|
أحمد الذي لن يأتي...
|
تمهيد:ـ اكتوبر 1964
أبل ( محمود كُوّة ماجوك ) من مرض لازمه لوقت طويل، كان الموسم قد انقضي لعهد قريب.... رغم ذلك شحذ محمود فأسه القديم وخرج... مذ ذلك العهد... نما إلينا أن الكثيرين رأوه يحاول فلاحة أرضه، ولكن المرض ما فتئ يعاوده بين فينة وأخرى إلى أن... إعتوره ذات ليلة فأناخ
مدخل :ـ
هناك.. عند الطرف القصيّ للقرية، عند أسفل الوادي.. أخذت يداها تغذيان نار خَبْزِ الجِرار بمزيد من الرَوَثِ والعشب الجاف... فَتَصَعّدَ عمود الدخان سماءاً بلون الرصاص الكامد
كانت لثلاثين فاصلة خلت، تصنع شراباً كثيف القوام في مواسم الحصاد و.. تمنح الشباب أبنوسيّة شاهقة لا توصف.... حتى أن شيوخ القرية... ينسلون في ليالي العتمة يبتغون فضلاً مما تجود به
لابأس.. تلك إلتماعات خبأت وحال بهاؤها.. لا البطن أزهر.. ولا عادت نفسها تحدثها بأحلام البنات، شردت قليلاً... كانت يداها تمارسان عملهما بهدوء، هزت مراراً رأسها القطنيّة تحت ثوبها المشرّب بالرماد... لم يبق سوى صنع الجرار وعريشة من قصب وعشب مجدول
قصيّة... في صمتها المهيب... نبتةٌ بريّةٌ نائية في شموخ.
كانت وحدةٌ في نسيج القرية.... قُلْ رقمها الذريّ، ولكنها خارج الإطار... قمر وحيد، بقيت تراقص الحواف لا الجُرم أطلقها لفضاء رحيب ولا هو أسكنها قلبه العامر بالثبات
الظل :ـ
الهواء ساكنٌ .. ثقيل.. مشبع بالغبار القرص النحاسي الصدئ يلتصق بمنحنى الأفق.. الشجيرات القليلة تستطيل ظلالها في عتمة الغسق زاحفة صعوداً على المنحدر كأشباح خرافية... ركض الظل عبر الوادي، كان جانحاه يلامسان الأسطح القشيّة المقببة فتشتعل انقباضاً وخدرا
بضع ماعز عجفاوات... تكومن على جانب الطريق الضيّقة التي تتلوى متسلقة التلّة الترابية حيث تحترق الشمس
كانت الظلال تزحف في صمت وبإصرار.. اسفل القرص المشتعل تماماً أخذت بقعة سوداء في النمو... نُمْ... نُمْ.... اصاب التفحم كل الكائنات
يقال :ـ
أن القرية قديماً كانت على قمة الهضبة الشرقية و.... أن منها تولد الشمس و.... أن أحمد سيأتي مع مولد الشمس يوماً...
الوجه :ـ
مُؤرجحٌ...
بين لازمان الصمت...
وإطراق الحقيقة
أتى وجهُكَ المطريّ
منهوب الصباح
مُتدثرٌ...
عِشق البكارات السحيقة
أزهر حزنُكَ الابديّ
آلاف الجراح
يا بحر....
هذا مداك الطوطميّ
تبعثر فوق سافية الرياح
ومضى زهوكَ الرطبِ يشدُّ إليك...
أشرعة الأفول
زعموا أن وجهُكَ مشروخ الفُصول
وأن بوحُكَ قاسٍ ومصقول الجليد
كان حزنُكَ النَهِم اللّحوح
ينبت كالفروع
وكان وجهُكَ الدهريّ
منطفئ البريق
( فاصلة غير ذات أهميّة ) أبريل1985
بلغنا أن المواطن ( محمود كُوّة ماجوك ) أبل لفترة قصيرة ما لبث أن إنتكس وعاودته العِلّة فلزم فراش المرض، وأن ابناءه لم يجدوا ما يفعلوه سوى أن ينتقلوا إلى أراضٍ قريبة للعمل كأيدٍ أجيرة
السراب :ـ
كان أحمد الحلم القديم
كان أحمد الوجد القديم
كان أحمد العُرس القديم
كان أحمد الدرس القديم
ترجرج ليل السامريُّ... على الجبين
كان أحمد الوجه الحميم
يلوح خلف أستار... الغيوم
تدنى السامريُّ
صار حبلاً للوتين
جفّت عروق الأرض و....
غاب أحمد تحت طيات السنين...
الرحيل :ـ
حُفاةً... كانوا... يجوسون الحقول المجدبة
يترنحون...
أهزوجة العُرْسِ تيبست فوق الشفاة
تيبست حتى اللهاة
شليل يوم راح...
كان النهار مصباح
تأرجح الطيف القديم... ملامساً
نهر الجراح و...
تلاحقت ذاكرة الطبول
عُراة.... كانوا
وتحت غبار الحياة... الكثيف
تئزُّ مَجْمَرة العشق المَطُوُْلِ
وتَرْقَبُ في أمل مرير...
الحلم :ـ
بالأمس التقينا...
وجهُكَ نافذة للدهشة...
ونحن وعدُكَ الذي لا ينتهي
كان وجدُكَ باهراً...
لاذع ميلاد إسمُكَ في الدمِ
أذكر أنكَ لما قَدِمْتَ...
تسَلقتَ إلينا... مدارات الرموز
فتَحْتَ ذاكرة السنين..
شُرفتان على الطريق
وأذكر أن زندُكَ لما...
تدافع عجزنا النّزِقِ العبوس
تَخَضَّرَ مُورِقاً ملايين الشموس
كانت دروب الفجر المطلسم تهوي إليك
تُزامنُ سِرّكَ العَفَويّ العتيق
وكان وجهُكَ الابديّ
مُتَّكأٌ رحيب الصدر
سيّال البريق...
( فاصلة أخيرة غير ذات أهميّة ) مايو2003
بلغنا أن المواطن ( محمود كُوّة ماجوك ) ما زال على فراش المرض وقد اشتدت عليه العِلّة، وأن أبناءه لم يحضروا بعد ولم يرسلوا خلف طبيب قط !!؟
|
|
|
|
|
|