|
الحاج وراق ...وحكمة الديموقراطية
|
مسارب الضي الحكمة الواجب أخذها !
الحاج وراق
* يشن الاستاذ / إسحق أحمد فضل الله هجوما يوميا على الديمقراطية بصحيفة (الحياة) ، وتتوازى سخونة الهجوم مع سخونة القضايا الفكرية التي يحاول اسحق التغطية عليها !. وقد ظن إسحق أن في نقدي الشخصي لليبرالية المتوحشة ـ (السياسة الاقتصادية لليمين المحافظ في الغرب) ـ ما يمكن ان يعضد من هجومه على الديمقراطية ، وفي ذلك مغالطة ، لأن السياسات الاقتصادية المعادية للشعوب لا ترتبط إرتباطا جوهريا أو صميميا بالديمقراطية، فالديمقراطية إنما هي إقرار خيارات غالبية الشعب ، سواء في السياسة او الاقتصاد ، فاذا صدف وتقررت عبر الديمقراطية سياسات معادية للشعوب فإن الديمقراطية ـ على عكس النظم الأخرى ـ لا تتيح إمكانية إنتقاد مثل هذه السياسات والتحرك ضدها وحسب ، وانما كذلك إمكانية عزل المسئولين عنها دون إراقة نقطة دم واحدة ! . * واسحق مثله مثل الكثيرين من العرب والمسلمين يجند طاقاته النقدية كلها لنقد الغرب ، وفي الغرب الكثير مما يستحق النقد ، والنقد فضيلة الديمقراطية في الغرب ، والحضارة الغربية بطابعها الديمقراطي هي الحضارة التي تتيح نقد أسسها من داخلها ، وما من نقد ذي شأن وذي معنى للغرب الا وابتدره الغربيون انفسهم وهذا سر قدرتهم على التجاوز والتقدم .. ولكن نقد إسحق ـ ومن لف لفه ـ يخلو من أية فضيلة ، لأنه يتخصص في النقد (غيرالمكلف) ـ فما أسهل أن تنتقد (ظل الفيل) ! لقد صارت (الموضة) في عالمنا العربي والاسلامي نقد الغرب وأمريكا ! وهذا نقد مجاني ، لا يكلف شيئا ، لا يكلف إستعدادا معرفيا ولا هدرا للوقت في التمحيص والتثبت ، والأهم انه لا يكلف اثمانا معنوية لدى الرأي العام المتخلف ، كما لا يكلف اثمانا (حياتية) من لدن السلطات القائمة في عالمنا ..! وهكذا صار نقد الغرب ذريعة للتهرب من النقد الأهم والملح ، وهو نقد الذات ، نقد سلطاتنا ومجتمعنا وعقلياتنا السائدة .. وصار الغرب شماعة نعلق عليها عيوبنا وقصورنا واخطاءنا وخطايانا ! . * وتتضح الوظيفة الآيديولوجية للتخصص في نقد الغرب في ملاحظة ان اسحق الذي هلل لنقدي للليبرالية المتوحشة في الغرب لم يتفوه بكلمة واحدة عن توحش سياسات الانقاذ الاقتصادية ، وهو توحش (مستلف) من الغرب بلا هدى ولا نور ، ولكنه توحش افظع ، لأن فاجعة بورتسودان الاخيرة ـ والتي كانت احد مظاهر هذا التوحش ـ اذا حدثت في اى بلد غربي (صليبي وكافر !) لاستقال أو اقيل جميع المسئولين عنها ، في حين أن التوحش (المؤصل) عندنا لا يمكن مساءلته بقوة الرأي العام الاخلاقية ، وكما قال عُراب هذه السياسات ـ د . عبد الرحيم حمدي ـ (يلزم لتغيير هذه السياسات التحرك بالدبابات) ! ، وغني عن القول إنه حين يحتاج التغيير الى الدبابات فإنه يحتاج الى التضحية بآلاف الارواح الانسانية وتتضح هنا مرة اخرى ميزة الديمقراطية على غيرها من النظم السياسية ! . * وأحسُ في الاستاذ اسحق صدقا في طلب العزة للمسلمين ، ولكن فساد الرأي يقوده الى نقيض مراده ، فلا نهضة ولا عزة بغير الديمقراطية ، وفي التأمل في حال أوضاعنا الراهنة تأكيد كافٍ على المآلات التي يوصلنا اليها الإستبداد ! . وفساد الرأي الذي يشترك فيه اسحق مع غيره من الاسلاميين إنما هو تصور الحاكم وفق تصورات القرن السابع الميلادي ، فيحلم بشخص في مثل حكمة ابي بكر الصديق ، اوعدل عمر بن الخطاب ، او سماحة عثمان بن عفان ، او تقوى الإمام علي 1 رضي الله عنهم اجمعين ـ وهم كلهم نجوم للاقتداء والتأسى ، ولكن الظروف الاجتماعية التي عاشوا ضمنها لم تعد قائمة الآن ولن تعود : كان سكان المدينة المنورة ـ عاصمة الخلافة ـ حينها لا يتعدون آحاد الآلاف ، يستطيع الحاكم الوقوف بصورة شخصية على ما يغلونه في قدور طبخهم ، وكان المحكومون في علاقة شخصية مع الحاكم تتيح لهم التحقق المباشر من اعداد قطع ملابسه ! والآن قداختلف المجتمع المعاصر إختلافا جذريا ، كما وكيفا وتعقيدا ، وما عادت السلطة السياسية سلطة افراد افذاذ وانما سلطة نظم ومؤسسات .. ولذا فمن يريد التأسي الحق بالخلفاء الراشدين فعليه البحث عن النظام والمؤسسات التي تجسد القيم الرفيعة كما جسدها الخلفاء سابقا كأشخاص .. فإذا توفرت النظم والمؤسسات الملائمة فإن القيم المشار اليها تكون حاكمة ونافذة غض النظر عن خصائص الافراد الشخصية .. سواء ثقافتهم او ألوانهم او معتقداتهم او أمزجتهم ! وخذ مثلا على ذلك ، لا يستطيع المستشارالالماني ـ غض النظر عن رغباته ـ أن يعلو فوق القانون ، فاذا تهرب من الضرائب او ارتشى فإن نظم الضبط والتوازن الديمقراطية كالشفافية الناجمة عن حرية وسائل الإعلام ، والرقابة والمساءلة عبر السلطة التشريعية والسلطة القضائية المستقلتين عن السلطة التنفيذية فضلا عن المنافسة الانتخابية النزيهة والحرة ، هذه الضوابط كفيلة بردعه وفي حال عدم ارتداعه فإنها تتيح محاسبته او عزله ان لزم الامر ! . وواضعين في الاعتبار طبيعة القيم التي يجسدها النظام السياسي ،ترى ايهم اقرب الى قيم الاسلام، النظام الديمقراطي في سويسرا ا م نظم كطالبان افغانستان ونظام الانقاذ في السودان بل وكافة النظم السياسية الحاكمة في عالم الاسلام ؟! * واسحق الذي يهجو الديمقراطية تبريرا للطغيان القائم ليس لديه ـ مثله مثل السلفيين الآخرين ـ اجابات محددة على الاسئلة التي يثيرها الاجتماع السياسي .. وليست هذه أسئلةانصرافية كأسئلتهم من نوع : ما حكم من دخل من فم نعجة وخرج من دبرها؟! اسئلة السياسية على النقيض اسئلة راهنة وملحة وحيوية : اسئلة من نوع : كيف يختار الحاكم ؟ وماهي مدة ولايته ؟ وكيف يضبط ؟ وكيف يحاسب ؟ وكيف يعزل ؟ ودون توفر إجابات على هذه الاسئلة فلا يمكن الركون الى إدعاء الحكام عن تقواهم أو استقامتهم ، سواء بالحق او بالباطل ، فالبشر بشر ، وخلاف كونهم خطاءون ، فإن لهم ثقافات ومستوى معارف مختلف ، ولهم مصالحهم ، وأهوائهم وأمزجتهم ، فكيف تفض الخلافات فيما بينهم ؟! التقوى الشخصية ليست كافية ، خصوصا في المجتمع المعاصر ، وانما الأهم (التقوى المؤسسية) أى تقوى النظام غض النظر عن تقوى الاشخاص ، وإلا كيف نفهم ان الصحابة انفسهم رضوان الله عليهم اقتتلوا حول ولاية الأمر؟! دع عنك الإسلاميين المعاصرين الذين شدقوا افواههم والسماء بهتافات (هي لله هي لله) فلما جد الجد تنازعوا وتماسكوا الحزز لأجل السلطة والجاه !! . * وهكذا فلابديل عن آليات التداول السلمي الديمقراطي سوى آليات القوة والدم ، ولا اجابات عن اسئلة الاجتماع السياسي تجنب المجتمعات الإستبداد والطغيان سوى إجابات الديمقراطية ، وهي الإجابات الأكثر انطباقا مع قيم الاسلام ، والأكثر تحقيقا لمراده في أخذ الحكمة من أي المصادر جاءت ، وما من حكمة أحوج إليها في عالمنا العربي الاسلامي ، وأجدر بالأخذ من حكمة الديمقراطية
|
|
|
|
|
|