|
Re: بمناسبة ذكرى الاستقلال (Re: aymen)
|
Dear Aymen this may help a pit
ومع ذلك وإلى العُرْبِ تُنْسَبُ الفِطَنُ
د. عبد الله علي ابراهيم
جاء الاستاذ محمد ابو القاسم حاج حمد بمثل بديع عن خيبتنا في الاستقلال، فقد شبه حالنا بالسماكي القديم في رواية (العجوز والبحر) للكاتب آرنست هيمنغواي، فقد قبض هذا الصياد سمكة كبيرة تعذر عليه رفعها على القارب، فاضطر الى جرها الى جانب المركب حتى يبلغ الشاطئ، غير ان كلاب البحر تناوشت صيده. ولما وصل بها الى الشاطئ، كانت السمكة مجرد هيكل عظمى. هذا الهيكل هو ما تبقى لنا من الاستقلال بعد ان هجمت عليه قوى سياسية ابتغت ثماره بجهاد نقابي ومهني وانقلابي وتمردي وجهوي وعرقي وإثني وهلمجرا. ويقوم الخلاف بيننا حول هوية الصياد العجوز الذي جاء بالسمكة ورفض القسمة العادلة لخير الاستقلال. وقد قالت جماعات الهامش انه (الشمالي) او (الجلابي) او (المندكورو) هكذا بغير تفصيل. وترتب على ذلك ان اتصفت حملتهم لرد الاعتبار للهامش ببعد عنصري. وقد تجسد هذا البعد في مصطلح (العقل الاسلاموعروبي) الشائع. ومع فساد هذه النظرة في فهم محنة الوطن، فلا يمكننا بالطبع ان نسقط صفة الشمال عن سماكي الاستقلال. غير ان شماليته هذه لا تستنفذ كل هويته، فأهم صفة في هذا الشمالي القبيح انه كيان وطني سميناه بـ(طلائع المتعلمين) في اول ايام نقدنا له. وهم صنف جديد من الشماليين تولد من خطة الاستعمار المعروفة في ادارة البلاد المفتوحة بأقل تكلفة. وعلى هذا فهم جنس لوحدهم حتى في نظر الشماليين أنفسهم. وقد سموهم (الافندية) لغرابتهم بينهم. ومن أراد معرفة رأي عامة الناس في الشمال في هؤلاء الأفندية، فليراجع كتاب (من حقيبة الذكريات) للمرحوم عبد الله الطيب.وقد قال عنهم «آباؤهم» الانجليز إن لهم بغضاء لأهلهم من العامة وسيستأثرون بالوظائف ويمنعون الخير عنهم. وقد شخّصهم الاستاذ محمد محمد خير بحق حين قال عن السياسيين من صنف الأفندية إنهم يتميزون بجوهرين: «الارتياب وضمور الخيال» وانهم تنقصهم سمتان هما «عمق المحبة الشاعرية للأرض وقوة الاعتراف بالآخر». ومن أشد عاهات هذا الجيل الوطني الافندي فتكاً به هو فهمه للحركة الوطنية بأنها (بوتقة) يبنون بها السودان المتنوع على صورتهم هم: أمة أصلها للعرب ودينها خير دين يُحب. ووقعوا كذلك في نفس خطأ الحركات الوطنية الافريقية التي تمسكت بصورة الوطن كما ورثته عن الاستعمار القابض. ولم تقبل إعادة التفاوض فيه حتى حين جاهرت جماعات أهلية أخرى بضيقها واشتكت أن الوطن الجديد لم يسسعها. وقد أتهم جيل الحركة الوطنية حركات إعادة التفاوض هذه بالانفصالية والعنصرية والعمالة للمستعمرين وغيرهم. ووجد هذا الاتهام مشروعيته في ميثاق منظمة الوحدة الافريقية الذي جعل من حدود الاستعمار لدول افريقيا حدوداً مقدسة. ووصم كل من اراد تغييرها (يأساً من الاصلاح الداخلي) بالسير في ركاب المستعمرين. وبينما تمسك هذا الجيل القومي الشمالي بحرف الدولة السودانية كما ورثها عن الاستعمار، جاهد جيل يساري شمالي آخر لتفكيك هذه الدولة بما يسمح لشعوبها وقبائلها بالتعارف على العروة الوثقى. فقد اقترح هذا الجيل اليساري الشمالي منح الحكم الذاتي للجنوب واعتبار ثقافاته بجد، واستخدام ما تيسر من لغاته لبعث تلك الثقافات. بل قال هذا الجيل في البرلمان الاول (1954- 1958م) وعلى لسان المرحوم حسن الطاهر زروق، ان هذا التجديد في الوطن قد يشمل كل جماعة تأنس الكفاءة في نفسها لحكم ذاتها بذاتها. ولعل أقل صفات الصياد العجوز الخاسر أهمية، هو انه تصادف ان كان من بين الشماليين. وقد وصفنا هذا الصياد وصحبه منذ عهد بعيد بـ (البرجوازية او البرجوازية الصغيرة) بالنظر الى موقعه في الانتاج في الدولة الجديدة. وربما لم تعد لهذه الأوصاف الماركسية دلالة على أيامنا هذه . ولكنها تبقى ذكرى لشماليين آخرين قالوا في وقت باكر للصياد الشحيح: إنك لن تجني من صيدك الثمين سوى الأشواك.
|
|
|
|
|
|
|
|
|