لا يمكنك ان تقول لمن يعبد قردا ان قرده ليس إلها ، فأقل ما يمكن أن يفعله ردا عليك هو طعنك بسكين ذبح القرابين والتقدمات لإلهه القرد. الإنسان غالبا لا يقبل الاستماع اإلا لمن يقدم له خطابا يتماهى مع أشواقه وإلا فسينبري له الفسقة وضحلي الأفق لإطلاق الرصاص العشوائي الغاضب على وجهه. لذلك لا تغضب كثيرا عندما تستمع لمن يخبرك بأن قردك ليس إلها. فحتى هو لديه قرد يؤمن به. لم تنته الحرب الأهلية اللبناية كما كان اللبنانيون يحلمون ، لم تطمئن لبنان حتى اليوم ولم تتوقف الطائرات المقاتلة عن اختراق اجوائها. لبنان ظلت من قبل الحرب وبعدها وحتى اليوم تحت تخطف دول العالم لها حتى أصبحت دولة يتم احتجاز رئيس وزرائها لأسابيع لدى دولة أخرى ثم يعود متبسما محملا بالرسائل والتوجيهات التي تمثل خارطة طريق عمله في مواجهة الدول الأخرى التي تمتلك مليشياتها وطوائفها داخل لبنان. ليس دولا أجنبية فقط بل حتى تنظيمات صغيرة في دول أخرى. اليوم واثر نهاية كوميدية يهلل لها الجميع كما يصفق التلاميذ لطالب حل معضلة ان واحد زائد واحد يساوي اثنين. يبتهج الشعب بالحد الأدنى الذي لا يعلم حتى ما هو. وهو يتلقى مطالبه من الدول التي لديها وكلائها المزروعين في الداخل حيث يتصارعون صراع أشباح آلهة اليونان القديمة دون ان تفكر تلك الأشباح ولو لدقيقة واحدة في مصالح مخلوقاتها البشرية البائسة. هناك اليوم اربع حلقات مرتبطة بوكالة عن محاور مختلفة ذات مصالح متعارضة، حميدتي الذي لم يتجرأ حتى الآن أي طرف الطعن في تاريخه وقدراته رغم أن كل الوكلاء تتبارى في طعن بعضها البعض. حميدتي تلقى تطمينات أوروبية واسعة ، أهم سفراء ومبعوثي أوروبا استنكفوا اللقاء ببرهان ولكنهم احاطوا كالسوار بالمعصم بحميدتي. السعودية ومصر والامارات بدورها دعمت المجلس العسكري ، امريكا واسرائيل تمكنت من السيطرة على الجماهير والاعلام عبر تجمعها الوهمي ، قطر وتركيا لازالت تحاول اللعب على كرت جهاز الأمن ومغازلة بعض الأطراف الأخرى. من يحكم اليوم ليس الجيش ولا الشعب ولا الأحزاب السياسية ولا الكيزان ، إنما دول أخرى أمامها مفاوضات استخباراتية طويلة وشاقة ستنتهي حتما بتصالح على نسب متفاوتة من النفوذ وبعدها ستعلن النتيجة إما بهزيمة أطراف وانتصار طرف او بغلبة وتفوق وسيطرة لمحور ما مهيمنا على الباقين. واعتقد ان المحور الاسرائيلي الامريكي هو الأقرب للفوز. وسيكون الجيش اضعف حلقات المحاور، وغالبا ما سينتهي الأمرإلى تفكيك الجيش وإعادة هيكلته من جديد ليستوعب المتغيرات واعتقد ان القوانين التي سيتم العمل حثيثا على انجازها قبل كل شيء هي قانون القوات المسلحة وقانون الأمن الوطني. وهذا ما اشرت اليه حتى قبل ما حدث في الاسابيع الماضية. لكن في كل الاحوال فالمفاوضات ومخرجاتها لن تفضي للمساس بمصالح الشعب السوداني حيث ان الشعب اليوم يعيش داخل رقعة جغرافية لم تعد تمنحه اي مصالح ذاتية إن لم يستعن بالخارج. إن المستقبل سيكون في كل الأحوال افضل مما هو عليه الآن بشرط ان تتمكن الدول المتنافسة الآن من وضع اتفاق أفضل من سايكس بيكو. على أية حال الشعب السوداني جرب ان يعيش داخل دولة بمفهومها الحديث لستة عقود ثبت فيها أنه غير مؤهل للتعامل مع ما يختلف عن طبيعته الكلاسيكية التي تترسخ فيها القبلية على نحو واضح. ربما لن يتم تقسيم السودان جغرافيا لكنه سيخضع لتقسيم سلطوي بنسب متفاوتة بحسب قوة ونفوذ المحور المفاوض.
العنوان
الكاتب
Date
السودان تحول الى لبنان آخر والجيش الحلقة الأضعف بقلم د. أمل الكردفاني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة