|
Re: أسئلة حائرة (Re: abumoram22)
|
الأخ أبو مرام
تحية طيبة
هناك فرق بين الاستشهاد والانتحار.. الشهيد إنسان له استعداد أن يفدّي دينه أو وطنه أو عرضه بنفسه، ولكنه لا يقتل نفسه بل يقتله خصمه.. أما ما يفعله هؤلاء الشباب، كجماعة القاعدة الذي فجروا أنفسهم في حي المحيّا، فهو أنهم يقتلون أنفسهم ويقتلون الآخرين، وهذا انتحار.. فيكون السؤال بعد إعادة الصياغة هو: ما الذي يدفع انسانا يضج بالفرحة والحلم الى قرار الانتحار من أجل فكرة؟
الدوافع كثيرة، ولكنها تصب جميعا في أمر واحد هو اليأس من إحداث تغيير بغير طريق قتل النفس وقتل الآخرين، على غرار قصة شمسون "عليّ وعلى أعدائي يا رب".. ولو لاحظت فرحة هؤلاء المقدمون على الانتحار تجدها تعكس شدة إيمانهم بأنهم يفعلون فعلا يجدون عليه الجنة جزاء بعد موتهم..
سؤالك:
Quote: كيف لإنسان أن يصل الى لحظة (اللا آلم) التى تسبق التنفيذ مباشرة؟ |
هؤلاء الأشخاص يتألمون نفسيا ويتمزقون نتيجة ما يرونه من ظلم واقع على وطنهم أو على الإسلام حسب فهمهم، وهذا الألم الشديد يدفعهم إلى محاولة مقاومة الألم الآخر الذي ينتج من نية قتل النفس وتفجيرها وعندما يشتد الألم الأول على الألم الثاني يقدمون على الانتحار وهم ينتظرون الفوز بالجنة والشهادة التي هم مقتنعون بها، ولا يرون أن الأمر انتحار..
سؤالك:
Quote: ما هي السمات النفسية التي يتحلون بها؟ |
مثل هؤلاء الأشخاص يتصفون بالانقياد، وليست لديهم صفات القيادة هم أنفسهم، ويتميزون بالمقدرة على توقيف التفكير العقلاني لصالح التفكير الإيماني الذي يقنعهم به، في العادة، شخص آخر عن طريق الكلام أو الكتابة.. أذكر أن أحد الأطباء النفسيين قد قام بدراسة لشخصيات فلسطينية ممن تم أقناعهم بالعدول عن فكرة الانتحار، وقد نشرت هذه المقالة في جريدة الشرق الأوسط سآتيك به أسفل هذا الكلام..
سؤالك:
Quote: ما قبمة هذه العمليات التي يرجوها منفذوها؟ |
منفذو هذه العمليات يرجون، بواسطة إخافة الناس وترويعهم، ابتزاز الحكّام للرضوح لمطالب سياسية معينة تنادي بها الجماعة.. هذا باختصار شديد..
الانتحار كظاهرة مرضية واستغلاله السياسي د. احمد نجم محيي الدين
باتت العمليات الانتحارية ـ الاستشهادية التي شاعت مؤخرا، واصبحت تلقى تأييدا ورواجا في صفوف الشباب المسلم بشكل عام، والشباب الفلسطيني بشكل خاص، احد الظواهر الاجتماعية والنفسية الخطيرة التي امتنع الكثيرون من زملائي في الوطن العربي وفي العالم عن مناقشة ابعادها ودوافعها ومسبباتها بشكل علمي محض، وكشف الدوافع التي تكمن وراء هذه الظاهرة. لا اريد التطرق الى الابعاد السياسية او الدينية لهذه الظاهرة تاركا الحبل في هذا المجال لما لا يعد ولا يحصى من المفكرين والمحللين والقادة السياسيين ورجال الدين، بل ما اريده هو دراسة هذه الظاهرة من ناحية علم النفس. بعد دراسة مستفيضة لظاهرة الانتحار ـ الاستشهاد وتحليل دوافعها والعوامل النفسية التي تلعب الدور الاهم فيها يمكن تقسيم الشباب والفتيات الذين «يتطوعون» لتنفيذ هذه العمليات الى مجموعتين رئيسيتين: المجموعة الاولى، وهي اولئك الذين يبدون طوعا وعلانية استعدادهم للموت لتحقيق هدف سياسي او للانتقام ولنسميها مجازا مجموعة المستعدين للموت. والمجموعة الثانية، موضوع هذه الرسالة، هي اولئك الذين يبدون رغبة بالموت ولنسميهم مجازا مجموعة الراغبين بالموت. لقد تبين من مراقبة سلوكيات عدد من افراد هذه المجموعة ودراسة تكوينها النفسي ان افراد هذه المجموعة هم مرضى نفسيون بكل معنى الكلمة، يفترض فينا كمجتمع وكأفراد وكأطباء نفسيين، مراعاة هؤلاء المرضى وعلاجهم، وتوفير كل السبل لاخراجهم من المأزق ـ الكارثة الذي يعيشون تحت تأثيره ويولد لديهم عنوة الرغبة في الموت، هذه الرغبة التي تتزامن، في احوال كثيرة، مع ظروف اجتماعية وسياسية معينة تحول هذا المريض من (الراغبين) الى سلاح رخيص بيد شخص او مجموعة او حزب او حركة معينة، تستغل هذ الرغبة لكي تحقق على حساب هذا المريض نقاطا في ساحة العمل العسكري. ومن متابعة عدد غير قليل من هذه الحالات استطعت التوصل الى تشخيص عرضين هامين يمكن من خلالهما التعرف على هذا المرض وعلاجه. الاول، هو اعتقاد الراغب بالموت ان لا معنى لحياته، وان ليس هناك ما يستأهل العيش من اجله. اما العرض الثاني فهو الاعتقاد الذي يستولي على عقل المريض بان الحياة اصعب من الموت. ومن تحليل شخصية المقدم على الانتحار ـ الاستشهاد كما نشر مؤخرا في المواقع المتخصصة على صفحات الانترنت، تبين ان اغلب الذي يقدمون عليه يعانون من ظاهرة الشخصية غير المستقلة (Personality Depended Disorder). او من ظاهرة الشخصية الهامشية (Personality Borderline Disorder) وهي الظاهرة الاكثر خطورة حيث ان المصاب بها يشعر ـ ناهيك من الافكار الوطنية او الدينية ـ برغبة شديدة في الحاق الضرر بنفسه، ومن بين الذين يعانون من هذه الظاهرة يمكن ملاحظة العدد الاكبر من الذين يحاولون الانتحار. وهنا قد يقول قائل ـ وبصدق ـ اننا جميعا يتملكنا الشعور في لحظات معينة بان الحياة اصعب من الموت، واقول ان هذا صحيح، لكن الانسان المتزن السليم عقليا يدرك على الفور ان هذا الشعور ما هو الا شعور لحظي عابر ناجم عن الضغط النفسي او الجسدي الذي يتعرض له، ويمكنني تشبيه ذلك بالذي يسبح في البحر وتغطي رأسه في لحظات معينة موجة عابرة، لكن ذلك لا يدعوه للتفكير باغراق نفسه. فالموجة تنحسر وتعود حياته الى طبيعتها. ولكن في حالة المريض النفسي، فهنا يكمن دورنا جميعا كمجتمع وكأطباء نفسيين في توفير كل الوسائل الممكنة لهؤلاء، لتجاوز هذه الموجات التي تمر على حياتهم واقناعهم بان دقائق اليأس لا بد عابرة وان ابواب الحياة مفتوحة امامهم. ولكن للاسف، وبدلا من معالجة هؤلاء المرضى، تحولت بعض فئات المجتمع العربي، والاسلامي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، الى عامل مشجع ومؤيد لاولئك الراغبين بالموت، وبدلا من انقاذهم من الغرق فان هذه الفئات تدفع رؤوسهم اكثر واكثر عميقا تحت الماء بوعود ومغريات ساذجة. خلاصة القول ان كل من يحاول او يفكر في الانتحار هو مريض نفسي يتوجب على المجتمع العناية به، وعلاجه الذي يقتصر في الحالات البسيطة على بضع جلسات من الحوار، وفي الحالات الشديدة يمكن الاستعانة بالفاراماكولوجيا، اي العلاج الدوائي ووضع المريض تحت المراقبة. لا يمكن الاحاطة بهذا الموضوع دون درس الحالة النفسية لاولئك الذين يرسلون المرضى الى حتفهم، فهم ايضا ينتمون الى المختلين عقليا الذين يمكن تشبيههم بالطائر المجنون، الذي يظل ينقر في لحمه حتى يموت، اما لماذا يفعلون ذلك، فذلك موضوع لدراسة اخرى اتمنى ان يتوفر لدي الوقت والجهد لمتابعتها ودراستها. والخلاصة انه قد حان الاوان لكسر المحرمات التي وضعتها المجتمعات العربية حول علم النفس والعلاج النفسي، وتكثيف الجهود، وتوفير الوسائل الممكنة لمنع تدهور حالات المرضى النفسيين، وايلاء هذا الموضوع الحيز الذي يناسبه من الموارد والاهتمام. طبيب نفسي من فلسطين
|
|
|
|
|
|
|
|
|