|
محمد سعيد العشماوي: المعاني الخطيرة لإعلان “الإخوان” أنهم جماعة سياسية!
|
حولوا العقيدة الى أيديولوجيا لتحقيق أغراض سياسية:
المعاني الخطيرة لإعلان “الإخوان” أنهم جماعة سياسية!
· يستخدمون آيات القرآن في تحريف وتزييف·· بصرفها في غير ما أنزلت
· من لا يخضع لهم من الحكام والشعوب يتهمونه بالكفر ويحلون دمه
المستشار محمد سعيد العشماوي
فور انتخاب الأستاذ محمد مهدي عاكف مرشدا سابعا لجماعة الإخوان المسلمين “المحظورة قانونا” بدأ نشاطا واضحا، كان سافرا ومكثفا في وسائل الإعلام، فظهر في لقاء تلفزيوني طويل مع القناة اللبنانية L.B.C، كما كانت له مقابلات صحافية في جرائد مصرية·
في اللقاء التلفزيوني المنوه عنه، ذكر صراحة أن الإخوان المسلمين جماعة سياسية، وبهذا القول منه تأكد أن الجماعة بدأت مرحلة جديدة، أسفرت فيها عن حقيقتها التي طالما أخفتها وادعت ما هو على العكس منها، ولأن المرشد قال فيما قال إن المرشد رمز للجماعة، وأن مجلس الإرشاد هو الذي يرسم سياسة الجماعة ويتخذ القرارات، فإن ذلك يعني أن المرحلة الجديدة، التي بدأت تتهيأ لها جماعة الإخوان المسلمين، ولعل منها اختيار المرشد السابع بالذات، تنبئ عن استعداد وترتيب للعمل السياسي في الداخل والخارج، نتيجة للمتغيرات التي طرأت هنا وهناك، ورغبة في استغلال ما يلحق ببعض نظم الحكم العربية من خلل واضطراب·
هذا الإعلان من جماعة الإخوان المسلمين إثبات لما كان يعرفه ويكرره العقلاء المحايدون من المفكرين والكتاب والمشتغلين بالعمل العام، وما دام قد حدث وأكد أن الجماعة سياسية باعترافهم، فإن الوضع لا يمكن أن يمر مرور الكرام، وإنما ينبغي أن يكون ثمة تحليل وتعليق، في إيجاز يقتضيه المقام، على أن يلي ذلك تفصيل شامل، ربما يساهم فيه الكثيرون·
ففي السنوات التالية لانتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالذات من عام 1946 حتى عام 1948 خرجت جماعة الإخوان المسلمين من حال الكمون الى حال الظهور، فشرعت كتائبها ذات الاتجاه العسكري تطوف بالمدن والأحياء تدق الطبول، ثم تهتف بهتافات غامضة، لكنها ذات أثر وجداني عميق على العاطفة الدينية للشعب المصري، من هذه الهتافات أن “القرآن دستورنا” وهو شعار صاغه فقهاء السلطان العثماني الأحمر عبدالحميد الثاني حتى يخوّله الانقلاب على الدستور الذي كان هو قد اعتمده لحكم تركيا، وإذا كان هذا الشعار قد مكن السلطان المذكور من إلغاء الدستور، وهو ما أدى الى عزله عام 1909، فإن رفعه في مصر كان يعني الاتجاه به نحو قلب نظام الحكم، وإلغاء دستور 1923، وترك السلطة دينية مطلقة في يد المرشد العام الأول، ذلك لأن القرآن دستور للمسلمين في الأخلاق والعقيدة، لكنه لا يتضمن أي حكم أو بيان عن السلطة السياسية، وعن النظام السياسي، وحقوق والتزامات الحكام والمحكومين·
وعندما عين إسماعيل صدقي رئيسا للوزراء عام 1946، على الفور وقف رئيس جماعة الإخوان المسلمين في جامعة القاهرة ليقول: “واذكر في الكتاب إسماعيل أنه كان صادق الوعد” وهو توظيف سيئ لآية في القرآن تشير الى إسماعيل بن إبراهيم، عليهما السلام، لخدمة رجل سياسي اسمه إسماعيل، أي أنه كان تحريفا لآية في القرآن باستخدامها استخداما سياسيا يؤيد ويعضد رجلا سياسيا، ومن ثم سياسته، باسم الدين ورسم القرآن وحينما ثارت جموع الطلبة والعمال ضد مشروع معاهدة “صدقي - بيفن” كان المرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين يركب مع حكمدار شرطة القاهرة في سيارة مكشوفة تجوب أحياء القاهرة تأييدا وتعضيدا لهذه المعاهدة، وتحريضا لأعضاء الجماعة على العدوان بالضرب وغيره على المعارضين للمعاهدة سواء كانوا من أعضاء الوفد أم من غيرهم·
وتوالت الأحداث وهي تؤكد أن “الإخوان المسلمين” جماعة سياسية، تحوّل العقيدة الى أيديولوجيا حين تستغل المشاعر الدينية في تحقيق أهداف سياسية وأغراض حزبية، وأنها تستخدم آيات القرآن في تحريف واضح وتزييف فاضح، بصرفها في غير ما أنزلت فيه، خدمة للسياسة وخدعة للناس، من ذلك أن تصرف الآيات الخاصة بالنبي وحده الى أن تكون خطابا للمرشد لتكون له ولاية النبي على المؤمنين، وهو الأمر الذي تسلسل وتداعى حتى قال أحدهم عن حاكم مصري: “لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون”، مع أن المقصود من الآية أن الله سبحانه لا يُسأل عما يفعل، لكن الناس يُسألون، فكيف والحال كذلك، يوضع حاكم موضع الجلالة، وتكون لرجل إطلاقات الله سبحانه؟!
ومع هذه الممالأة الفجة والمنافقة السمجة لبعض الحكام الذين يرغب الإخوان في مداهنتهم أو احتوائهم، بحيث يوضع أحدهم موضع نبي لتشابه في الأسماء بينهما، ويوضع الآخر موضع الجلالة حتى ترفع عنه المسؤولية وتطلق يده في كل ما يريد ويشتهي، مع هذه المنافقة والممالأة، فقد كان الإخوان على الدوام يتهمون من لا يخضع لهم من الحكام بالكفر ويحلون دمه، كما يعتبرون الشعوب التي لا تثور على هؤلاء الحكام كافرين كذلك، فيستحلون دماءهم وأموالهم وأغراضهم، ركونا منهم وتحريفا للآية: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون”، مع أن كل المفسرين الثقات مستقرون على أن هذه الآية لا تفسر تفسيرا صحيحا إلا ببيان سبب تنزيلها الذي ورد في سياق التنزيل الذي يقول: “وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله·· ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون”، وهي آيات نزلت في يهود المدينة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحيح تفسيرها أن من لا يحكم “أي يقضي في خصومة الزنى التي حكّم اليهود فيها النبي” بما أنزل الله “أي بعقوبة الرجم التي وردت في التوراة” فأولئك هم الكافرون “أي المنكرين لحكم الرجم ذاك”·
نتيجة لتحريف الآيات وتزييف المعاني، ورفع الحناجر وشهر الخناجر، تأكد الجميع على مدى الأيام أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة سياسية، في حين أنها كانت تنكر ذلك وتدعي أنها تعمل لرفعة الدين وخدمة الإسلام، وفي عام 1987 نشرنا كتابنا “الإسلام السياسي” لنفرق به بين استخدام الإسلام في أغراض سياسية وأهداف حزبية، وبين الإسلام المستقيم أو الإسلام المستنير، الذي يضع الإيمان في القلب لا في التنظيم، وفي الضمير وليس في الزعيم، ورغم ثورة قادة الإخوان المسلمين ودعائييهم علينا، فقد استقر وصف “الإسلام السياسي” عليهم وعلى الجماعات الأخرى التي تحذو حذوهم، وتنتهج أسلوبهم، وصار التعبير بالإنجليزية Political Islam شائعا ذائعا في العالم كله، بما فصل بين الإسلام السياسي والإسلام المستقيم، ولعل ذلك ما اضطر معه مجلس الإرشاد والمرشد الجديد الى أن يقر بما صار واقعا في العالم كله، وبذلك كان الاعتراف الذي أصبح كجهيزة التي قطعت قول كل خطيب·
وما دام واقع الحال دفع “الإخوان المسلمين” الى الاعتراف بأنهم جماعة سياسية، فإنه ينبغي أن توضع أمامهم، وأمام غيرهم، وفي العالم كله، المسائل التالية:
أولا: في حديثه مع صحيفة مصرية قال المرشد الجديد “الجماعة تحمل دين الله” وهو تعبير يفيد معنى احتكار الجماعة لدين الله، أي للإسلام، فهل لا توجد على الساحة المحلية والساحة العالمية جماعة أخرى تدعي ما تدعيه جماعة “الإخوان المسلمين” نفسها؟! وماذا عن جماعة الجهاد المصرية، وكتابها “الحصاد المر” الذي وصمت به الإخوان بكل خطيئة، ووصفتها بكل رذيلة، وادعت أنها هي التي تحمل دين الله؟ وماذا عن الجماعة الإسلامية في مصر كذلك، وقد ردت مقولات الإخوان وادعت ما يفيد أنها تحمل دين الله؟
وماذا عن باقي الجماعات، والهيئات، في السودان وأفغانستان وإيران؟ وهل إذا اقتصرنا على مصر، جاز تكوين أحزاب إسلامية ثلاثة على الأقل، واحد للإخوان والثاني للجهاد والثالث للجماعة الإسلامية، ثم يبقى الباب مفتوحا لكل ادعاء جديد؟
وإذا أقيم حزب للإخوان المسلمين حتى لو كانوا أغلبية، ألا يفيد المنطق السياسي المحلي والعالمي، السماح لحزب آخر قد ينشأ باسم حزب الإخوان المسيحيين؟!
وكل يتصور أنه وحده يحمل دين الله؟
وثانيا: إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين قد أسفرت عن أنها جماعة سياسية فلماذا لا تقدم برامج مفصلة تشمل الدستور الذي تقترحه، خاصة أن في إيران دستورا إسلاميا وفي تركيا دستورا كذلك، ولماذا لا يبين البرنامج في تفصيل واف وجهة نظرها في مسائل الإسكان والتعليم والنقل والنقد والزراعة والصناعة، وفي نظام الفصل بين السلطات، ووضع السلطة التشريعية والسلطة القضائية وما الى ذلك؟ هل يمكن أن تدخل جماعة الى الساحة السياسية بحزب يرفع شعارات عامة ولا يقدم برامج مفصلة؟ وهل ذلك ممكن في العصر الحالي، وإن كان ممكنا في العصور الوسطى؟
وثالثا: إن تداول السلطة بين الأحزاب على ما هو المفهوم الدولي المعاصر، يفيد أن يتم ذلك بطريق الانتخاب، أي ما يعني حكم الشعب، فهل هذا يتفق مع مفهوم حاكمية الله الذي تركن إليه الجماعات الإسلامية ومنها “الإخوان المسلمين”؟
إن حاكمية الله تعني أن يكون الحكم والتشريع والقضاء لله، تأثرا بما جاء في التوراة، في سفر أشعيا “الله حاكمنا، الله شارعنا “مشرعنا”، الله قاضينا”، وهو إطلاق غير صحيح، لأن الذي يحكم - في الحقيقة والواقع - فرد بشر يدعي أنه يحكم باسم الله ويشرع باسم الرحمن ويقضي باسم الجلالة، فيفتري على الله الكذب بما يقول وما يفعل·
وهذا بالضبط هو ما دعا أحد أنصار الإسلام السياسي في الجزائر الى أن يقول إن الديمقراطية إلحاد، يقصد من ذلك أنها تشرك الناس مع الله في الحكم، مع أنه وجماعته كانوا قد نجحوا في الانتخابات التي صوت فيها الشعب، وكادوا أن يصلوا الى الحكم عن طريق الديمقراطية التي ادعوا أنها شرك وإلحاد·
إن حاكمية الله ضد الديمقراطية التي تنبني على حكم الشعب، فما هو رأي جماعة الإخوان المسلمين في ذلك؟ وهل ننبه الى أن النازي وصل الى الحكم في ألمانيا عام 1933 عن طريق الديمقراطية ثم انقلب عليها، وهو ما يعني أن قبول الديمقراطية قد يكون تكتيكا مرحليا للوصول الى السلطة ثم الانقلاب عليها بعد ذلك لمن يكون قد تمكن؟!·
ورابعا: وماذا عن حق المواطنة الذي يستوى به الجميع من مسلمين وأقباط وغيرهم أمام القانون، في دولة مدنية موحدة؟ هل يظل مثل هذا الحق قائما لغير المسلمين أم أنهم يعاملون بقاعدة “لهم ما لنا وعليهم ما علينا” أو أنهم في ذمة المسلمين فلا تكون لهم حقوق ولا تحدد لهم واجبات من الدستور، وإنما تتعين هذه وتحدد تلك من مكتب الإرشاد، وفقا لما يرى وحسبما تكون الحال·
إن ما أعلنه المرشد الجديد لأمر خطير ومع أنه كان معلوما للجميع، فإن الإعلان ينبئ عن اتجاه الى أساليب جديدة في العمل السياسي السافر، وأنه من الأفضل أن يطالب الشعب والحكومة بتحديد المسائل بدلا من تركها مائعة هلامية بلا قوام ولا نظام ولا سلام·
الطليعة 14/2/2004 http://local.taleea.com/newsdetails.php?id=7051&ISSUENO=1614
|
|
|
|
|
|