لا تزال المراة السودانية بكل مكوناتها و اقاليمها وولاياتها و حتى درجاتها العلمية و العملية و اميتها كذلك’ لا تزال تعاني من النظرة السالبة و روح الدونية و التسلط و القهر الذي يمارس ضدها بكافة اشكاله من ختان و زواج قاصرات و اكراه على الارتباط و قوانيين مجحفة و ما الي ذلك. و تعيش نسائنا تحت نير التسلط الذكوري لدرجة خروج البنت من عبودية الاب الي ولاية الاخ و من ثم العودة كجارية للزوج و بعدها لعبودية المجتمع المكبل و المقيذ بقيود الماضي و المتمترس خلف التقاليد البالية و الاعراف المتخلفة و التي لا سند لها من نور او هدي او كتاب مبين. و قد ورد في الحديث الشريف انه صلى الله عليه و سلم قد نهى الناس فى اول الامر عن زيارة القبور, لحداثة الناس بالاسلام و الوثنية و الجاهلية و خوفا من الوقوع في الفتنة في ذلك المجتمع و الذي لو يقو على الايمان و الاسلام بعد’ و لكن و بقدرة قادر تم تصويب الامر على ايدي الفقهاء المحدثين على النساء فقط دونا على الرجال ’ و ذلك انطلاقا من ان المراة ما بشاوروها او شاورها و خالفها ’ او حتى انها لو اصبحت فاسا فلن تشج راسا و ما الي ذلك من مقولات تحقر و تمتهن كرامة المراة و التي خلقها الله في احسن تقويم’ و لكن نحن من اردنا لها ان تكون هكذا’ في واحدة من ابشع صور الظلم الانساني. فهذه الانسانة عندما يتوفى ابنها و فلذة كبدها ’ او يلتحق بالرفيق الاعلى زوجها او اباها او اخاها او امها ’ و كل عزيز او قريب لديها ’ تكتفي فقط بوداعه في المنزل او المستشفى او اي مكان اخر’ دون ان تصاحبه و تسير في جنازته الي مثواه الاخير و تراه لاخر مرة و هو يوارى الثرى و هي من عاشت معه سنينا طويلة و ذاقت معه الحياة بحلوها و مرها ’ و الان لا تعلم هل لقنوه الشهادة ام لا’ و هل احسنوا دفنه’ و هل حدثت له معجزة’ و خلافه من الهواجس و النوازع التي تصطلي نارها داخلها’ و لكن كله ممنوع بامر الرجال ’ و ليس الدين و لا الاخلاق’ اذ ( ما في نسوان بمشوا المقابر للدفن)و ( ما في حريم في الدافنة) كما يقولون. و هكذا حرمت نساء السودان من لحظات هامة لمواراة الثرى بكل ما فيها من حكم و تدبر و شعور بالوفاء و تضميد للجراح النازفة و دروس كبيرة في التواصل الاجتماعى و الصبر و التكاتف و تجمع اهل الميت كلهم ذكورهم و اناثهم لالقاء النظرة الاخيرة قبل ان يهال عليه التراب’ و هي لحظات تسمو بالنفس و ترتقي بالوجدان بعيدا عن النوازع الشيطانية التي تجتاح البعض من (ده راجل) و (دي مرة) و بالتالي نمارس التفرقة احياء و امواتا. و لقد ان الاوان لنساء بلادنا ان يعلمن ان من حقهن وداع احباءهن لاخر اللحظات’ و ان يسرن في الجنائز و يحملن العنقريب كمان يدا بيد و كتفا بكتف’و ان كنا منعناكم ’ الا الان فزوروها و احضروا دافنتها و لاتقلن هجرا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة