|
Re: اين انتم ولا كلمه واحده اليوم عن ذكرى الاستقلال (Re: Abdel Aati)
|
مهام ما بعد الاستقلال : واجه السودان عند استقلاله ؛ عدة مهام تاسيسية ؛ لارساء قواعد الدولة الوطنية الفتية ؛ والتى يمكن اجمالها فى التالى : · بناء النظام الدستورى وترسيخ المؤسسات الديمقراطية · التنمية الوطنية المتوازنة ورفع التخلف الاقتصادى · تعزيز الوحدة الوطنية للبلاد واكمال عملية الاندماج القومى · النهضة الثقافية وتوسيع التعليم · بناء الخدمة المدنية وتوفير الخدمات الاساسية . · ترسيخ السيادة الوطنية ولعب دور عالمى فعال . فاما من ناحية النظام الدستورى وترسيخ المؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية ؛ فقد تم اختيار النظام الديمقراطى البرلمانى كنظام للحكم ؛ والنمط المركزى لادارة البلاد ؛ واطلاق الحريات العامة كوسيلة لضمان المشاركة الشعبية . وقد كانت انتخابات العام 1954 وما تلتها من انتخابات ؛ كما كان اقرار دستور 1956 ؛ واعلان الاستقلال من داخل البرلمان ؛ خطوات جيدة فى هذا الطريق . الا ان خطل المفاهيم السياسية للنخبة التى حكمت ؛ وثقل وزن الدوائر التقليدية وسطها ؛ ونقل التجربة البرلمانية البريطانية بحذافيرها للتطبيق فى البلاد ؛ دون ادراك للواقع السودانى ؛ قد كانت اول العثرات التى اعترضت تكوين النظام السياسى المتين والديمقراطى فى آن . الا ان الخطا الاكبر الذى وقعت فيه حكومات ما بعد الاستقلال ؛ قد كان فى انتهاجها المركزية طريقا وحيدا للحكم ؛ وتجاهلها لكبر حجم السودان ؛ وتعدد اقاليمه وثقافاته والتباين فى تطوره الاقتصادى وواقعه الاجتماعى ؛ الامر الذى يحتاج الى درجة عالية من اللامركزية ؛ واعطاء سلطات واسعة للاقاليم فى ادارة شؤونها . ان مساهمة الجماهير السودانية فى الانتخابات الاولى ؛ وانخراطها فى العمل النقابى والحركات الاجتماعية ؛ وخصوصا جماهير العمال والمزارعين والمهنيين ؛ قد اوضح حجم النشاط الكامن فى الجماهير الشعبية ؛ ورغبتها فى تطوير البلاد ؛ وامكانية استيعاب حيويتها فى تطوير وتغذية النظام الديمقراطى الناشئ . الا ان النخبة قد اختارت الطريق الصفوى ؛ وبدات بتاثير من استقطابات عالمية ؛ فى معاداة الحركة الشعبية والنقابية ؛ فكانت محاولات تفتيت الحركة النقابية العمالية ؛ ومحاصرة وتهميش الاحزاب الصغيرة ( الجمهورى والجبهة المعادية للاستعمار ) ؛ وحوادث عنبر جودة الدامية ؛ اول المؤشرات على الشروخ القائمة فى كيان المؤسسات الدستورية الجديدة والنظام السياسى الناشئ . اما فى مجال التنمية الاقتصادية وخططها ؛ فقد كان هنا التحدى الاكبر لقادة ما بعد الاستقلال ؛ حيث ورثوا اقتصادا ذو طابع زراعى متخلف ؛ ومناطق واسعة تعيش على نمط الاقتصاد المعيشى ؛ وقطاع حديث محدود فى الزراعة والخدمات والصناعات الخفيفة ؛ وتبادل تجارى يعتمد على منتوج زراعى واحد . ان حجم التحديات التنموية للسودان ؛ لم يقابلها اى مبادرة من قبل قيادة الاحزاب والقوى التى حكمت بعد الاستقلال ؛ ولا عجب فى ذلك ؛ اذا ما كانت شعاراتها من نوع " تحرير لا تعمير " ؛ واذا ما كان خيالها الاقتصادى محدودا بحدود تجاربها الضئيلة فى تجارة الجلابة واستغلال الفائض الزراعى للاتباع كما فى حالة الزعماء الطائفيين والقبليين ؛ واذا ماكانت نتيجة لتمترسها فى المواقع اليمينية ؛ قد اقفلت على نفسها كل الابواب للتعرف على والاستفادة من التجارب الاجتماعية فى دول المنطقة وفى العالم . ان انعدام اى برنامج للتنمية الاقتصادية خلال الفترات الديمقراطية قد كان مربط فشلها الاول ؛ ولذلك فقد سار السودان فى تدهور مستمر ؛ وقد كانت محاولات التنمية فى الفترات العسكرية ؛ والتى كان من اشسهرها الخطة العشرية لعبود ؛ وخطط التنمية المتعددة لنميرى ؛ وسياسة ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع فى عهد الانقاذ ؛ محاولات طموحة ؛ ما كان لها ان تنجح فى ظروف الديكتاتورية وابعاد الجماهير عن مركز القرار ؛ وتحطيم منظماتها المدنية ؛ وسياسة الاستقطاب السياسى الحاد الناتجة عن كل تسلط ؛ وطغى الاحلام الايديولوجية والشعاراتية ؛ والمحسوبية والفساد ؛ على قوانين الاقتصاد والتقنية والادارة . اما فى مجال الوحدة الوطنية ؛ فان سيادة المفاهيم التى قامت على التوجه العربى الاسلامى للسودان ؛ وتجاهل واقع التعددية ؛ وسيادة العقلية الاستعلائية فى التعامل مع جماهير الجنوب والمناطق التى همشها الاستعمار ؛ قد ادت الى امر الثمار ؛ والتى كان من نتائجها اندلاع الحرب الاهلية فى البلاد ؛ واذدياد الشروخ فى النسيج الاجتماعى السودانى . ان موروثات انعدام الثقة المتبادلة منذ قرون بين مختلف القبائل والتكوينات السكانية ؛ وتاثيرات سياسة المناطق المقفولة الممارسة من قبل الاستعمار ؛ لم تجد اى توجهات جادة للانتصار عليها من قبل النخب الحاكمة ؛ بل كانت سياستها الوحيدة هى المركزية والتعريب والاسلمة ؛ طريقا لتحقيق الوحدة الوطنية للبلاد . اننا هنا نحمل المسؤولية كاملة لقيادات النخبة الشمالية الحاكمة ؛ فقد تحلت القيادات الجنوبية بمسؤولية كبيرة ؛ سواء فى وسط المثقفين او الزعامات التقليدية ؛ تجاه قضية الاستقلال والوحدة الوطنية . فقد وقفت هذه القيادات فى مؤتمر جوبا فى العام 1946 مع انضمام الجنوب الى الشمال فى دولة موحدة ؛ بدلا من خطط ضمه الى اوغندا او كينيا ؛ التى كانت تروج لها دوائر فى الادارة الاستعمارية . كما وققت هذه القيادات الجنوبية بالاجماع مع استقلال السودان ؛ ووقف نواب الجنوب مع وحدة البلاد واستقلالها ؛ مقابل الوعد الذى قطع لهم ببناء نظام فيدرالى بعد الاستقلال . ان هذا الوعد لم ينجز فحسب من قبل النخب الشمالية الحاكمة فيما بعد ؛ بل تحولت مجرد الدعوة الى النظام الفيدرالى الى جريمة للخيانة فى عرف الحاكمين ؛ يحكم علي دعاتها بالسجن فى السودان المستقل . ان الحرب الاهلية التى بدات بتمرد محدود ؛ كان يمكن بالتعامل المسؤول وبالانتباه الى جذور المشكلة ووضع الاسس السليمة لحلها ؛ ان تتحول الى مجرد ذكرى اليمة وقديمة ؛ ولكنها نتيجة سياسات الاستعلاء القومى والميل الى الحل العسكرى للمشكلة وتكريس السياسات التهميشية والاقصائية ؛ قد تحولت الى ازمة وطنية مستفحلة ؛ قطعت الطريق ولا تزال تقطعه امام ضمان الوحدة الوطنية . كما واجهت البلاد مهام انجاز نهضة ثقافية شاملة ؛ تخرج البلاد من تخلفها ؛ وتلحقها ببلاد العالم المتقدم . ان السودان عندما حصل على استقلاله ؛ فقد كانت اغلبيته العظمى ترزح تحت ظلام الامية الكتابية ؛ كما تعشعش فيه المفاهيم المتخلفة والممارسات الاجتماعية الضارة ؛ من الدجل والشعوذة والخرافات ؛ وضعف الوعى الصحى والبيئى ؛ ومستوى منخفض من الوعى التقنى وانعدام استخدام التقانة الحديثة فى العمليات الانتاجية . ان هذه النهضة الثقافية قد كانت بمثابة الشرط الضرورى والاساسى لاجراء اى عملية تنمية فى البلاد اقتصادية كانت ام اجتماعية ؛ تؤدى الى رفع المستوى المعيشى والثقافى للجماهير ؛ وتنهض بالبلاد من تخلف القرون .
ان هذا الواجب ؛ اى انجاز نهضة ثقافية ؛ قد لاقى الاهمال من قبل النخب المختلفة بعد الاستقلال ؛ واختصرت كل السياسة الثقافية للدولة فى السياسة التعليمية ؛ وكانما ليس هناك غيرها من مهام واجراءات وادوات ثقافية ؛نكفل التطور الثقاغى . وحتى فى حدود السياسة التعليمية ؛ فقد ساد ضيق الافق والاتجاه الصفوى النخبوى ؛ وبدلا عن توسيع التعليم راسيا وافقيا ؛ فقد وفرت امتيازات فائقة للفئة المتعلمة من السودانيين ؛ سواء تلك التى صعدت الى مؤسسات الدولة ( الافندية ) ؛ او تلك التى تدرس بالجامعات السودانية والاجنبية ؛ حيث سادت امتيازات ضخمة حتى منتصف السبعينات للدارسين والمتخصصين ؛ فى الوقت الذى لم يجد فيه التعليم الاساسى اى دعم وتطوير . كما ساد الميل الى اعلاء شان التعليم النظرى على حساب التعليم التقنى ؛ وبقيت مرافق الانتاج الاساسية من زراعة ورعى غارقة فى ادوات العمل التقليدية والمتخلفة ؛ الا من جزر محدودة للانتاج الحديث خلفها الاستعمار ؛ ولم تدخل فيها الحكومات الوطنية يد التطوير والاصلاح ؛ وانما اكتفت باحلال المدير الانجليزى بآخر سودانى ؛ مع كل امتيازاته ؛ ودون احداث تطوير يذكرفى اساليب الانتاج او ادواته .
ان استمرار الامية الكتابية وسط نصف السكان ؛ بعد 46 عاما من الاستقلال لا يزال عارا على بلادنا ؛ وهى مسؤولية مباشرة للنخب الحاكمة ؛ فقد بادرت جماهيرنا بانشاء التعليم الاهلى ؛ وكانت سخية فى دعمه من مالها وجهدها ؛ وقد توافرت للدولة كل الظروف ؛ لو ابتدرت حملة وطنية لرفع الامية الكتابية ؛ ان تنجح فيها ؛ ولكنه قصور الخيال السياسى ؛ والانكسار للمصالح المباشرة والضيقة ؛ وانعدام البرنامج التنموى والثقافى الذى اغلق اعين حكامنا عن هذ الفقضية الجوهرية لتطور بلادنا ورفعتها .
كما ورث السودان خدمة مدنية فى حدودها الدنيا ؛ وخدمات اجتماعية من صحة ورعاية اجتماعية وتامينات فى حدودها الادنى ؛ حيث تمتعت بها مجموعات قليلة من سكان المدن ؛ وحرمت منها الغالبية العظمى من سكان البوادى والارياف . ان تعامل حكومات ما بعد الاستقلال مع الخدمة المدنية قد سعى الى تحويلها الى اداة سياسية لخدمة الحزب او المجموعة الحاكمة ؛ اكثر منها اداة لادارة الدولة وخدمة المواطن . ان السياسة الاساسية التى نفذت فى هذا المجال ؛ اى السودنة ؛ قد سعت الى تغيير الكادر الادارى فقط ؛ دون ان تغير من القوانين واللوائح التى حكمت هذه الخدمة ؛ فى اتجاه جعلها اكثر ديمقراطية وقربا من المواطن ؛ واقل تكلفة وايسر تعاملا . ان واقع اقتصار كوادر الخدمة المدنية على النخبة العربية الاسلامية قد كان واحدا من اسباب تاجيج الحرب الاهلية ؛ حيث اصبحت سياسة السودنة مجرد سياسة " شمألة " اى احلال الكوادر الشمالية محل الكوادر الانجليزية والاجنبية . ان الادارة المدنية لم تمسها يد الاصلاح والتطوير فى العهد الوطنى ؛ وحينما برزت هذه الشعارات ؛ فقد طبقت باسلوب عشوائى وعقيدى خاطى ؛ كما فى تجربة مايو باسم التطهير ؛ وتجربة يونيو باسم اسلمة جهاز الدولة .
ان الزعم بان السودان قد ورث خدمة مدنية ممتازة ؛ وخدمات على مستوى عال ؛ لا يماثله فى الضحالة الا الحديث عن انجازات الاستعمار ؛ فالخدمة المدنية الاستعمارية قد انشات وبنيت على خدمة المصالح الاستعمارية ؛ كما ان الخدمات كانت محصورة فى الفئات المتميزة من الشعب السودانى ؛ ولا تزال هذه الاوهام معشعشه فى اذهان البعض . لكن حكومات ما بعد الاستقلال لم تفعل غير ان ذادت الطين بلة ؛ وخصوصا مع الاذدياد المضطرد فى تعدد السكان ؛ وزيادة احتياجات المواطن من الخدمات الاساسية ؛ والحوجة الى جهاز ادارى مرن وفعال ؛ فى دولة هى اشبه بالقارة كالسودان .
ان السودان وهو قد حقق استقلاله كاحد اولى الدول الافريقية ؛ وبواقع حجمه الجغرافى وعدد سكانه ؛ وبحكم التعدد الثقافى الكامن فيه ؛ وتجربته الديمقراطية الرائدة ؛ كان يمكن ان يلعب دورا فعالا فى المحيطين الاقليمى والعالمى ؛ وخصوصا فى دعم حركات التحرر الافريقية ؛ وفى دعوات الوحدة الافريقية ؛ وكرابط بيبن العالمين العربى والافريقى ؛ وكداعية للتعاون الاقليمى الاقتصادى والثقافى ؛ وطداعية للديمقراطية والسلام فى المنطقة والعالم . الا ان التوجه العروبى السائد ؛ واحتقار افريقية السودان ؛ والنظرة الانغلاقية الضيقة ؛ قد جعلت السودان تابعا فى محاور اقليمية وعالمية مشكوك فى توجهاتها ؛ وابعدته عن مواقع التاثير الايجابى فى المنطقة والعالم . ان فشل بناء تنمية اقتصادية ؛ وانتكاس النظام الديمقراطى ؛ واستمرار الحرب الاهلية لعقود ؛ قد جعلت من هذا الكيان الشاسع ؛ منفعلا سلبيا ؛ لكثر منه فاعلا ايجابيا فى لعبة السياسية الدولية والاقليمية .
فى اسباب الفشل :
ان الاسقلال الذى حقق بتضحيات غالية لاجيال عديدة ؛ قد اهدر ؛ والمهام العزيزة الى نهضت امام الدولة السودانية ؛ لم تنجز ؛ واصبحت بلادنا على ما هى عليه من الفقر والتخبط الاقتصادى ؛ والاحتراب والاختلاف السياسى ؛ وهجرة ولجوء مواطنيها فى مشارق الارض ومغاربها ؛ وتراجع دورها بين دول وشعوب العالم ؛ حتى اصبحت لا تذكر الا وهى مقترنه بمصيبة وكارثة ؛ من حرب او مجاعة او انقلاب ؛ او خرق لحقوق الانسان اوشبهة ارهاب ؛ او استرقاق وامتهان لكرامة الشعب والمواطنين .
هل كانت معانى الاستقلال الحقيقية ومغزاه عصية على الفهم ؛ لكى ما نزعم بانها كانت سبب ذلك الفشل ؟ كلا ؛ فقد كتب احد قادة جيل الاستقلال ؛ احمد خير المحامى ؛ فى العام 1948 مخاطبا الاحزاب السودانية " فعلى الاحزاب السودانية لكى تكسب التاييد الشعبى الوطيد الراسخ الا تكتفى بعنوان الدولة فى المستقبل ؛ بل عليها ان تبين ماذا سيكون نظام الحكم ؛ المركزى والمحلى ؛ وماذا تكون الاسس الاقتصادية فى البلاد ؛ وفى يد من تكون مصادر الثروة ؛ وكيف تمحو الامية ؛ وما هى القيم الاجتماعية التى ننوى ان تسود فى السودان ؟" وغيرها وغيرها من الاسئلة الجوهرية التى طرحها وغيره على قادة الحركة الوطنية آنذاك .
هل كان الشعب السودانى عيا متباطلا ؛ بسارع الى الفساد ولا يرغب فى العمل ؛ كلا وحاشاه . فقد هب الشعب مستجيبا لكل نفير وطنى ؛ وقدم من ماله وجهده ودماه قربان الحرية ؛ وانشأ التعليم الاهلى ؛ والمنظمات التعاونية والاجتماعية ؛ وهب ضد التسلط والارهاب فى انتفاضتين عارمتين ؛ مقدما فى سبيل حرية الوطن وكرامة المواطن ؛ كل غال ورخيص ؛ ولم يجن من ذلك الا عنت العيش وتسلط الحكام وتعامل الدولة معه من عل ؛ وها هو اليوم يقف امام ضنك اشد وتسلط اكبر ودولة معادية له حتى النخاع .
هل كان فى الظروف العالمية والاقليمية من الكوابح ما ارجع السودان القهقرى ؛ او تامر على استقلاله ومنجزاته ؟ نعم ولا .. نعم لان السودان كجزء من افريقيا قد عانى مشكل الحرب الباردة ؛ وسقط فى دوامة التبادل التجارى العالمى غير العادل . ولا للان السودان كان بمقدوره ان يخرج من هذه المصايد بانتهاج سياسة مستقلة لا تميل لاحد المعسكرين ؛ ولو طور تعاونا اقليميا واسعا ؛ ولو فجر موارده الداخلية واستغلها لخير مواطنيه ؛ ولو اكتسب قادته روح الوطنية التى رفعت بلاد عديدة من العالم المتاخر ؛ فى غضون عقود قليلة الى اكثر البلدان والمجتمعات حركية فى التطور .
اننا نعتقد بان السبب الرئيسى لفشل السودان وشقاء شعبه يكمن فى النخب التى حكمت وفشلت ؛ فى القيادات الطائفية ومن والاها من المثقفين ؛ فى النظرة الضيقة لكينونة السودان ؛ وفى احزاب السودان الرئيسية ذات الباع الطويل فى الانقلاب على الديمقراطية وتحطيم المؤسسات وتفريخ الفساد والمحسوبية ؛ وفى كل مشروعها السياسى الذى ساد ثم لم يبورثنا العذاب .
ان خطل المفاهيم التى حكمتنا ؛ وتخلف القيادات التى اعتلت رؤوسنا ؛ وتقاعس المتعلمين منا ؛ وتغليب المصلحة الخاصثة على العامة ؛ والانكسار لاسؤا العناصر ظلاما وانغلاقا فى ثقافاتنا ؛ قد كان موطن الداء . ان مقولة الاستاذ محمود محمد طه ؛ بان الشعب السودانى عملاق ؛ يقوده اقزام ؛ يؤكدها حال السودان اليوم .
ذكرى الاستقلال ومهام اليوم والغد :
اننا نعتقد ان حال السودان لن يصلح ؛ الا بانجاز المهام الاساسية التاسيسية ؛ والتى عجزنا عن حلها ؛ وعن التخلى عن كل المشروع الاحادى الاقصائى الذى حكم ماضى السودان وحاضره ؛ اى فى جملة واحدة ؛ الخروج من اسار السودان القديم الى افاق السودان الجديد .
ان السودان الجديد يجد جذوره فى كل النضالات والتضحيات التى اجترحت ؛ وفى آمال الشعب التى احبطت ؛ وفى الآلام التى عايشتها الاجيال . ولكن هذا المشروع لن يتحقق الا اذا استند على برنامج علمى قابل للتطبيق ؛ وعلى حركة سياسية حديثة ؛ ديمقراطية الشكل والمحتوى ؛ وعلى نظام ديمقراطى راسخ ؛ وحركة شعبية تراقبه وتقومه .
لن يقوم السودان الجديد على اكتاف القيادات التى انتجت الازمة ؛ و لا تلك التى تقاعست فى المحنة . بل سيقوم على اكتاف الشباب المخلصين ؛ والجماهير التى همشت عقودا ؛ وعلى النضال الصبور الذى لا يغرف الككل ؛ من جل واقع جديد .
ان سياسة الموازنات والمسومات والمصالحات فى قضايا الوطن الجوهرية ينبعى ان تذهب الى غير رجعة ؛ ولا بد من تطوير حس نقدى عال ؛ لكل مكونات السودان السياسية والاجتماعية والثقافية ؛ وتحديد دقيق للمسؤوليات ؛ ومحاسبة صارمة لكل من افسد وخرب ؛ وسرق وقتل ؛ من غير ذلك فدون نهضة السودان خرط القتاد .
اننا نختم بمقولة اخرى للاستاذ احمد خير ؛ ذكرها فى كتابه لآنف الذكر ؛ حيث كتب : " ليست الغاية اذن من كفاح السودان ضد الاستعمار ؛ هى اختيار الاسم الذى يستطيع القادة ان يطلقوه على الدولة ؛ بل ينبغى ان تكون غايتنا اقامة الاسس والضمانات التى تكفل للمواطن حقوقه فينالها فى عزة واحترام ؛ كما تتقاضاه واجباته فيؤديها عن رضا ورغبة . دون محاباة او استثناء . غايتنا ان نغرس فى نفس رجل الدولة ؛ الوزير قبل الخفير ؛ ذلك الاعتقاد الراسخ الذى يجعله يحس احساسا كاملا بانه خادم المجتمع واجيره ؛ الذى تتوقف مكانته واحترامه ؛ كما يتوقف رزقه وقوت عياله ؛ على مقدار ما يؤديه للمجتمع من خدمات ؛ وما يؤديه من جهد."
كما كتب ايضا ؛ فى نهاية كتابه ؛ ما نكرره معه اليوم " فى سبيل ديمقراطية سليمة تكفل للمواطنين ؛ حرية القول بجميع وسائله ؛ وحرية العقيدة ؛ وتهيئ للجميع الفرص بالتساوى ؛ ونحو اللامركوية الادارية التى تحقق استقلال القرية الادارى ؛ ارجو ان توجه الجهود ؛ ويجند المكافحون قواهم ونضالهم ."
عادل عبد العاطى
--------------------------------------------------------------------------------
المقال الحالى هو الصيغة المكتوبة لندوة قدمت بنفس العنوان ؛ فى منبر السودان الجديد بالانترنت ؛ فى يوم السبت 22 ديسمبر 2001.
|
|
![ICQ](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![AIM](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![Yahoo](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![URL](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![Edit](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif)
|
|
|
|
|
|
|