|
|
 لا هوية ولا حكومة ولا معارضة
|
غريب أمر هذا البلد تتقاذفه أمواج الهوية تارة الى بحر العروبة وتارة إلى بحر الافرقة وهو يترنح بين هذه وتلك ولن يستطيع أن يستقر في اي من الاتجاهات لأن وجود هذا العدد الهائل من القبائل ذات الاصول والجذور العربية وتحدث اغلب اهل البلد باللغة العربية وإعتبار اللغة العربية هي اللغة الأولى للدولة منذ استقلالها كفيل بأن ينتمي هذا السودان إلى الامة العربية، ولكن في المقابل وجود هذا العدد الهائل من القبائل ذات الجذور والاصول الافريقانية وتداول الحديث بينهم بلغات محليه (الرطانة) بالاضافة إلى السمرة الغالبة لشعب السودان كفيلة بإنتماء السودان للدول الافريقية إذا هناك ثمة اسألة كثيرة يتداولها الكثيرون من الناس هل هذا التمازج والتصاهر والتباين في الاثنيات والجذور والعرقيات أمرا إيجابياً يصب في مصلحة البلد ام هو اساس السلبيات التي جرت الشعب السوداني لصنوف المعاناة الحياتية وهل هذا الإنتماء المزدوج وبالاً على شعب السودان أم هي فأل خير على هذا الشعب ؟ واذا كان خيراً فماذا جنى الشعب السوداني من هذا الانتماء المزدوج واذا كان العكس فماذا جنى من مخاطر ؟ بالتأكيد كل يرى حسب نظرته وقد يتفق الكثيرون في أن الشعب السوداني شعب مميز بكرمه وحسن ضيافته وعزة نفسه وغيرها من الخصال الجيدة في هذا الشعب والتي يزعم انها مأخوذة من انتمائه العربي ، وقوته وصبره وارادته وصدقه وصفات حميدة كثيرة والتي يزعم انها مأخوذة من إنتمائة الافريقي . هناك من يرى فوائد كثيرة لهذا التمازج العربي الافريقي وكل لديه ما يبرر به ذلك، إلا ان هناك أمراً هاما وهو أن انتمائنا المزدوج هذا ربما يكون هو السبب الرئيسي في اغلب إن لم نقل كل الكوارث التي حلت بالسودان منذ استقلاله إلى الآن وعدم تحديد هوية محددة جعلنا نتأرجح بين العروبة والافرقة في كل شئ فعندما نكون مع العرب نعزف على وتر الإنتماء العربي رغم انهم ينظرون الى أن السودان دولة عربية (نصف كم) وتجدنا في ذيل القائمة حتى في كرة القدم العربية ، وفي افريقيا ايضا كذلك ينظر إلينا كبلد عربي ومشكوك في انتماءه الافريقي ومتهم بميوله للعرب ومسأله الهوية هذه من أهم المسائل التي لم ينتبه اليها الكثيرون فهي لها اثر هام حتى في أتخاذ القرار السياسي والاداء الوظيفي على مستوى الفرد والمجتمع وكذلك لها تأثير كبير في درجة الاحساس بالوطنية، هذا التباين والاختلاف والتناقض افرز ايضاً تباينات وتناقاضات في الهوية السياسية وفي الحكم والتركيبة الحزبية وافرز احزاب بلا هوية وبلا لون ولا طعم ولا رائحة وبلا برنامج سياسي محدد لنأخذ مثال حزبين احدهما اقصى اليمين والثاني اقصى اليسار كمثال لهذا التناقض (الجبهة والحزب الشيوعي السوداني) انظر كيف تلونت الجبهة من الاخوان المسلمين الى جبهة الميثاق الى الجبهة الاسلامية الى ثورة الانقاذ إلى المؤتمر الوطني إلى المؤتمر الشعبي وحزب العدالة وكيف تحول معها برنامجها السياسي من حزب إسلامي ثائر ينادي بتطبيق الشريعة في كافة أوجه الحياة يعتبر الموت في حرب الجنوب استشهاد وجهاد ويعتبر جميع المعارضين مارقين عن الدين كيف تحول هذا كله الى حزبين احدهما يؤمن بالانفتاح على الغرب والتطبيع الكامل والاخر يتحالف مع المتمردين والشيوعيين وحتى حزب الشيطان كما زعم الأمين العام ويعتبر الذين ماتوا في الجنوب من الجنود السودانيين هم مجرد (فطايس) وكان سابقاً يدعي أنه يزفهم إلى الحور العين نهاراً جهاراً ويدفع مهورهم من دم هذا الشعب المكلوم من اجل الوصول للحكم ، وحزب شيوعي يدعم أول إنقلاب عسكري على الديمقراطية رغم أنه من اكثر الاحزاب ادانة للانقلابات العسكرية وإيمانا بالثورات المدنية وهكذا سردت هذه الامثلة فقط لأبين أن التحول إلى النقيض شئ وارد في ادبياتنا وسياستنا بصورة كبيرة وصارخة وشاذة احدثت فوضى عارمة وأعاقت كل سبل التنمية في جميع أنحاء القطر وكبلتها فصار هذا الوطن الكبير الزاخر بكل خيراته ومدخراته وثرواته وشعبه الكبير ونيله المعطاء وأصبح مثل اليتيم في مائدة اللئام وطن الجوعي والعطشى والمشردين والمهجرين وأصبح (سلة جوع العالم) بالرغم من انه يعتبر (سلة غذاء العالم).
أيضا من مفارقاتنا لدينا عدة حكومات في حكومة واحدة وعدة رؤساء في رئيس واحد وعدة وزارات في وزارة واحدة وقرار واحد وله عدة تفاسير وفوضى وعشوائية في العمل المدني وحتى العسكري عدم انسجام بين المؤسسة العسكرية والمدنية حتى المعارضة اذا سألت اي سوداني الان لا يستطيع أن يحدد لك اين المعارضة وهويتها وأين توجد وممن تتكون تجده محتاراً مجموعة احزاب تسمي نفسها التجمع تتحول من عاصمة إلى عاصمة وفندق إلى فندق دون جدوى ومجموعة احزاب معارضة بالداخل ضمن احزاب التوالي المسمية بالاحزاب (الكرتونية) حزب اتحادي منشق معارض بالداخل وحزب اتحادي حكومة وحزب امة معارض بالداخل وحزب امه حكومة وحزب متوالي كرتوني اخوان مسلمين معارضة وحكومة معارضة مسلحة في جنوب السودان معارضتين مسلحتين في غرب السودان يتفقان في الوسيلة ويختلفان في الغاية معارضة في منطقة البجة شغل حكومي عشوائي وشغل معارضة عشوائي وبلد عشوائي وشعب صبور وسريع النسيان وسريع الغفران طيب القلب ومتسامح إلى أبعد الحدود تضربه على خده الأيمن وتأتيه بالأيسر يمده لك ويبتسم وينسى أنك قد لطمته اصلا ، لذلك لن تصل هذه السفينة الى بر الأمان إلى أن تقوم الساعة يتقاذفها الموج يمنة ويسرة وتترنح في مكانها دون حراك.
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست