لقد قرأت ما كتبه الأخ (يا زول ) نقلاً عن أخى و صديقى الشاعر الطيب برير بأن حقيبة الفن مدعاةٌ للفهلوة و الغزل الصريح و الصعلكة ...إلى آخر ما ألصق بها من إتهام . و لا أدعى معرفتى لها أكثر من غيرى و لكنى أود فقط عرض وجهة نظرى عن حقيبة الفن ذلك الفن الراقى الجميل و تحتمل الخطأ و الصواب . إن الِحقبة التى كان من إفرازاتها حقيبة الفن تعتبر من أخصب الِحقب التى مرت ليس على السودان فحسب بل على الكثير من بلاد العالم فناً و إبداعاً ، وقد أبصر النور فى تلك الحقبة العديد من أفذاذ الشعر و الفن فى شتى ضروبه من غِناء و رسم و نحت و العديد من مشاهير الكُـتـّاب و المبدعين فى كل مجال و حتى أكثر القاده و السياسيين حنكة و تمرساً فى العمل السياسى عاشوا فى تلك الحقبة من الزمان ، حيث عمّ الصِِِدق كل مرافق الحياة نتج عن ذلك إنتاجاً للوحاتٍ فنيّة خالدة و حتى للقادم من الزمان و ميلاداً لنصوص شعرية صادقة فى مشاعرها جميلة فى بيانها دقيقة فى أوزانها ، هكذا ولدت حقيبة الفن حين سادت القيم و الأخلاق و العفـّة مجتمعنا فى السودان . كان من الصعوبة بمكان رؤية من تحب إلا خلسةً أو فى مناسبة زواج لقريبٍ لها أو عائدة من بيت جارتها و حتى إظهار مشاعرك تجاه فتاة ما ليس بالأمر السهل ناهيك عن ملاقاتها أو التحدث إليها فمن هنا كانت تمنيات الشاعر الفذ ود الرضى فى رائعته ( أنا فى التمنى ديمه هديلى ساجع ) فكل وصف ورد فى هذا النص يندرج تحت باب التمنـّى فقط لاغير إلى أن يقول (دى ما بلقاها زولاً زيى أنا صيدوا ناجع ) وهى كناية عن سؤ الحظ ، أمـّا حين قال فى ( ليالى الخير جادن من المحبوب) ، بوبح جيدوا و أبصر واقل ظنّ مراقب و صدق العاقل طبق المخضوب فوق الفاقل وتـّل اليمنى و مشى متـّاقل ــــــــــــــ وفيهو تأمـّل أيسر بندى لَدِنْ المثمر و غصنو البندى مـايقوا ترقرق شهر الهندى فـّوح منـّو العرف الرندى
إن كل ما ورد فى هذة القصيدة من وصف و تأمل ووووإلى آخره كان مجرد ( حلم) إلى أن يقول
و صحيت ندمان نومى إنقـّل نحل جسـمى و قـواى كـــّل اتـنـاوم أغش لكن كــلا هيـهـات يعــود الفات ولّى
أمـّا فى رائعة أخرى و التى يقول فيها شاعرها . مالى والغزلان فى تلالن إيه ينيل قنـّاص غير علالن بعشق التايهات فى جمالن بعشق الهيباتن دلالن بعشق الأخلاق و الكمال
هذا هو حال شعراء الحقيبة و هو حال كل من عاش فى تلك الأيام فكانوا لا ينالون ( من الغزلان غير علالن ) ، و دائماً يذكـّرون الناس بأن عشقهم هو الأخلاق و الكمال . وفى رائعةٍ أخرى ،
زيدنى فى هجرانى فى هواك يا جميل العزاب ســّرانى (على عفافك دوم) سيبنى فى نيرانى
إنهم أناس ٌ تغنوا للعفة والأخلاق و الكمال كما تغنوا للجمال ، و لكن هذا لا يعنى خلو الحقيبة من بعض النصوص الوصفية و التى تصف الجماليات الجسدية للمرآة رغم إختلاف المعايير بين الأمس و اليوم فما كان مرغوباً بالأمس قد يتجنـّبه اليوم البعض .
كما قال الشاعر فى (إنتِ كـُـّلك زينة و عايمة عوم وزينة ويحفظك مولاك ) إلى ان يقول يامكفيلاً ( عيبة ) والعيبة هى قطعة كبيرة من الجلد كان المسافر يضع فيها كل مقتنياته ثم يقوم بربطها أى بلهجتنا العاميـّة تعنى (البقجة) . هذة بعضٌ من إستحساناتهم و تتفاوت وجهات النظر اليوم فى ذلك . إخوتى و أخواتى ، إنهم أناس رحلوا عنا و ما ذلنا نطرب لإنجازاتهم الفنية الرائعة الخالدة ، إنها ليست مقدّسة و ليست فوق النقد ولكن المـُقَامُ هنا يجبرك لمسلك معـّين لإنتقادهم . نسأل المولى عـّز و جل أن يرحمهم جميعاً و كل أجدادنا العظماء والذين أرسوا لنا ما جعلنا نباهى ونتغنى بكل فخرٍ ( أنا سودانى أنا )
لكم كل الود . طه حسن عبد الله
03-23-2004, 05:19 PM
اساسي
اساسي
تاريخ التسجيل: 07-20-2002
مجموع المشاركات: 16468
الاخ طه حسن تحية واحترام كنت انا من اثرت النقاش في ذلك اللقاء عن غناء الحقيبة وكان راي الاستاذ الطيب والذي اريد ان اكون منصفا في ان الاخ يازول اخذ شق منه برؤيته هو او انطباعه عن حديث الاخ الطيب فقد كان مدخل الاستاذ الطيب مختلف بعض الشئ حين ابتدأ الكلام في ان فن الحقيبة هو تميز يحسب للفن السوداني ولم يقصر في الاشادة به وكان ماخزه علي ان غناء الحقيبة ظلم كثير من ضروب الغناء الاخري في السودان لحسابه وذلك لمعاملتنا له بقدسية بحيث صار منطقة ممنوعة الاقتراب والتصوير واستشهد علي ذلك المدخل بما زكرته في بوست الاخ يازول عن مدينة امدرمان ومعاملتنا لها بقدسية مبالغة احيانا تفوت علينا كثيرا محاكمتها كمدينة متردية النواحي وقد قال كلاما كثيرا مقنعا في هذا الباب واستشهاده ببعض قصائد الحقيبة وعمل النقد فيها كان يركز علي البلاغة في نقده مع اطلاق بعض القفشات وهي ما استشهد بها الاخ يازول مما اظهرها علي انها حديثه العام بهذا الشكل تحدث عن تشبيهات تحسب سيئة في اللغة العربية ومخلة وغير منطقية لكثير من الابيات حديث المتمكن لما يملك وقد وعد الاخ الطيب بطرح وجهة نظره كاملة بعد عودته سالما بعد الاطمئنان علي صحة والده
03-23-2004, 05:37 PM
طه حسن عبدالله
طه حسن عبدالله
تاريخ التسجيل: 02-17-2004
مجموع المشاركات: 249
الاستاذ الكريم طه حسن لا اشكك ابدا في تمكنك من ناصية هذا الدرب لما قراته لك في هذا المنبر وما سمعته من افواه من يعرفوك وقدموك للمنبر ان اشقي عليك حدثي فق كنت اريد توضيح وجهة نظر الاخ الطيب برير بما سمعته عنه مباشرة كي لا تظلم وجهة نظره ولك الود والتقدير والعتبي ايضا
03-23-2004, 05:57 PM
صديق الموج
صديق الموج
تاريخ التسجيل: 03-17-2004
مجموع المشاركات: 19433
أحييك وأحيى مداخلات الزملاء أساسى وصديق الموج ومن والاهم فى هذا البوست الراقى ، وأحب أن أوضح أن الشاعر الأستاذ والصديق الطيب برير فعلا قد أشاد بالحقيبة كفن (لا يعلى عليه)
ولكن ...
ولكن كما ذكرت يا أستاذ طه ، هى ليست فوق النقد ، وما أوردته أنا فى بوست الحقيبة كان بالضبط رأى الأستاذ الطيب بعد مرحلة (ولكن) هذه ، وقد أوردته فى قالب هزلى بسيط ليستسيغه القارىء ، لأن الحقيبة (ثقيلة) على شباب هذا الزمان رغم حبهم لها (عبر الألحان) أكثر منها عبر الكلمات ،
على كل ، يسعدنى أن أزف اليكم بشرى عظيمة ، ألا وهى وبفضل الأخوة والأخوات فى هذا المنبر ، بعد فضل الله علينا فقد تمكنت من محادثة الأستاذ / عوض بابكر ، حامل راية الحقيبة فى يومنا هذا ، بعد ان استلم الخلافة من الرعيل الأول مبارك أبرهيم والفريق أبراهيم عبدالكريم ، عليهم رحمة الله ، وحدثته عن سودانيز اونلاين ومنبرها الحر وحدثته عن حديث الطيب برير ونقلت له كل المداخلات ، وكانت مكالمة مطولة استغرقت زهاء الساعة ، وسنقوم بالتنسيق مع الأستاذ بكرى أبوبكر بعمل عضوية للأستاذ عوض بابكر وسيأتيكم هو بنفسه بالخبر اليقين ، والرد على كل التساؤلات فالرجل يعتبر موسوعة فى الحقيبة كما تعلمون
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، فقد أتانى العضو المميز على عثمان بكتاب رواد شعراء الأغنية السودانية للأستاذ / مبارك المغربى وفيه توثيق جيد ودراسة مستفيضة للشعراء مثل صالح عبدالسيد (أبوصلاح) ، إبراهيم العبادى ، خليل فرح ، محمد الرضى (ود الرضى) ، عمر البنا ، سيد عبدالعزيز ، عبيد عبدالرحمن ، أحمد محمد حسين (العمرابى) ، محمد عبدالمطلب (حدباى) ، مصطفى الحاج بطران ، أحمد عبدالرحيم حامد (العمرابى) ، على المساح ، أنقل لكم منه الآن جزء يسير على أن نوافيكم بالبقية بعد استئذان أصحاب الشأن فى (حقوق الطبع) : يقول المؤلف:
ليس من العسير الرجوع الى تلك الفترة الحافلة بشعرنا القومى ودراستها دراسة متأنية مستفيضة ، فقد حفلت بشعراء أفذاذ أجادوا وأبدعوا ، ولا عجب أن يجىء اسم أبى صلاح فى مقدمة الركب حاديا مكثرا مجيدا ، ونود أن نقف قليلا على شىء مما نظم فى الدوباى ، قال مخاطبا حسناء (شلالية) من فتيات بحرى:
لو كان الغرام العندى يا ام تلال مقسوم النصف قسمة حلال من نفسى البحر يصبح جبال وتلال وعتمور أب حمد من دمعك شلال
وتلك صورة ، وبالرغم مما تحمله من المبالغة ، غنية بالوصف والإبداع ، وكانت له (مجادعة) حلوة بينه وبين صديقه على عثمان بدرى وعمر البنا ، نذكر طرفا منها:
قال بدرى: ماحت بالصدور قلبى وحشاى دوابه وزى صيدة الخلا المن الرصد هوابه وسط القامة مقسومة الضمير هوابا تتبختر أبت ما ترد على جوابه
ولنقف لحظه لنعرف معنى الكلمتين اللتين وردتا فى صورة الجناس ، الأولى (هوابه) أى خائفة ، والثانية (هوابا) أى هوى بها بمعنى أن خصر الحسناء لرقته وقع بها أو كاد.
فقال أبو صلاح: نيران الصدود لازلت أتكوابه وأنوار الخدود ليل هجرى ما ضوابه يلعب قلبى زى هبابه تتهوابه مقنية الضرا البالحله ما لوابه
لا زال صاحبنا يشكو ويكتوى بنيران الهجر ، وحسناؤه تضن عليه بومضة تنير ليله الداجى بالرغم من أن قلبه بين يديها تلعب به وهى فى خدرها لا تريم.
وقال البنا: حليفة العفة الدايمن ملازمة صوابه مستورة القناع الخايفة من توابه أصلها من نشت ما اجتازت البوابه محال تنظر خدودها وتسمع استجوابه
ولعلنا نلاحظ البساطة فى تعبير الأخير مما يؤيد رسوخ قدمى الشاعرين اللذين سبقاه فى الحلة ، أما فى أغانى الطنبور فلأبى صلاح القدح المعلى وكمثال من ذلك:
تلً روبته لضهيره تنًى بى صديره اتقلًع فتنا
والروبه هى الشعر ... وتلك صورة حسية لفتاة فى حلبة رقص.
وكلها صور حسية كانت تشاهد فى حفلات الرقص فى تلك الأيام و (ختام) هو أحد أصدقائه كما علمت ، أو لربما كان كنية عن احدى الحسناوات تماما مثل كنية الأسماء التى كانوا يرددونها بالأرقام الدالة على أول الحروف ، كما بدا فى (أربعين) وهو أول حرف فى اسم (الميم) و (ثمانين) وهو أول حرف فى اسم (الفاء) والديس مثل الروبه بمعنى الشعر ، والدرع كلمة فصيحة تعنى القميص أو الثوب.
من كل ذلك يبدو لنا أن أباصلاح - قبل أن يلجأ الى شعر الغناء الجديد فى العشرينات - كان مجيدا فى شعر الدوباى والرميات والطنبور بشكل ملحوظ.
هذا نموذج أورده لك أخى طه ، وما خفى أعظم
03-24-2004, 05:04 PM
طه حسن عبدالله
طه حسن عبدالله
تاريخ التسجيل: 02-17-2004
مجموع المشاركات: 249
لقد سعدت كثيراً بمداخلتك ، و التى بالفعل أضافت الكثير إلى معلوماتىالمتواضعة ، وأشكر لك مسعاك فى إشراك الأستاذ عوض بابكر فى هذا المنبر الشئ الذى يسعدنا كثيراً و الذى سيكون و بلا أدنى شك إضافة ثقافية تراثية لهذا المنبر بعد أن إزدان بإنضمام أستاذنا صديق الموج إليه. أستاذى الكريم ، لك من الشكر أجزله على هذا الأسلوب المهذب الجميل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة