|
Re: اين انتم ولا كلمه واحده اليوم عن ذكرى الاستقلال (Re: Abdel Aati)
|
شخصيات ومواقف مهضومة
فى التاريخ السودانى الرسمى
فى ذكرى الاستقلال نستعيد جزءا من تاريخ السودان القديم والمعاصر ؛ ونتامل فى دروسه ومآثره ؛ عسى ان نستخلص منها بعض الحكمة . نفعل ذلك وفق قناعة ؛ بان من لا ينظر الى ماضيه ؛ لا يدرك حاضره ؛ وقطعا لا يتاتى له ان يرسم خطوط مستقبله . واذا كان هذا صحيحا على المستوى الفردى ؛ فانه اكثر من صحيح على مستوى الشعوب والامم ؛ والتى لها ذاكرة جماعية ؛ تتذكر وتنسى وتتناسى ؛ تماما كما الافراد .
وقد عن لى فى هذه الخاطرة ؛ ان استعيد ذكرى بعض الشخصيات والمجموعات السودانية التى هضمها التاريخ الرسمى ؛ رغم اسهامها الفذ فى صيرورة السودان المعاصر . واكاد ازعم بان هذا التجاهل او الهضم ؛ لم يكن دافعه النسيان الطبيعى ؛ وانما التناسى المقصود ؛ وذلك لان هذه الشخصيات كانت خارجة على الخط المرسوم للمفهوم الرسمى للوطنية السودانية ؛ والتى تقوم على اختصار السودان فى السودان الشمالى النيلى ؛ سودان الوسط ؛ وتختصر مكوناته الثقافية الى مجرد التكوين العربى الاسلامى ؛ وتختصر حركته السياسية والفكرية فى الاسهام المحدود للنخبة الشمالية واحزابها واتجاهاتها .
واول المجموعات المهضومة هى انتفاضات الاطراف ضد الحكم الانجليزى ؛ ومن بينها انتفاضات الدينكا والشلك والنوبة والفور ضد الحكم الانجليزى ؛ والتى لم تجد حقها من التوثيق كما وجدته انتفاضة الحلاويين المهدوية بقيادة ود حبوبة ؛ او اسطورة عثمان دقنه مثلا . ان احد الطوائف التى قامت فى تاريخ السودان الحديث فى جنوب السودان ؛ والتى تجاوزت الاطار القبلى ؛ قد كانت طائفة ابناء دينق ( Deng Cult) ؛ والتى نشطت من اول القرن حتى اواسط الثلاثينات ؛ وكانت المحرض على العديد من الانتفاضات القبلية والوطنية فى جنوب السودان ؛ وكانت ذات طابع معاد للاستعمار بشكل واضح ؛ على خلاف الطوائف الرئيسية فى الشمال ؛ الانصار والختمية ؛ والتى كانت موالية للادارة الانجليزية آنذاك .
كما نجد وسط الفئات المهضومة ثوار العام 1924 ؛ والذين وان تم الاشارة الى قادتهم ؛ بشكل مختصر ؛ الا ان اعضاء اللواء الابيض المنتشرين فى العاصمة والاقاليم ؛ لم يجدوا الحظ الكافى من الدراسة ؛ بل انه حتى شخصيات قيادية مثل عبيد حاج الامين وعبد الفضيل الماظ ؛ لم تنشر عنها دراسات او كتب ؛ وما الكتب التى كتبت عن على عبد اللطيف ؛ الا وهى فى معظمها مكتوبة باقلام اجنبية ( مصرية ؛ انجليزية وحتى يابانية ) ؛ بينما يظل ارث هذه الثورة فى الاضابير ؛ والاشتراك الشعبى فيها مجهولا ؛ ودور العناصر ذات الاصل الجنوبى او النوبى او من الفور ؛ وهو دور اساسى فى هذه الانتفاضة الوطنية ؛ مغموطا ومهضوما .
كما نجد وسط الشخصيات المهضومة ؛ عناصر مثل بولين الير ؛ والذى نشط فى اوائل الخمسينات ؛ زكون مجموعة وطنية جنوبية خارجة من الاطار القبلى ؛ وداعية الى السودان الموحد ؛ القائم على اسس عادلة ؛ وكان يمكن اذا امتد به العمر ؛ ان يكون احد الشخصيات الفذة والمؤصرة فى السودان ما بعد الاستقلال .
كما نجد شخصيات مثل عبد الله رجب ؛ صاحب جريدة الثراحة ؛ والذى دعا فى اول الخمسينات الى الكفاح المسلح ضد الحكم الانجليزى ؛ وشكل وجريدته منبرا للقوى الوطنية الخارجة من اسر الطائفية ؛ رغم انه لم ينتم الى حزب ؛ بل بقى مؤسسة بذاته ؛ رغم ان بعض الاحزاب قد بنت وجودها وخروجها الى العلن على صفحات جريدته .
كما نجد وسط الشخصيات التى هضم دورها فى النضال من اجل الاستقلال ؛ الاستاذ محمود محمد طه ؛ رئيس الحزب الجمهورى ؛ والذى شكل رفضا للطائفية ؛ ودعوة للجمهورية الديمقراطية الاشتراكية فى السودان ؛ وكان ذو مواقف جريئة ضد الاستعمار ؛ دخل بسببها السجن لسنوات ؛ قبل ان يتحول الى داعية دينى ؛ فى اوائل الخمسينات .
كما نجد وسط الشخصيات المهضومة ؛ قيادات الحركة النقابية ؛ من العمال والمزاعين ؛ من امثال الطيب حسن ؛ ومحمد الحسن سلام ؛ وغيرهم وغيرهم ممن بنوا صروح الحركة النقابية السودانية ؛ كاول مؤسسات المجتمع المدنى الراسخة ؛ ولا ننسى شهداء عنبر جودة من المزارعين ؛ والذين تم اغتيالهم من قبل الحكومة " الوطنية " ؛ وهم يناضلوا من اجل حقوقهم المشروعة ؛ بشكل سلمى .
كما تبقى مغموطة الادوار التى لعبتها نساء السودان وشباب السودان ؛ فى النضال من اجل الاستقلال ؛ وفى النضال ضد التسلط فى العهود " الوطنية " فيما بعد ؛ وتبقى مهضومة ذكرى شهداء النضال من اجل التحرر الوطنى ؛ ومن اجل الديمقراطية لاحقا ؛ بدءا من شهداء العام 1898 ؛ وشهداء ثورة 1924 ؛ وشهداء التمردات والثورات المختلفة ؛ والى شهداء الجمعية التشريعية ؛ وكل شهداء النضال من اجل الحرية ضد انظمة عبود ونميرى والبشير ؛ والذين يتم تمجيدهم طالما كانت هناك معارضة للنظم التى اغتالتهم ؛ حتى اذا ما وصل معارضى الامس الى السلطة ؛ واصبحوا حكاما ؛ تناسوهم كما ينسى حلم نوم عابر .
ان ذكرى الاستقلال تفرض علينا ان نزيح المخبأ من كل تاريخنا الوطنى ؛ وان نرفع الهضم والظلم عن كل دق ازميلا من اجل ان يقوم الصرح السودانى ؛ وهذه دعوة للجميع لان يفصلوا فيما اجملنا فيه ؛ ويدققوا ويصححوا فيما هضمناه نحن ؛ ولنا فى كل حال الى هذة الثيمة ؛ عودة اكيدة .
عادل عبد العاطى
3 يناير 2002
|
|
|
|
|
|
|
|
|