في البدء قبل الخوض عميقا في محتوى المقال دعوني أنقل لكم ما أحسستُ به حينما شاهدتُ كغيري من السودانيين فوز ابنتنا هديل بالجائزة الأولى لتحدي القراءة التي يرعاها سمو الشيخ محمد بن راشد، وذلك للتحفيز على القراءة والاهتمام بشكل خاص باللغة العربية. حينها غمرتني السعادة وتفجرت من قلبي فرحا بثثته لكل من حولي مُفاخرا بهذا الإنجاز الجديد باسم وطننا الحبيب، وخاصة في ظل هذا التدهور المريع في كل شيء. رغم هذا تطل علينا هديل من بعيد لتمدنا بالفرح ونحن في غمرة هذه الأحزان في بلد ما زال مكبلا بالحروب والصراعات. نعم لقد غمرتني الفرحة وانا أشاهدُ علم السودان يرفرف بين الدول العربية مرفوعا اسمه سراجا منيرا، كما سعدتُ جدا بفكرة الاهتمام بلغة الضاد وهي لغة القرآن الكريم للمسلمين، والتي تُعدُ من أعظم اللغات نسبة لبلاغتها ومفرداتها المتداخلة والعميقة. إن مجرد قراءة كتاب باللغة العربية لتكسي العظام حرارة وتملؤ القلب دفئا، ودعك من تطويع اللغة نفسها لكتابة موضوع ما أو كتاب، فهي بلا شك لغة عظيمة ومصدر فخر لمتحدثيها، ولكن بالنسبة لنا السودانيين هي لغة نتواصل عبرها لتقوية العلاقات والصلات التي بيننا أفرادا وجماعات من مختلف الاعراق واللهجات، ويوجد بيننا من لا يتقنها حتى يومنا هذا.
لذلك تساءلتُ في غمرة هذا الفرح: هل أخبرتهم هديل عن هويتها وثقافتها الأم؟ هل قالت لهم: نعم لقد فزتُ، ولكنها بالنسبة لنا لغة وليست هوية، ومع هذا نجيدها ونفخر بها.
هل أخبرتهم بهويتنا الإفريقية ومصدر لغاتها؟ هل قرأت لهم شيئا عن حضاراتنا ولغاتنا المتعددة؟ هل عرفتهم باللغة العربية من نحن؟ وكيف نتحدثُ لغات البجاوية، والنوبية، والمساليت، والفور، والزغاوة، والبرقو إلخ. هل حدثتهم عن لهجاتنا المحلية وكيف نتحدث بالعربية السودانية؟ هل عرفوا سر اختلاط المفردات السودانية والمفردات العربية الصرفة؟ وكيف كوّنت اللهجة السودانية؟ وكيف صرنا نتداولها فيما بيننا (قدر شنو يا وليد) (ومعليش فتك من دغيشا بدري) والكثير الكثير من أشعار البادية وود الرضي؟ هل حدثتهم عن عاشق إفريقيا الفيتوري، ومنفى فضيلي جماع، وأشعار إدريس جماع؟ وهل تلت عليهم درر القصيد: أعلى الجمال تغار منا ماذا علينا إذا نظرنا؟ هل روت لهم امرأة من كمبو كديس، ودومة ود حامد، وأغنية النار، وقارسيلا، وكش ملك، وشوق الدراويش، وأنفاس صليحة، وحكيم القرية، وجزيرة العوض؟
لعلكِ حاولتِ يا هديل، ولكن المحاولة مهما كان حجمها فرصة لتُخبريهم في مقبل الأيام من أنت وما هويتك؟ يظل النفاج مفتوحا لكل من وجد فرصة كهديل لتُعرّفهم من نحن!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة