الموجة البوليسية الثانية

الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-23-2024, 10:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-13-2004, 04:42 PM

rani
<arani
تاريخ التسجيل: 06-06-2002
مجموع المشاركات: 4637

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الموجة البوليسية الثانية




    كلما شعرت بالتعب أسافر الى مدينة تروندهايم النرويجية بعض الوقت لأستريح وأريح كما تستريح كل مخلوقات الأرض، فمن حق الكاتب، كما يقول الشاعر نزار قباني، أن يستريح قليلا كبقية الطيور المهاجرة، أو المصاعد وهي تتوقف بين طابق وطابق، أو القلب بين نبضة وأخرى، وهربا من مقالات دكتور البردي والحمي والردح أحمد النعمان وسلسلة مقالاته" الضحك في زمن التحرير!" والدم العراقي يسيل في الشوارع، أو هربا من موجة جديدة تزدهر هذه الأيام صارت تسمى الموجة البوليسية الثانية بعد سقوط الموجة الأولى مع بقاء المبدأ نفسه وهو مطاردة كل وجهة نظر أو رأي مخالف. وكما كان للموجة الأولى رموزها وعرابها ومقراتها ومواقعها وصحفها ورئاسة أركانها وعقوباتها فإن للموجة الثانية كذلك هيكلها الفكري والتنظيمي والعقابي والخ. الخ. حاولت كذلك التخلص من هاجس الكتابة عن قضية الجنس والسلطة والنص والمعارضة المُلِح، فقررت السفر، من باب غواية أولا وقضاء عمل ثانيا، إلى مدينة تروندهايم الحالمة وهي المدينة التي تمردت على أحد ملوك النرويج قبل قرون فسيطر عليها وعين كلبه محافظا لها من باب الاحتقار ولكي أكون أكثر وضوحا اقول أني أعمل على تسجيل كل ما يتعلق بهذه المدينة المدهشة من جسور وانهار وفنادق وطرق وأزقة قديمة ومقاه وكنائس من أجل نص قد يولد في المقبل من الأيام وأجمل ما فيها في نظري هو ضفاف النهر في الخريف في أوقات المساء حيث الشحوب المبهر والضاج بالألوان المحترقة الذي يصبغ الأشجار على امتداد النهر رغم أمطار خريفية مبهجة. قررت التخلص من كل ما يشدني إلى هذا الموضوع الذي تعرض له كتاب الحداثة كثيرا في السنوات الأخيرة، أي موضوع الجنس والسلطة والنص، كما قررت الابتعاد ولو لعدة ساعات من نشرات الأخبار العربية التي صارت في الأيام الأخيرة من الخطورة ومن الصفاقة بحيث تتصور أن مذيع نشرة الأخبار قد يطلق عليك النار من خلف الشاشة وأنت على تخوم القطب الشمالي، أو تختطف من فوق كرسيك، حتى أن طفلتي الصغيرة بدأت تصرخ هذه الأيام بكلمة واحدة وهي تركض كمحترقة" أخباق! أخباق. أخباق!" أي أخبار، أخبار، أخبار. وكأي حالم هارب بالريش ، فتحت في الفجر النافذة المطلة على حديقة مقابلة للفندق( وهو فندق كومفورت أي الراحة!) وهي حديقة يغمرها في المساء ضوء خافت وهادئ ومطمئن من مصابيح داخلية،كما أن ظلال البنايات المطلة تمنح المكان عمقا وشاعرية وصفاء وسكونا وإشراقا يشبه إشراق صوفي في لحظة وجد أو فجر غابي قديم. لم يعكر هذا الصفاء غير مواء قطط نرويجية لم أسمعه إلا نادرا، ولا أدري لماذا تذكرت فجأة وبدون وعي السيد خليل زادة مبعوث الإدارة الأمريكية الذي اختفى هذه الأيام بعد حفل العرس. لكن العجب زال، حين بزغ مرة أخرى موضوع السلطة والجنس والنص والمعارضة، وأن خليل زادة يقوم بمهمة مشابهة لمهمة هذه القطط مع الفارق أنها تتزاوج في إطار قانون جنسي محترم، والسيد زادة يقوم بمهمة اغتصاب علنية لوطن ومن يريد أن يعرف المزيد عليه أن يتذكر أو يدقق في سلوك هذا الفحل الأفغاني المتأمرك وخبير الدمى والواجهات عند ظهوره على الشاشات أو في مؤتمرات المعارضة( سابقا والسلطة حاليا!) وكيف أن هذا الزير السياسي يدخل غرف هؤلاء واحدا، واحدا، وعلى إنفراد، وهو ينفخ صدره كطاووس، أو فحل ثيران، وهناك خلف الأبواب المغلقة تجري عملية يستباح فيها شعبا وتاريخا عريقا من النضال والشهداء. هكذا أحالني قط نرويجي مرة أخرى على هذا الموضوع الذي هربت منه، وذكرني بصورة آلية بأن الجنس موجود حتى تحت طاولة المفاوضات، بل الاغتصاب تحديدا، لأن قانون التفاوض يقوم على القوة والرغبة والاعتراف بالآخر حتى لو كان عدوا، وعلى مبدأ أساسي معروف في علم التفاوض هو المساومة والتسويات المشتركة القائمة على فهم حقوق الطرف الآخر، وليس فن التدليس أو الغرف المغلقة القائم على الابتزاز والقرصنة والتهديد لا بنزع كل حقوق التفاوض فحسب، بل نزع حتى الألبسة الداخلية للمفاوض الذي هو ليس طرفا، بل ورقة إملاء أو قنينة فارغة. أغلقت النافذة وسحبت الستارة لكن صورة خليل بك زادة فحل المرحلة سيطرت على حواسي، وصار أمر نسيان الموقف كله غير ممكن بدون رحلة إلى حديقة حمام قرب الكاليريه لكي أنسى بعض الوقت مشاهد ليلة عرس الاكراه التي تكررت مرة في لندن ومرة في مصيف يحمل اسم صلاح الدين، وهو مشهد يتنافر فيه اسم المكان مع الغرض، التاريخ المشرف مع الواقع المهين، البطولة مع الارتزاق. وفي الطريق إلى حديقة الحمام، تذكرت يوم دخلت ضريح صلاح الدين الأيوبي مع طفلتي في نيسان العام الماضي في دمشق وكيف تهالكت على القبر وسط دهشة الزوار ودهشتي وغرقت في نوبة خاصة تمتد إلى قرون قادمة. وسمعت صوتي يقول على الضد مني أمام القبر" لقد ذللنا يا صلاح الدين!". قبل أن اصل إلى حديقة الحمام، وكان الجو مشرقا على غير عادته في مثل هذه الأيام، كنت أصلي كي لا يجمعني لقاء نحس مع صديق قديم خاصة في هذه الساعات التي أريد فيها أن أستريح قليلا من رصاص الفضائيات العربية وخطب البرلمانات وصراعات الدول فيما بينها على الغنيمة. طرف يريد نفط الشمال. آخر يريد نفط الجنوب. طرف يريد الاضرحة. رابع يريد التاريخ. خامس يريد سرقة معطف الرصافي. سادس يريد سرقة غليون حسين مردان. سابع يحلم بنومة هانئة ضاحكا تحت ظلال دبابة أمريكية وهو يشرب الويسكي. ثامن يريد فتح معتقلات جديدة لمعاقبة الذين لا يشبهونه في الشكل والفكر ولون القميص أو في وجبات الطعام. تاسع يريد إعادة الهواتف بمليارات الدولارات قبل أن تنقلب الأوضاع على نحو غير متوقع ويخرج من الغنيمة بالحصرم عكس زملاء الطريق. وعاشر مشغول بعقارات ومزارع وحقول دواجن وخيول وطيور وأشجار نادرة من أجل الجماهير. وقبل أن أصل إلى حديقة الحمام، وضع شخص ما يده على عيني من الخلف بلطف ورقة وحنان تصورته مخلب تمساح لأني خمنت أن نزهتي إلى حديقة الحمام قد قضي عليها تماما، وأن صديقا فالتا بالريش هو الآخر قد قبض عليّ. سمعته يقول بمرح: ـ أحزر من أكون؟ كنت أريد أن أقول له دون معرفة أسمه: أنك ملخص للقمع والكآبة والحروب والسجون والكبت والمرض والجنون. لكني عدلت عن ذلك لأن هذه العفوية كانت قد أوقعتني مرات لا تعد ولا تحصى في كوارث مهلكة. شعرت أن تاريخا من الكآبة يلتف حول عيني، وأن صواريخا وراجمات ومعارك الخليج الأولى ومشانق سنوات الرعب والمقابر الجماعية ستكون هي موضوع الحديث بيننا. فلا حمام ، ولا بط، ولا هم يحزنون. لا فرار من الآخر أبدا، وأن الرحلة إلى تروندهايم لا تختلف في جوهرها عن الرحلة إلى عمان، وأن حديقة الحمام هي صورة أخرى للساحة الهاشمية، وأن أي مقهى نرويجي هو نسخة أخرى لمقهى السنترال، أو أي مقهى عراقي في دمشق. تعرفت عليه بعد أن أطلق سراحي بالمعنى الحرفي، وبلا مقدمات كانت الدماء والمجازر وخشبات الموت وصرخات التعذيب وعبور الحدود والرصاص يتطاير من أحاديثنا بطريقة تلقائية كما لو كنا نتحدث عن أخبار الطقس. والطريف أننا نتحدث عن كل هذه المآسي كما لو كنا نتحدث عن مناسبات عادية وسارة وبلغة يومية طبيعية. كل أنواع الفظاعات والجرائم صارت، في اللغة المشوهة، عادية وممكنة وطبيعية. وهو أمر لا يحدث هذه الأيام عند أي شعب في العالم. قلت له وقد شعرت بأني على وشك الانبطاح من رشقات الرصاص من أنباء معارك قديمة خضناها معا في واحدة من حروب الدكتاتور، ردا على سؤاله: ـ إلى أين ذاهب؟ أجبته وقد خفت من رد الفعل الشنيع: ـ حديقة الحمام. بحلق بي كما لو أني قلت له ذاهب لارتكاب مجزرة أو نسف فندق أو تفجير مطعم أو القاء قنبلة على روضة أطفال أو القفز من أعلى عمارة أو الانتحار بطريقة يابانية. قال باستغراب: ـ يا حمام .. يا بطيخ! قلت في الرمق الأخير: ـ ولماذا؟ ألا يحق لنا أن نعود لحظات إلى عالم الناس الأسوياء ونجلس في مطعم على ضوء الشموع أو نرقص في مرقص أو نجلس على حافة بحيرة وننسى ولو ساعة هذه اللغة المشوهة؟ هل نبقى سجناء خطاب الدكتاتور أو خطاب خصومه؟ أليس هذا إلغاء لإنسانيتنا؟ هز رأسه موافقا: ـ كل هذا صحيح. باستثناء أنك لن ترى لا الحمام ولا حديقته بل سترى صور الذاكرة وهي تمطر بلا انقطاع. تعال عيوني، تعال نشرب بيرة أو زجاجة سم كي ننسى كما تريد.اشلونك أنت؟ في المشرب وبعد أن تحول هذا إلى ساحة قتال، سألني: ـ في أي فندق تسكن؟ حاولت الهرب: ـ لا أعرف الاسم. شرع يذكرني بأسماء فنادق المدينة: ـ فندق تروندهايم؟ـ فندق أوغسطين؟ ـ ولا هذا. ـ فندق كومفورت؟ وكان هذا بالضبط هو الفندق، لكني خفت من أن يمتد الخراب إلى هناك وتفسد رحلة العائلة. قلت: ـ صدقني لا أذكر. ـ لا تذكر الفندق الذي تنام فيه؟ كيف سنحكم العراق؟ قلت: ـ أولا أني لن أشارك في أية حكومة قادمة ولو كانت حكومة العدالة المطلقة برئاسة السيد المسيح، لا كوزير أو مدير عام ولا بصفة كنّاس. ثانيا: لن أعود إلى العراق إلا إذا سمعت أن هذا الجيل الحزبي الذي شرّع للسفالة والجريمة والقتل والوشاية قد انقرض تماما وأرسلوا لي صور قبورهم مع كتب تصديق رسمية موقعة من قبل لجنة دولية رصينة. إنهم من الآن يسجلون أسماء ضحاياهم ويهددون بقتلهم. هل هذا بار يجلس فيه العراقيون عادة؟ أرى وجوها عراقية؟ قال: ـ نعم. إذن خذ رقم هاتفي كي تتصل بي اليوم هذا المساء. ذهبت إلى المرحاض لأستريح قليلا من إنهاك عصبي ونفسي وعقلي وإعياء مفاجئ من لغة مجنونة مخيفة عن موتى وقتلى ورصاص. جلست في المكان المخصص وفوجئت بجملة مكتوب بخط عربي واضح أمامي وبلطف مبالغ فيه تقول: ـ ( لطفا أنظر إلى الوراء !). نظرت خلفي فقرأت جملة أخرى على الحائط بالخط الأنيق نفسه: ـ ( لو لم تكن حمارا لوجدت مرحاضا في وطنك..تقضي فيه....!). حالا حضرت صورة السيد خليل زادة وهو يدخل إلى غرف الزعماء واحدا، واحدا، وهو يوزع الابتسامات على طريقة عريس في ليلة الدخلة. عدت إلى صاحبي وسألته عن هذه العبارات فأجاب ببداهة كما لو كنت قد عثرت على باقة زهور هناك: ـ طبعا، طبعا هنا يجلس عراقيون كثيرون. قلت حاسما الأمر معتذرا بموعد عائلي ونهضت دون أن أترك له أية فرصة للاحتجاج وكنت قد صممت على إطلاق ساقي للريح إذا تطلب الأمر. في الطريق إلى فندق كومفورت وجدتني أفكر على نحو عشوائي وهي طريقة العقل المنهك من جلسة أو عمل ثقيل أو سهر متواصل طويل عن ماذا سيجد هذا الخبير الأفغاني في صناعة الدمى وماذا سيكتب في تقاريره؟ وتخيلت السيد خليل زادة يكتب في تقرير سري رفعه إلى الإدارة الأمريكية عن لياليه وخلواته الغرامية في الغرف المغلقة انه لم يجد شيئا في ليلة الدخلة لا بكارة ولا خشبة ولا أرجوحة مطاطية لأن من يتبرع بوطنه لا يحتفظ بشرفه. بل لم يجد شيئا أمامه حتى أوشك أن يلج برأسه أيضا.....!


    الروائي العراقي حمزة حسن

    الحساسية الجديدة








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de