الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
|
خليطُ من لذةٍ .. تمازج مسيس ألمٍ ..
|
هذه كلمات إنطباعية وتذوق شخصى ومحبة ، لا ترتكز الى مصادر أو مراجع فهي نتاج سماع بحب وشفافية .. أعيد نشره إحياءً لذكراه
سياحة في إبداع مصطفى ..
لا تنبش الماضي البعيد ألم تكن يوماً لقلبي واقعا مجهولا لا تنكأ الجرح القديم فإنني ودعت ليلا مظلما وثقيلا وحملت روحي في فؤادٍ نازفٍ ما زال يحمل نصفه مشلولا .................. ..................
الكتابة عن مصطفى تنكأ جراحاً حسبنا أن مصل الزمن المتقادم طببها ، فهي تثير كوامن آلامنا .. وتذيقنا ذلك الإحساس الوخزي كطعنة ( شوكة ) سكنت أسفل القدم أياما حتى تعتقت فتصبح خليطا من لذةٍ تمازج مسيس ألمٍ .. فإن نحن أبحرنا في عالمه نتوه في ردهات ودهاليز وادي عبقر المبهم .. فلن نستكشف كنهه ولن سبر غوره .. ولكنها لحظاتٍ ممرقة بأنين التوجًع وحلاوة التلذذ التي تمد مواشطها طمعاً في مزيدٍ من عمرٍ منسيً عمداً ...
عن عمدٍ ، سأتحرر طليقا مارقا على القالب النمطي للبحوث والدراسات التي تؤرخ لشخصية ما ، فهذه الكلمات سياحة عجلى في إبداعه .. فهو في إيجاز مصطفى .. ولد ودفن في قرية ود سلفاب غرب الحصاحيصا بالجزيرة .. شيًع في موكبٍ أبكى الشيوخ قبل أن يثكل النساء .. زلزل السكون واعتلت الدهشة كل الوجوه الشاحبة فصارت ضياءاً وألقاً وفهماً عميقا لرسالة شفيفة وحصيفة أرهقت عزم المصبطين وأقعدتهم خجلا مطأطين رؤسهم لم يجدوا غير الصمت الأليم .. وفي القلب شيئ من الإنكســار ..
عمل بالمهنة المقدسة .. حتى كاد أن يكون رسولا ، علَم الطلاب ما أحتوته الكتب في متونها وحواشيها .. وخرج به عن طور المألوف بالغناء زهواً في حرم المدارس .. فنشب صراع قويٌ تعلق طرف خيطه بشرف المهنة المقدسة .. وتجازب طرفه الآخر تيار الفن الجارف .. فكان أن أبحر ملوحاً بيده دالفاً للجة كم أبكته وأرهقته وأسكنته بوادٍ غير ذي زرع .. فسكب الدموع فبكى وأبكى .. وصمت ..
رغم أن بداياته كانت على إستحياء .. إلا أنه بتفرده وجديده الذي أتى به .. جعل كل من يسترق السمع يدرك أن ذلك يعني ميلاد حقبة تنذر بزلزلت النمط التقليدي للغناء .. تحديداً في أوساط المستمعين الشباب .. فهو بشاعريته المفرطة وعاطفته الجامحة كان يدرك أنه آن الآون لرمي صخرة في صحن ذلك السكون المترامي .. فكان الطوفان الذي زلزل أركان شرائح مختلفة .. فتلقفه المثقف .. واحتضنه الطالب وأحتفت به المنتديات ، ولم يسلم حتى الشماسي والتربال من ذلك المس السحري الذي أستشرى .. دون توقف
والله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة .. ولا في إيدها جواز سفر .............
بفضل شاعريته وموهبته الفارطة .. كان يستشعر الحلم الجميل ، ويتابع ما ينثر وينشر بالصحف والمجلات .. حينما عانقت عيناه قصيدة ( هاشم صديق ) - حاجة فيك – رآها كشعلة ضؤ تلوح بعيداً لتحمله لوعده الجميل المنتظر .. رأى فيها كل النُوت الموسيقية وقد مُزجت في أحرفها .. فكانت بمثابة الدناميت الذي فتت حوصلة النمطية في الغناء السوداني .. ففي ذات مساءٍ حالمٍ شدى صوته النشوان باحثا عن شيئٍ محيًرٍ في محبوبته ..
حاجة فيك ... تقطع نفس خيل القصائد تشده أجراس المعابد توهتني .. تعبتني .. جننتني ......... وأعرف متين أبقى المطر وافهم متين أصبح حريق .. حاجة فيك
بعد هذه الخطوة الواثقة ، كان لابد من التفرد والتميُز ، فأصبح خلية نحل تهوًم حوله قصائد الشعراء كالفراشات تحمل رحيقها .. فكان مجلسه مرتعاً لتلاقح المستحيل والممكن .. في بلدٍ يتعارك فيه الأمل مع اليأس ، والرفاهية فيه تغافل الحرمان .. وما أن افاق المستمع المستمتع من سكرته بفعل هذا الطرب غير المألوف حتى عاجلهم بدررٍ غوالٍ .. فكانت الأغنية التي أدمنتها جميع وسائل المواصلات وكل الأكشاك الشعبية ودون إستحياء السيارات الفارهة داخل أرض الوطن وفي منافي الله الواسعة ..
الصباح الباهي لونك وضاحة يا فجر المشارق يا بنية من خبز الفنادك غابة الأبنوس عيونك .. ......... ......
فجاءت أغانيه العاطفية المتفردة في قوالب مختلفة مزجت بين الفصيح وبين الدارج من الكلام ، ولعل أغنية الحزن النبيل فاقت شهرتها كل الآفاق ، ذلك أن مصطفى سكب فيها كل حواسه ومواهبه الدفينة المفعمة ، فكان لحنا أرق وأعذب من دعاء الكروان وأداء بلغ المنتهى ..
وبقيت أغني عليك أغاني الحسرة والأسف الطويل وعشان أجيب ليك الفرح رضيان مشيت للمستحيل ومعاك في آخر المدى فتيني يا هجعت مواعيدي القبيل بعتيني لي حضن الأسى وسبتيني للحزن النبيل ..........
وأحايين كثيرة عطف صوب الشمال ربما بفعل الإنتماء الجغرافي .. فكانت اللهجة الشايقية طاغية بوضح ، وخصوصا في الأغاني ذات الطابع الوطني المخبأ طي عباءة الكتمان والإشارة .. ووضح ذلك جليا خصوصا في قصائد الشاعر القضية محمد سالم حميد ..
كل ما تباعد بينا عوارض كل ما هواك يا طيبة مكني ...... أغني لشعبي ومين يمنعني أغني لقلبي إذا لوعني ..
ومثلما حمل هموم الشارع بأنماطه المختلفة والتي تمثلها شريحة واسعة إلا أنه كان يدرك أن الطبقة المثقفة تنتظر منه الكثير ، فكان الحرف الفصيح كإبرة من نورٍ طرًزت لوحات تشكيلية ذات مضامين تحتاجة لحصافة لفك طلاسمها .. ولنستمع لهذا النموذج ، فرغم تجدد المفردة في هذه الأغنية وتفردها إلا أنها تدفقت بساطة ويسرا ، فكانت أريجاً عبقت سماء الوطن الشاسعة رغم مسحة الحزن التي لامستها هي مريم الأخرى ..
ها هي الأرض تغطًت بالتعب البحار أتخذت شكل الفراغ وأنا مقياس رسم للتواصل والرحيل وأنا الآن الترقب وإنتظار المستحيل أنجبتني مريم الأخرى قطارا وحقيبة أرضعتني مريم الأخرى قوافي ثم أهدتني المنافي هكذا قد خبروني ثم قالوا لي ترجل ....... ......
وقد عبر حدود الوطن بسياجه العريض ليتواصل مع الهموم القومية ، فداعبت رنًات عوده المموسقة توجًعات شاعر عربي كبير ، تلاقحت تأوهات الوجد الخرافي ، فعانق مظفر النواب ذو القامة المهيبة والرحيل غير المنقطع على أسنة الرماح المعقوفة على قلبه دون أن يداويها صقيع المهجر المر
في طريق الليل ضاع الحادث الثاني وضاعت زهرة الصبار لا تسل عني لماذا جنتي في النار فالهوى أسرار يا الذي يخفى الهوى بالصبر يا بالله كيف النار تخفى النار ....... الوطن الحبيبة صبين عاشقين ترابك .. سلامات خيرك سنابل .. سلامات وهواك هنا ..
كانت عزة نقطة فارقة في مشوار مصطفي ، شكًلت جُل أعماله في المرحلة الأخيرة .. فالغناء للوطن أصبح هاجسا يؤرقه وإن اختلفت الرؤى .. ولعل هذا الخط الذي أنتهجه وصحبه جلب عليه الكثير من المتاعب ، فكانت أغنية ( يامطر عز الحريق ) إئذانا للضرب في أرض الله الواسعة ..
من الواسوق أبت تطلع من الأبرول أبت تطلع من الأقلام أبت تطلع من المدفع طلع خازوق .. خوازيق البلد زادت يفيض النيل نحيض نحن يظل حال البلد واقف تقع محنة ......
وربما كانت ( ملحمة عم عبدالرحيم ) آخر تأشيرة خروج دُمغت على جواز سفره ..
فتاح يا عليم .. رزاق يا كريم صلى علي عجل .. همهم همهمة وحصًن للعباد وهوزز سبحتو دنقر للترب هم فوق هم هما ........... حيكومات تجي وحيكومات تغور تحكم بالحجي وبالدجل الكجور ومرة العسكري كسار الجبور تعرف يا صبي مرة تلف تدور أو تقول بري أو تحرق بخور ........
برغم أن هولاء الشعراء كانوا كالفراشات الحالمة .. كانوا كذلك كالسيل العرم ، كانوا مارقين على أعراف القبيلة .. خارجين على قوانين القطيع .. حين أخذونا لا ليصلوا بنا الي مطافٍ آمن .. ولكن ليخرجونا من مغارات مجهولة .. وجد فيهم مصطفى ضالته فتبعهم وحملنا معه في عالمه الرحب المبهم .. فهم أيضا لم يكتبوا ليصلوا الي مجد رمقوه ولا الي كسب قصدوه ولكن هذه الحمم لا تحتمل البقاء داخل براكينهم .. هكذا قد خبروني ثم قالوا لي ترجل .. لا يدرى الى أين هو ذاهب .. فعالم مصطفى وصحبه يضج بالأسئلة الحيرى التي لا نستطيع فك طلاسمها ولا سبر غورها .. تساؤلات متمردة .. ثائرة .. فهل نملك إجابة لهذه الأسئلة مثلا ..
فيا جميلة خبريني كيف بدلنا الكذوب في إنتظارك بالكذوب ثم إنا لم نعد ندرى بأنا مذ حملناك جنينا قد نسينا أن نضع فيه الملامح لو سئلنا كيف ضيعنا إنبهارك بالخصوبة وأرتضينا أن نسلًم للعساكر من ثمارك ما يطيب ..
ولنتوقف على هذه القصيدة والتي عنوانها أسئلة ليست للإجابة ، وبها نختتم هذه الرحلة الشائكة في أدغال وأحراش المبهم بحثا لفهمٍ بعيد المنال ، لا يمكن إدراكه في هذا المقال المغتضب ..
ما معنى أن نحيا ولا ندري بأن العشق قد يبقى سجينا في الخلايا ؟ ........... ما معنى هذا الصمت الذي لا ينتهي برغم حاجتنا الصراخ
الخاتمــة
ولعل اللافت للنظر أن عطاءه كان ثرا ، بل يفوق ما قدمه خلال مشواره القصير نسبيا العديد من أعمال الفنانيين مجتمعة ، قام بتلحين معظمها .. أليس ذلك مدعاة للتوقف أمام هذه العبقرية .. رغم معاناته مع المرض الذي كلما أعتصره الألم إتقدت جذوة الأبداع فيه . ألا رحم الله مصطفى رحمة واسعة وغفر له .
رحمابي
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: خليطُ من لذةٍ .. تمازج مسيس ألمٍ .. (Re: AlRa7mabi)
|
الأخ العزيز الرحمابي تحياتي
تشكر على هذه السياحة القيمة عن فقيدنا الغالي و زميل المهنة و الفنان الأصيل. و أشاركك القول :
ولعل اللافت للنظر أن عطاءه كان ثرا ، بل يفوق ما قدمه خلال مشواره القصير نسبيا العديد من أعمال الفنانيين مجتمعة ، قام بتلحين معظمها .. أليس ذلك مدعاة للتوقف أمام هذه العبقرية .. رغم معاناته مع المرض الذي كلما أعتصره الألم إتقدت جذوة الأبداع فيه . ألا رحم الله مصطفى رحمة واسعة وغفر له .
تسلم
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: خليطُ من لذةٍ .. تمازج مسيس ألمٍ .. (Re: ابو جهينة)
|
الرحمابي العزيز والشوق الجاري عليك تتملك المبدع حالة من الفيض ليصيغها علي شاكلة نص لوني أو مويسقي أو حرفي .... المبدع الحقيقي هو المتلقي الذي يستطيع أعادة النص لحالة من الفيض يغمرنا بها فرحا شكرا لك وأنت تبدع شكرا لك وأن تملكنا حالة الفيض البكر
والريد نيلين
| |

|
|
|
|
|
|
Re: خليطُ من لذةٍ .. تمازج مسيس ألمٍ .. (Re: زوربا)
|
زوربا .. يا عاشق الحرف
مثلما يجرى نيلُ ليعانق نيل
بكل هذا الفيض كان يغمرنا مصطفى
مصطفى بالإضافة لإبداعه كان له دورٌ بارز في صياغة وتشكيل والإرتقاء بذوق المتلقى ..
فهو الذي أعطانا كل شئ .. وماذا أخذ منا
عشقناه بيننا .. وامتدت روابط الإلفة أكثر بعد رحيله
له الرحمة
تسلم زوربا صديقي
رحمابي
| |

|
|
|
|
|
|
Re: خليطُ من لذةٍ .. تمازج مسيس ألمٍ .. (Re: ابو جهينة)
|
أستاذي جلال داؤد أبو جهينة
مجرد مرورك عبر أراضينا .. غاية ما نطمح
وأن تشيد أو تتفق معي على فكرة فهذا قمةالظفر
وروح مصطفى تستحق منا أن نذكره دائما
لم أعد أسمعه إلا بشجنٍ اليم
له الرحمة
شكرا حقا يا أبو جهية
وتسلم
رحمابي
| |

|
|
|
|
|
|
|