايك شنو؟

    ـ أنا بحبك يا عمو.

    ـ خلاص يا ستي.. بكرة لما تكبري نعرس طوالي..

    ـ لكين أنا أكبر متين؟ أناعايزة أبقى كبيرة..

    ـ بس كل الناس لازم يكونوا صغار وبعدين يكبروا‍

    ـ وإنت يا عمو كنت صغيّر؟!

    ـ أيوة.. طبعاً.. كنت صغير قدرك كدة..

    ـ وكان عندك فستان زي دة؟

    ـ لا يا حلوة، كان عندي فنيلة زي بتاعة ملويزي..

    ودخلت الحلوى فم مابانا الصغيرة فسكتت عن السؤال المباح.



    ****





    مع دورة الزمان الجديدة، وفي لياليه، تحول الحلم القديم إلى الضفة الأخرى، التي لم تطلها يد التنين بعد.

    فما أن يغمض جو عينيه ويغفوا حتى يأتيه عم عبده "قوم يانايم وحِّد الدائم" "أسبحنا وأسبح الملك لله" فيرتجل جو قميصه كعادته ويدخل غرفة الأرشيف، التي تُكتب وتُحفظ فيها وثائق أخبار الأيام.

    صار عم عبده أمين الأرشيف. وتحولت عكازته الطويلة ـ التي كان يهش بها وهن الدنيا في أخر أيامه ـ إلى انبوبة (بف باف) تعمل أوتوماتيكياً وتمنع دخول الأكاذيب إلى الغرفة، تبيد الزاحفة منها والطائرة، المتسلقة والمتألقة، ذات العيون الزرقاء منها وذات العيون البلدية.

    يفتح عم عبده الباب لطابور الشهود. فيدخل رينقو. وتتحول سريرة عم عبده إلى شاشة بيضاء يعرض عليها رينقو حكاية الفيلم الهندي من لحظة ميلاد البطل، إلى لحظة معانقته لحبيبته بعد الإنتقام من (الخيانة).

    فيسأله جو عن أثر الفيلم على (ناس اللّوج). فيضحك رينقو من بساطة جو! ويشرح له أن السينما (هنا) ليس فيها لوج أو درجة أولى! فاللوج هو الدرجة أولى، والدرجة أولى هي شعب، والشعب هو اللوج!! فيفرح جو. ولكن فرحته تزداد حين يغمز له رينقو بإشارة يفهم منها أنه "عمل نج"، ولم يعد يذهب إلى السينما (عزابي).‍ ثم يدس لجو شيئاً ويخرج، لياتي الذي بعده.

    يدخل أبدللاهي إساخا ممسكاً بيد فتين ‍ويحكي كيف أنه مات في نفس اليوم الذي ماتت فيه فتين من تعثر الولادة. وكيف أُخذت جثته إلى مشرحة كلية الطب ليتسلى بها (الحلب) و(أولاد البرجوازية). ويدخل يده في قلبه ويخرج وثيقة خطيرة‍ ويمدها لجو الذي يفردها فيجدها (بياناً) من (دكتور منقوشي) يتساءل فيه عن لماذا لا يوجد حلب في المشرحة؟‍ ولماذا يكون سكان الـ(DR) هم دائماً من على لون أبدللاهي إساخا؟؟! ولكن أبدللاهي إساخا يحمد الله أنه لم يكن ضمن شلة (تيري فنجاس) و(كيري جقجاق) الذين هُرِّبت جثتهم عبر المطار إلى دول البترودولار، وقبض (...) الثمن!

    ثم يغلق دفتر الأحزان لتفتح فتين دفتر الأفراح. وتحكي عن تفاصيل الحديقة التي كان يسكنها آدم وحواء، فتتحول دعوات عم عبده إلى جرتق، ويقوم جو بعقد قرانهما، ويبشر فيهما. ويشاركهما رقصة (أم صلبونج)، ثم يعدهما بالزيارة في أقرب سانحة... ثم يخرجان.



    يدخل عليه أستاذ عساكر، فيقف جو لاستقباله، ثم يجلسان، فيتحول كرم عم عبده إلى واحد قهوة مظبوطة، يرشف منها أستاذ عساكر ثم يبدأ نقده (الموضوعي) لمسرحيات جو:

    "هذا المشهد كان سيكون أفضل لو أضفت إليه كذا وكذا.."

    "وهذا الحوار طويل، ويبدو كخطب المحافظ! ‍‍ثم لا داعي لتفخيم اللغة (هنا) مسايرة للنقاد!"

    و".. لقد ضللك لاوعيك (هنا) فواربت جزءاً من الحقيقة إرضاءاً لما يسمى بـ(الذوق العام) عدو الحقائق"!

    "..."

    ثم يكمل أستاذ عساكر قهوته وملاحظاته ويذهب، فيأتي بعده ماركس. وتتحول سجادة عم عبده إلى بساط أحمدي. يضع عليه ماركس رزمة الصور التي التقطها بكمرته (الأبيض وأسود) للبرينسيسة منذ لحظة لحظة صحوها:

    ها هي البرنسيسة تتقلب في سريرها المخملي إياه.

    ها هي تفتح نافذتها وتتأفف من التلوث الذي خلفته مصانع مستلزماتها إياها.

    ها هي تستحم في البانيو بالصابون ولشامبو إياه.

    ها هي تفطر بالساندويتش إياه.

    ها هي ترتدي الموضة إياها.

    ها هي تمتطي صهوة عربتها الفارهة إياها.

    ها هي تؤدي صلواتها في البورصة إياها.

    ها هي تعود إلى فيلتها الأنيقة إياها.

    ها هي تمارس الـ(Oral ####### ) مع كلابها المدربة جيداً ذات الألسنة الطويلة إياه.

    وها هو عم عبده يخجل، ويدعو ماركس أن (يشيل حسنة في الولية) ويتزوجها ليضيف إلى ميزان حسناته.

    فيمازحه ماركس: "إيه يا عم عبده.. يبدو أنك (كعكعت).. وضعفت ذاكرتك! أنسيت أنه لا يجوز (شرعاً) للرجل أن يتزوج بالمرأة المتزوجة؟؟"

    ثم يضيف :

    "وهب أنها غير محصنة، أنسيت يا عم بعده حديث (خضراء الدمن)؟!"

    ويتذكر عم عبده، فيضرب كفاً بكف، ويخرج ماركس. ويستعدل جو جلسته، فتدخل عليه نون، ببالطوها الأبيض وسماعاتها على جيدها كعقد. وما تزال حبة الشباب على خدها الأيسر.

    تقدم له كشفاً بأسماء أطفالهما على طول البلاد وعرضها؛ بعد أن شخصت حالاتهم وحددت نوع الدواء:

    هؤلاء مصابون بالإكتئاب بسبب تحريم الموسيقى.

    هؤلاء مصابون بالأكتئاب الأنعكاسي والعدوانية بسبب برامج التفزيون.

    هؤلاء طردوهم من المدرسة لأنهم لم يدفعوا الرسوم وظهرت عليهم أعراض الأمية.

    هؤلاء مصابون بداء الأمية المزمنة لأن مدارسهم أغلقت بالمرة.

    هؤلاء مصابون بداء السمنة لأنهم أكلوا نصيب أخوتهم من (الحلوى).

    هؤلاء مصابون بداء الكواشركور من سوء التغذية الذي يسببه طفيل (التجنيب)

    وهؤلاء ..

    وهؤلاء ..

    وتأتي إلى أطول لستة:

    وهؤلاء مصابون بالملاريا. وتحكي له قصة (مؤامرة) تجار الكلوروكوين مع عمال البلدية ولجان مكافحة الملاريا، الذين قبضوا الرشاوي؛ فصار عمال البلدية يتسيبون عن ردم البرك، وصب الزيت، ولجان مكافحة الملاريا تقوم بتزييف التقارير! وتجرؤ على نفي وجودها لتسعد المسؤولين! وتبكي نون على كتفه لقلة حيلتها مع (هؤلاء)... فتتحول (حِنِّية) عم عبده إلى (منديل أزرق) وتطير وترك في يد جو! فيأخذها ويمسح لنون دموعها، ويطبطب عليها قائلاً:

    "خلاص يا حبيبتي، لقد هانت، فغداً، عندما يعرف الناس الحقيقة، سيختفي تجار الكلوروكين".

    ثم يضيف:

    "بالمناسبة. لقد قرأت خبراً سيفرحك جداً.. فقد ظهر صديق جديد في أمريكا الجنوبية، أكتشف دواء ناجعاً للملاريا.. وهو (يجاهد) الآن لإيصاله إلى الناس.. وغداً سيظهر واحد آخر.. ثم آخر، ويصيرون عشرة .. ثم مائة، ثم ألف، ثم تختفي الملاريا وأخواتها إلى الأبد".

    فتفرح نون، وتتألق عيناها.. وتسأله:

    ـ متى ستأخذني إلى السينما يا حبيبي؟

    فيرد جو بطريقة الرجال:

    ـ آآ.. لقد ذكرتيني! فقد أهدانا رينقو تذكرتين لفيلم الغد الهندي الجبار.

    ـ وما أسم الفيلم يا حبيبي؟

    ـ "حب إلى مالا نهاية"

    بطولة (جو)فندا و(نون)يتا

    ويطفح الفرح في عينيها، وتقوم بتسديد جزء من ديونه عليها:

    قبلتين مقابل كل قبلة يطبعها على ابتسامتها ـ في اللوحة ـ كل صباح ..

    وهكذا ......








                  

العنوان الكاتب Date
ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-23-04, 05:16 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل فتحي الصديق03-23-04, 08:35 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-23-04, 10:19 PM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل mutwakil toum03-24-04, 07:41 AM
      Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-24-04, 08:28 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل ابو فاطمه03-24-04, 07:45 AM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل فتحي الصديق03-24-04, 12:39 PM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-24-04, 11:44 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Mohamed Bang03-24-04, 09:13 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل tariq03-24-04, 10:30 PM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Mohamed Bang03-24-04, 10:59 PM
      Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-25-04, 03:57 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Nada Amin03-24-04, 10:56 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-24-04, 11:39 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-25-04, 04:43 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل عبدالسلام الخبير03-25-04, 06:30 AM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل zozo03-25-04, 09:53 AM
      Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ali Alhalawi03-25-04, 05:03 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-26-04, 00:47 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-26-04, 01:15 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-26-04, 01:24 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل ابو فاطمه03-26-04, 08:35 AM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ali Alhalawi03-26-04, 05:30 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل عبدالسلام الخبير03-27-04, 04:20 AM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-27-04, 05:18 AM
  السلام عليكم توما03-27-04, 10:19 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Amjed03-27-04, 11:08 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Amjed03-27-04, 11:17 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Amjed03-27-04, 11:33 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Amjed03-27-04, 11:38 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Amjed03-27-04, 11:42 PM
  Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-28-04, 06:58 AM
    Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ali Alhalawi03-29-04, 05:10 PM
      Re: ابحث عن رواية المدن المستحيلة للدكتور ابكر ادم اسماعيل Ehab Eltayeb03-30-04, 03:29 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de