التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-26-2024, 08:04 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-27-2003, 03:38 AM

Amin Elsayed
<aAmin Elsayed
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 1252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة (Re: Amin Elsayed)

    تسوية مؤقتة أم تسوية تاريخية؟
    البعض يتناول إجراءات التسوية السياسية الجارية من خلال المغانم التي يحصل عليها الجنوب والشمال أو الحركة الشعبية والحكومة وقوى المعارضة بشكل عام والأحزاب الكبيرة والتجمع الوطني بشكل خاص. ولكن هذه النظرة تنطلق من مصالح طبقية وجهوية ضيقه هي التي تسببت في تفجر مشكلة الجنوب وتهميش الأقاليم البعيدة في الشرق والغرب والشمال الأقصى, بل أدت حتى إلى تخريب مثلث الوسط ومشروع الجزيرة الذي ظل يتحمل أعباء تنمية البلاد وإدارتها طوال اكثر من سبعين عاماً. ولذلك لا يمكن أن تقودنا إلى سلام عادل ودائم ومواجهة جادة لمظالم ومطالب المناطق المهمشة ومشاكل التخلف والتنمية غير المتوازنة الموروثة منذ أيام الحكم الثنائي, ومن ثم وضع البلاد في مجرى تطور جديد قادر على تلبية تطلعات وأشواق كل أبنائها وأقاليمها. فالإقليم الجنوبي, وكذلك الأقاليم الأخرى, لها مظالمها ومطالبها المشروعة. وتلبيتها في إطار تسوية شاملة لا يمكن اعتبارها مكاسب على حساب فئات وأقاليم أخري. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن القوى السياسية بشكل عام. وإذا كانت التسوية المتوقعة تنطلق من حسابات الأرباح والخسائر, فإنها ستؤدي فقط إلى تعميق الأزمة الوطنية الجارية وليس إلى مواجهتها وتصفيتها.
    وفى رأي هذه المقالة أن التناول الصحيح يجب أن ينطلق من مدي استجابتها لمتطلبات مواجهة الأزمة السودانية بكاملها واجتثاثها من جذورها- فبلادنا تعيش أزمة وطنية شاملة تهدد وجودها في أساسه. ومثل هذه الأزمة لا يمكن مواجهتها إلا من خلال تسوية وطنية تاريخية شاملة وبمشاركة كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع. ويشمل ذلك الآتي:-
    · إنهاء الحرب الأهلية الجارية وتحقيق السلام العادل والدائم في كل بقاع البلاد وليس في الجنوب وحده.
    · تصفية دولة الحزب الواحد وتأسيس دولة الوطن المدنية الديمقراطية, على أساس المساواة في حقوق وواجبات المواطنة ومنع استغلال الدين في السياسة وبالتالي تمكين الجميع من المشاركة في إدارة وطنهم.
    · تعزيز الوحدة الوطنية في إطار الهوية القومية العربية- غير العربية المزدوجة والتنوع الاثني والثقافي واحترام حقوق المجموعات المختلفة في المحافظة على ثقافاتها وخصوصياتها والمشاركة في بناء الوطن. ومنح الجنوب حق تقرير المصير يجب أن يكون آلية لتعزيز الوحدة الوطنية الطوعية وليس لتمرير انفصاله. وذلك من خلال توحيد جهود قوى الوحدة وتأكيد مستلزمات الوحدة الوطنية الطوعية.
    · التزام منهج التنمية المستقلة الشاملة والمتوازنة, وذلك وفق خطط تراعي احتياجات المناطق المهمشة والأكثر تخلفاً وترابط أقاليم البلاد المختلفة في بناء اقتصاد وطني متقدم ومتطور ومتكامل مع محيطه الإقليمي وقادر على التعامل مع مقتضيات عصر العولمة والتكتلات السياسية والاقتصادية الكبيرة والثورة العلمية والتكنولوجية.
    من خلال مواجهة هذه القضايا يمكن تجاوز الأزمة الوطنية القائمة وبناء سودان ديمقراطي موحد ومستقل وفاعل في محيطه العربي والأفريقي والدولي. وعلى ضوء ذلك يمكننا تناول التسوية الجارية وتحديد مدي اقترابها وابتعادها من متطلبات ما نسميه تسوية وطنية تاريخية شاملة. فما هي ملامح التسوية القادمة؟؟

    ملامح التسوية الجارية:-
    7. قلنا أن اتفاق الترتيبات الأمنية والعسكرية يرتبط باتفاق مشاكوس الاطاري ويشكل خطوة هامة وكبيرة في طريق تحويله إلى اتفاقية سلام شامل وتسوية سياسية محدّدة. وتكتمل ملامح هذه التسوية بعد الاتفاق حول المحاور المتبقية (تقسيم السلطة والثروة والمناطق المهمشة والعاصمة القومية...الخ) ومن خلال نصوص اتفاق مشاكوس الإطاري ومسودات اتفاق نهائي نشرتها صحف عربية في الخارج, يمكننا القول أن ملامح هذه التسوية تتمحور في إجراء تغييرات جوهرية في تركيب السلطة والنظام السياسي السائد في السودان منذ الاستقلال في اتجاه منح الجنوب كإقليم حكماً ذاتياً مستقلاً ومشاركة فعالة في إدارة المركز (الحكومة الاتحادية) وذلك من خلال شراكة سياسية بين المؤتمر الوطني الحاكم وحركة تحرير شعب السودان في إطار نظام فيدرالي موسع. وهذه التغييرات تشكل تحولاً كبيراً في نظام حكم الإنقاذ ونظام الحكم الذي ظل سائداً في السودان منذ أيام الحكم الثنائي. فهي تنهي ما يسميه كثير من المفكرين والناشطين السودانيين الشماليين سيطرة النخبة الشمالية النيلية على السلطة المركزية, ويسميه بعض الكتّاب والسياسيين السودانيين الجنوبيين سيطرة القومية العربية الشمالية ومثلث الوسط بالتحديد على السلطة والثروة في البلاد على حساب الأقاليم والمجموعات الطرفية المهمشة. وهنا نشير إلى أن هذه المصطلحات تحتاج إلى إعادة تعريف وتحديد اكثر دقة. وذلك لأنها تخلط بين القوى الاجتماعية والمؤسسة السودانية التي ظلت تسيطر على السلطة طوال سنوات ما بعد الاستقلال من جهة وجذورها القومية والثقافية من جهة أخري. وهى أيضاً تتجاهل مشاركة صفوات الأقاليم البعيدة والمجموعات المهمشة في تلك السيطرة من خلال تحالفاتها الثابتة مع القوى المهيمنة في المركز. وتتجاهل أيضاً الظروف الموضوعية التي أدت إلى تطور ظاهرة النمو الاقتصادي غير المتوازي وخاصة خلال فترات النظم العسكرية وسيادة سياسات الانفتاح الاقتصادي غير المرشد والمراقب ديموقراطيا وسيطرة الفئات الرأسمالية الطفيلية. المهم بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذه المقولات, فإن هذه التغييرات لها مدلولاتها السياسية والاجتماعية وتأثيرها الكبير في مستقبل التطور السياسي في البلاد. فالواقع أن هذه التغييرات تؤدي إلى بناء دولة اتحادية موحدة بنظامين مختلفين حسب نصوص اتفاق مشاكوس والاتفاق الأخير في نفس الوقت. ويمثل ذلك توجهاً جديداً في تاريخ الدولة السودانية الحديثة. فهناك الإقليم الجنوبي بدستوره (العلماني) والولايات الشمالية بدستورها (الإسلامي) ويجمع بين هذين الكيانين مركز موحد يقوم على دستور (قومي) يحدد الصلاحيات وآليات تقسيم الموارد وغيرها وشراكة سياسية مؤهلة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في مؤسسة الرئاسة ومجالس التشريع والجهاز التنفيذي وجهاز القضاء والخدمة المدنية الاتحادية. ويشمل الاتفاق ترتيبات خاصة للمناطق المهمشة وانتخابات عامة في الفترة الانتقالية الخ... ويرتبط برقابة دولية وإقليمية لمتابعة وضمان تنفيذه بشكل دقيق.
    هذه الملامح العامة للتسوية السياسية ظلت واضحة منذ إعلان الاتفاق الاطاري في مشاكوس في يوليو 2002م وجاء اتفاق الترتيبات الأمنية ليؤكدها بشكل عملي. وخلال العام المنصرم تقدمت القوى السياسية والاجتماعية المختلفة بمساهمات مقدرة في مناقشتها وتقويمها وتقديم مقترحات جادًّة لمعالجة جوانب قصورها واختلالاتها. وتمثلت ابرز هذه المساهمات في جهود منبر (السودان أولاً) حيث توصل إلى ملاحظات واستنتاجات هامة في كافة محاور المفاوضات ولكن سلطات الإنقاذ منعته من مواصلة جهوده حتى نهايتها. ونأمل في قيام المنبر بنشر مساهماته هذه الآن لتنوير الرأي العام والاستفادة منها في تطوير ما تتوصل إليه المفاوضات الجارية. وظهور (منبر السودان أولاً) كان محاولة لتنبيه سلطة الإنقاذ والحركة الشعبية بشكل خاص إلى أهمية توسيع المشاركة وتمكين الخبرات الوطنية من المساهمة في تقرير مصير وطنها بحكم انتمائها وخبراتها المتراكمة واحتكاكها المباشر بقضايا الأزمة الوطنية. وكان أيضاً احتجاجاً مؤسساً على اعتماد منبر الإيقاد على خبرات أجنبية لا علاقة لها بمشاكل السودان وتطلعات شعبه وأقاليمه. وتمثلت أهم مساهماته في إبرازه لاختلال نظام الحكم الاتحادي الذي يقوم على إقليم وحيد هو الإقليم الجنوبي ومنحه حقه كاملاً في إدارة شئونه والمشاركة في إدارة المركز وحرمان الأقاليم الشمالية من هذا الحق دون أي مبررات مقنعة. ونشير هنا إلى أن المنبر اقترح إنشاء ستة أقاليم في الشمال. المهم أن هذا الاختلال دفع البعض, خاصة في أوساط النخبة الإسلامية الحاكمة, إلى اعتباره تنازلاً غير مبرر يمنح الجنوب حقه في حكم نفسه وفى المشاركة في حكم الشمال من خلال الحكومة المركزية المسئولة أيضاً عن حكم الشمال. وهو تقدير في غير محله, لأن انتزاع الجنوب لحقوقه لم يكن على حساب الشمال. وذلك لأن نظام الإنقاذ هو الذي أصّر على هذا النظام المختل ورفض إنشاء أقاليم في الشمال بهدف ضمان سيطرته عليها من خلال إبقاء هياكل الحكم في الشمال كما هي دون أي تغيير- وهو بذلك يحاول تكرار تجربة اتفاقية 1972م, ولكنه بتجاهل أن ما حققه الجنوب سيدفع الأقاليم الشمالية للمطالبة بحقوقها كاملة, أي إدارة شئونها بنفسها والمشاركة في إدارة المركز تماماً كما يفعل الجنوب. وفى مجال اقتسام الموارد ركزت المفاوضات والمسودات المنشورة في صحف عربية في الخارج على عائدات النفط وأهملت تماماً قضايا التنمية الشاملة والمتوازنة. وظلت تعتمد في ذلك على تجارب لم تنجح حتى في بلدانها, كما هو حال التجربة النيجيرية, وعلى خبرات أجنبية بعيدة عن مشاكل وهموم السودان, وتجاهلت تماماً الخبرات الوطنية المجرًّبة. ولذلك جاءت مقترحاتها بعيدة عن تناول القضايا الأساسية لمشكلة التخلف والتنمية غير المتوازنة وركزت فقط على موارد النفط والمساعدات الخارجية. ولكن هل يؤدى ذلك إلى رفع مظالم الجنوب والمناطق المهمشة وتنميتها؟ أم أنه سيؤدي فقط إلى تنمية فئات رأسمالية طفيلية في تلك المناطق متحالفةً مع القوى المهيمنة في المركز؟
    وفى جانب ثالث نلاحظ ابتعاد المفاوضات والمسودات المنشورة في الخارج عن تناول قضايا الهوية والثقافة واللغة والتعليم, رغم أنها ظلت تشكل أهم أسباب استمرار الحرب الأهلية لأكثر من عشرين عاماً ورغم أهميتها في تناول قضايا التنوع الاثني والثقافي والديني في البلاد. ويبدو أن الانشغال بتقسيم (السلطة والثروة) لم يسمح بمناقشة مثل هذه القضايا. ولكن ذلك لا يقلل من أهميتها ودورها في بناء سودان موحد ولا يلغي ضرورة مناقشتها وتكييفها في إطار تسوية وطنية شاملة- المهم كل هذه الملاحظات لا تنفي أن التسوية الجارية تتجه منذ الآن لإحداث تغييرات سياسية جوهرية في نظام حكم الإنقاذ بشكل خاص والنظام السياسي الذي ظل سائداً في البلاد منذ إعلان الاستقلال في مطلع 1956 بشكل عام وربما في مستقبل السودان نفسه. ويتمثل أهمها في الآتي:-
    · إنشاء نظام فيدرالي يقوم على إقليم موحد في الجنوب وولايات في الشمال ويحكمه دستور (قومي) يقوم على المساواة في حقوق وواجبات المواطنة وحقوق الإنسان ويحدد الصلاحيات وآليات تقسيم الموارد بين الجنوب والحكومة المركزية والشمال. وهذا الدستور يمثل المرجعية الأولى للدولة الاتحادية. ويعني ذلك استبعاد (الشريعة) في المستوى الاتحادي والجنوب وحصرها في الولايات الشمالية فقط. ويؤدي أيضاً إلى خلق تركيب جديد يضعف هيمنة السلطة المركزية على الأقاليم ويؤسس لبناء نظام فيدرالي واسع الصلاحيات وبالتالي إحداث تحول كبير في النظام السياسي القائم في اتجاه إعادة هيكلة السلطة وموارد الدولة وتقسيمها بين الدولة والأقاليم. وذلك مع وضع الاعتبار للاختلالات المرتبطة بهذا النظام كما أشرنا في مكان سابق.
    · بناء شراكة بين المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية تشمل كافة مواقع الحكومة الاتحادية وهى شراكة مفهومة تفرضها ضرورات تنفيذ الاتفاق خلال الفترة الانتقالية. ولكنها تختلف عن تحالفات نظام الإنقاذ والحكومات المركزية السابقة خلال الفترات الماضية مع القوى الجنوبية, بحكم استنادها إلى ركائز واقعية ومشاركة حقيقية ورقابة دولية صارمة. وهى بذلك تضع أساساً لهيكلة جديدة للسلطة تدخل الجنوب لأول مرة في قلب المركز وتنهي سيطرة الحزب الواحد على السلطة في الجنوب والمستوى الاتحادي وإبقائها كما هي في الشمال. وسوف يكون لذلك تأثيرات حاسمة في بعض جوانب السياسات العامة وخاصة في مجالات الحريات والمشاركة السياسية, بحكم تأثيرات مناخ السلام ودور الحركة والرقابة الدولية الصارمة.
    · وضع خياري الوحدة والانفصال في نفس المستوي تقريباً, رغم توجه الاتفاق الاطاري لدعم الخيار الأول. وهذا يعني احتمال تقسيم البلاد إلى دولتين بعد الفترة الانتقالية. ويعني أيضاً إثارة الأقاليم الأخرى للمطالبة بحقها في إدارة شئونها والمشاركة في الإدارة المركزية. ومن ثم إثارة نعرات جهوية وإقليمية واسعة.
    المهم أن هذه التغييرات سيكون لها تأثيراتها في إعادة هيكلة السلطة ووضع البلاد علي أعتاب مجري تطور جديد. ومع كل ذلك نلاحظ إن التسوية الجارية تشكل تسوية ثنائية وجزئية, وذلك بحكم عدم شمولها لكل أطراف وأجندة الأزمة السودانية, ولا يزال ينتظرها الكثير لتتحول إلى تسوية وطنية شاملة. وهى أيضاً لا تملك إمكانيات ذاتية للنمو والتطور بعيداً عن قوى الوسطاء والشركاء, بحكم الخلافات العميقة بين أطرافها وارتباطها بدور حاسم للقوى الخارجية. ومن هنا جاءت محدوديتها وفشلها في تلبية متطلبات التسوية الشاملة.

    تساؤلات مشروعة:-
    هكذا جاءت ملامح التسوية الجارية نتيجة لظروف وأسباب أشرنا إليها في مكان سابق. ولكن ذلك لا يقلل من أهميتها في أحداث تغييرات أساسية في مجري التطور الوطني. وهى تغييرات لها مدلولاتها رغم ارتباط معظمها بمشكلة الجنوب. ومع أن كل قوى المعارضة السياسية والاجتماعية قد ظلت تعمل على أحداث هذه التغييرات وغيرها, خاصة خلال العقدين الأخيرين, كطريق وحيد لمواجهة الأزمة الوطنية الجارية, ومع وضوح استحالة مواجهة هذه الأزمة دون مشاركة سياسية واسعة, مع كل ذلك ظلت مفاوضات الإيقاد تحصر نفسها منذ سنوات في الطرفين المتحاربين فقط وتستبعد كل القوى الشمالية والجنوبية الأخرى وذلك مع تقديرنا لدور الإيقاد واهتمام الشركاء بالمشكلة السودانية. وكأنها بذلك تحاول تقرير مصير السودان من خلال تسوية سياسية محدودة يتوصل إليها هذان الطرفان, استناداً إلى مآسي الحرب الأهلية ورغبة القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في إيقافها وتحقيق السلام في السودان. وإذا كانت الأطراف المتفاوضة قد ظلت تبشرنا طوال الأيام الماضية بقرب السلام العادل والدائم ودخول البلاد في مرحلة تطور جديدة, بمشاركة الجميع, فإن ملامح التسوية الجارية تطرح أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابات واضحة ومحددة وليس مجرد تطمينات. هل هذه التسوية تمثل بداية لتسوية وطنية تاريخية وشاملة تضع البلاد في مجري تطور جديد, أساسه السلام والديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية والبناء الاقتصادي والاجتماعي؟ أم هي مجرد بداية لشراكة ثنائية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية محدودة الأهداف وبعيداً عن كل القوى الشمالية والجنوبية؟ وهل هناك إمكانية حقيقية لبناء واستمرار مثل هذه الشراكة؟ والى أين تقودنا؟ إلى مواجهة الأزمة السودانية واجتثاثها من جذورها؟ أم هي مجرد هدنة مؤقتة يفرضها توازن قوى محدد وتدخلات إقليمية ودولية؟ وهل ستستمر علاقة الحركة بالتجمع الوطني؟ أم أنها ستنتهي؟ وإذا كانت الأطراف المعنية تبشرنا بسلام عادل وتحوُّل ديمقراطي حقيقي ومشاركة الجميع في عملية السلام والبناء ...الخ فكيف يتم ذلك؟ وما هي ضماناته ؟ هل تشارك قوى المعارضة السياسية والاجتماعية والأقاليم المختلفة مشاركة فعالة في عملية السلام والتحول السياسي الجاري؟ أم أنه سيتم استبعادها وتهميشها كما هو حادث الآن؟ وهل يساعد ذلك في مواجهة الازمة الوطنية الجارية؟ أم أنه سيزيدها اشتعالاً وخاصة في الأقاليم الشمالية؟ المهم أن التسوية الجارية تطرح كل هذه الأسئلة وغيرها بعنف وإلحاح. وهى أسئلة جادة وحريصة على إنجاح عملية السلام والتسوية السياسية المرتبطة بها وضمان استجابتها لتطلعات كل فئات الشعب وأقاليمه وقواه السياسية. ولذلك تتطلب إجابات جادة وواضحة من الأطراف المتفاوضة وكل القوى الفاعلة في المجتمع. وهى لا تقلل من شأن النجاح في وضع الأساس لإنهاء الحرب وتحقيق السلام, لكنها تعمل لمعالجة اوجه قصورها وسلبياتها الواضحة وعدم شمولها لكل أطراف واجندة الأزمة السودانية. وذلك لأن الفشل في استغلال الظروف المواتية الآن, وخاصة الاهتمام الإقليمي والدولي الراهن بالمشكلة السودانية, في اتجاه اجتثاثها من جذورها, هذا الفشل سيطال كل القوى الفاعلة ويهدد بتفتيت البلاد إلى دويلات على أسس عرقية ودينية. ووقتها لا مجال للتنصل من المسئولية التاريخية.
    السلبيات وجوانب القصور المرتبطة بالتسوية الجارية لا تحتاج إلى شرح وتوضيح ويمكن معالجتها بسهولة إذا خلصت النوايا وانطلقت من الاعتراف بالأزمة الوطنية وعمقها واتساعها. ويتطلب ذلك أول ما يتطلب وعياً وإدراكاً بالمسئولية في مواجهة ما يجري بكل ما يحمل من مخاطر بما في ذلك المخاطر المتوقعة في مرحلة تنفيذ الاتفاق النهائي. ويتطلب ثانياً قيام الأطراف المعنية باتخاذ خطوات عملية سريعة يتمثل أهمها في الآتي:-
    · مشاركة التجمع الوطني وحزب الأمة وقوى المعارضة الأخرى في عملية التسوية منذ الآن, خاصة في مفاوضات ومناقشات المحاور المتبقية (السلطة والثروة وغيرها) وفى إجراءات الفترة الانتقالية التمهيدية, وخاصة لجنة الدستور, وفى مؤسسات الفترة الانتقالية. هناك اتجاه وسط الوسطاء والشركاء لإشراك هذه القوى بعد توقيع الاتفاق النهائي بطريقة رمزية. ولكن ذلك لا يكفي, بحكم ثقل هذه القوى في المجتمع ودورها المعروف في العمل من أجل حلّ سياسي شامل طوال السنوات السابقة. وفى هذا الاتجاه يمكن للحركة الشعبية أن تقوم بدور أساسي, بحكم ارتباطها بالتجمع الوطني والقوى الأخرى وتوجهاتها السياسية المعلنة.
    · التوجه الجدي لإحداث تحوّل ديمقراطي حقيقي يمكن كل القوى الفاعلة من المساهمة في عملية السلام والتسوية السياسية الجارية. وهذا التوجه هو الآخر لا يحتمل التأجيل حتى توقيع الاتفاق النهائي, لارتباطه بجوهر التسوية وشموليتها لكافة أطراف الأزمة الوطنية وأجندتها. ويبدأ بإلغاء القوانين الاستثنائية وينتهي بتحويل مؤسسات الدولة إلى مؤسسات قومية.
    · العمل على إنشاء نظام حكم فيدرالي متوازن يمنح الأقاليم الشمالية (الشرق, الغرب, الشمال, الوسط) كامل حقوقها في إدارة شئونها والمشاركة الفاعلة في إدارة المركز. وبذلك تتساوى مع وضعية الإقليم الجنوبي المحددة في إطار التسوية الجارية.
    · اتخاذ خطوات عملية تدفع في اتجاه تغليب خيار الوحدة الوطنية على خيار الانفصال, بما في ذلك إضافة الكونفدرالية كخيار ثالث في استفتاء شعب الجنوب بعد نهاية الفترة الانتقالية.
    · تناول الجوانب الاقتصادية بأفق أوسع يركز على قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمتوازنة دون تفريط في القاعدة الإنتاجية الراهنة للاقتصاد الوطني. وذلك وفق خطط وأوليات محددة في إطار برنامج إنقاذ انتقالي يستند إلى تعبئة الموارد المحلية والخارجية ويتناول قضايا التخلف والتهميش والتطور غير المتوازي بأسلوب علمي ناضج, مع التركيز على قضايا التعليم والخدمات.
    · التركيز في جانب المساءلة ورد المظالم على قضايا الفساد المالي والإداري والسياسي وانتهاكات حقوق الإنسان خلال سنوات حكم الإنقاذ وذلك باعتبارها قضايا لا يمكن التنازل عنها أو التساهل في تناولها, على أن تقوم بذلك لجنة مؤهلة ومستقلة.
    · عقد المؤتمر الدستوري الوطني في الفترة الانتقالية لمناقشة القضايا الوطنية الأساسية والاتفاق على مستلزمات بناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والأفريقي والدولي.
    هذه الإجراءات هي المخرج الوحيد لمعالجة وتجاوز سلبيات التسوية السياسية الجارية وتحويلها إلى تسوية وطنية شاملة قادرة على مواجهة تحديات الأزمة السودانية بكل أبعادها. وفي وثيقة الإجماع الوطني التي أصدرها التجمع الوطني وحزب الأمة في يوليو الماضي طرحت هذه القوى برنامجاً أكثر تفصيلاً في هذا الاتجاه ويشكل أساساً لأي تسوية شاملة. وبدون هذه الإجراءات والبرنامج المذكور ستصبح التسوية الجارية مجرد تسوية سياسية ثنائية وجزئية أمامها عقبات ومشاكل لا حصر لها وذلك لأن الأزمة الوطنية الجارية لا يمكن مواجهتها إلا بتسوية شاملة, تشارك فيها كل القوى المعنية. والإصرار على أي تسوية جزئية يعني فقط استمرار الصراع بأشكاله المختلفة, وليس إنهاء الأزمة وفتح الطريق لبناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه الإقليمي والدولي. وفي كل الظروف, فإن التطورات المتسارعة تتطلب تمسك قوى التجمع الوطني وحزب الأمة وقوى المعارضة الأخرى بتوحيد صفوفها وبرنامجها المشترك حول قضايا السلام والديمقراطية والوحدة الوطنية والبناء الاقتصادي والاجتماعي والعمل الجاد من اجل فرض وجودها ودعم عملية السلام الجارية وتطويرها إلى تسوية شاملة. وحسناً فعلت هذه القوى عندما أيدت اتفاق نيفاشا وخطوات السلام الجارية رغم استبعادها عن المفاوضات (بيانات تجمع الداخل, الحزب الاتحادي, حزب الأمة, حزب البعث السوداني, الحزب الشيوعي وغيرها). ولذلك عليها أن تعمل من اجل تطوير التسوية الجارية إلى تسوية شاملة. ويمكن أن تقوم منذ الآن بتنظيم مؤتمرات تخصصية حول القضايا الأساسية, مثل الوضع الاقتصادي العام والتعليم والخدمات والإعلام وإعادة اعمار الجنوب ودارفور والمناطق المهمشة الأخرى وحول إعادة تنظيم الخدمة المدنية وأجهزة الدولة المركزية والولائية وغيرها, وذلك بالاعتماد على الخبرات الوطنية في الداخل والخارج وبهدف الوصول إلى برنامج إنقاذ انتقالي ملائم يشكل أساساً لنشاطها اليومي. والمدخل إلى ذلك يتركز في توسيع نشاطها من اجل إلغاء القوانين المقيدة للحريات وإشاعة الديمقراطية بهدف تمكين الجميع من المشاركة في تحقيق السلام والتسوية الشاملة, وتزداد أهمية ذلك بسبب ضعف اهتمام الوسطاء والشركاء بقضايا التحول الديمقراطي وحصرها فقط في مشاركة رمزية بعد الاتفاق النهائي. وأيضاً لمواجهة تحركات قوى الديكتاتورية والشمولية وسط النخبة الحاكمة المعادية لأي تسوية سياسية, وذلك من خلال سيطرتها على المفاصل الأساسية في جهاز الدولة, ومن المهم أيضاً الاهتمام بقضية الوحدة الوطنية وتعظيم فرص تأكيدها, من خلال العمل الجاد لتصفية مرارات الحرب الأهلية ومآسيها وما خلفته من مواقف سلبية في علاقات الشمال والجنوب وبشكل خاص التشويهات التي تسببت فيها سياسات الانقلابيين يتحويل حرب الجنوب الي حرب اهليه قائمة علي اسس دينينة وعرقيه في دور الإسلام والعروبة الشمالية في بناء الكيان السوداني الموحد وفي المحافظة على وحدته وتماسكه والتعايش السلمي الديمقراطي مع المجموعات الوطنية الأخرى في الشمال والجنوب على السواء خلال السنوات السابقة. ومن كل ذلك يمكننا جميعاً مواجهة تحديات الأزمة السودانية بكل أبعادها وصولاً إلى تسوية وطنية شاملة وتجنب بلادنا مخاطر حقيقية وماثلة أمام أعيننا.








                  

العنوان الكاتب Date
التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة Amin Elsayed12-26-03, 07:13 PM
  Re: التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة Amin Elsayed12-27-03, 00:46 AM
    Re: التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة Amin Elsayed12-27-03, 02:29 AM
      Re: التسوية السياسية الجارية وتحديــات الأزمـــة السودانيــة Amin Elsayed12-27-03, 03:38 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de