يطغي في فكرنا السياسي أن الثورة التي أجمعت عليها الأمة مثل ثورة أكتوبر 1964 مثلاً "ولدة نجاح". ولا يقاربها الفشل إلا بعراك الصفوة الذي ساقها لذلك المصير. فلولا تقديم تلك الصفوة لأجندتها الضيقة على أجندة الأمة التي ثارت وانتصرت لبقيت الثورة إلى قيام الساعة. وقلت في كلمة سابقة إن مفهوم أن ثورة الأمة بخير ما لم تصطرع صفوتها فتفشل وتدمن الفشل حجب عنا مفهوم "الثورة المضادة". ومفاد المفهوم أن الأمة تجمع على الثورة وتفترق متى نجحت. فمنها من يريد مواصلة برنامجاً ثورياً ومنها من يجنح للمحافظة ويكتفي بالتغيير الذي وقع.
كانت ثورة أكتوبر موضع اجماع شعبي حتى انتصرت. ثم نشأ خلاف بين من يريدون لجبهة الهيئات، أركان حرب الثورة، وحكومتها مزيداً من الوقت لإنجاز مهام المرحلة الانتقالية قبل الانتخابات المتفق على تاريخها، وبين من أرادوا لا الانتخابات فحسب بل التعجيل بها. فقد أزعجتهم حكومة للثورة لم تطرأ من قبل سادت فيها قوى المدينة الحديثة بينما كان نصيبهم فيها، وهم النادي السياسي التاريخي، الفتات. وأصروا على قيام الانتخابات في موعدها برغم رأي لجنة الانتخابات بأنها ستكون جزئية لأن ثلث دوائر الجنوب لن تقترع بسبب الحرب. وضاقوا حتى أنهم لم يصبروا على الحكومة لتستنفد أجلها المقرر في نحو يونيو 1965 فحشدوا جمهرة الريف، وحاصروا الحكومة مما اضطر رئيس الوزراء للاستقالة في 18 فبراير 1956. وحلوا بذلك حكومة الثورة الأولى وجاؤوا بحكومة كانت لهم فيها الغلبة.
وعليه لم يكن الصراع بعد ثورة أكتوبر بين صفوة غلبت أجندتها على أجندة الأمة الت يعتقد أهل نظرية الصفوة وفشلها وإدمانها أنها براء من "لغاويس" الصفوة. فالأمة نفسها مصطرعة حول أي الطرق تسلك الثورة بعد نجاحها. أرادت القوى الحديثة أن تؤمن الأراضي التي اكتسبتها بالثورة قبل أن تقع الانتخابات ويأتي برلمان يمكن للنادي السياسي التقليدي. كان صراعاً بين الثورة والثورة المضادة: بين من أرادوا التمكين للقوى الحديثة التي صنعت أكتوبر وبين القوى التقليدية التي تعرف أن غزارتها السكانية ستمكنها من الحكومة بواسطة برلمان تقليدي. وهو برلمان تكرر لا يأخذ بعين الاعتبار أنه هو نفسه جاء بفضل القوى الحديثة ونضالها للإطاحة بالديكتاتورية. وهذا الوضع بحذافيره نشأ بعد ثورة 1985. وأرى مخائله بدت وثورة ديسمبر ما تزال في مخاضها العنيف.
وسنعرض في كلمة أخرى لكيف حاولت القوى الثورية في أكتوبر وأبريل تأمين تمثيل مناسب للقوى الحديثة مثلما فعلنا بدوائر الخريجين. فقد تكرر قيام برلمانات منبتة عن القوى الحديثة سرعان ما تطم بطن تلك القوى منها، وتتمنى الانقلاب فراراً من برلمان "ريفي الخاطرة" ، وتتطلع للمنقلب، وتلقاه. وعليه فالصراع الذي ينشأ بعد نجاح ثوراتنا ليس ترفاً صفوياً منبتاً عن مشاغل الأمة. خلافاً لذلك فهو صراع الأمة منقسمة على نفسها بين ثورة وثورة مضادة حول مصائر البلد.
قلت في كلمة مضت إن الفهم الأفضل للإنقاذ هو أنها أعلى مراحل الثورة المضادة مما شهدناه بعد ثورتي أكتوبر وإبريل. وعليه فهي ذات نسب وثيق في تاريخنا وثقافتنا لم تقع لنا من حالق أو تستوردها لنا مردة من البشر الكيزان. وأوجز أدناه صفة الثورة المضادة ودعائمها التي قامت عليها متى قامت:
1-الدولة الدينية التي تربط "قيم السماء بقيم الأرض" في عبارة كافرة للإنقاذيين،
2-العداء للديمقراطية،
3-هضم مواطنة المرأة والآخر المختلف لغة وعرقاً،
4-تبني خطة التنمية الرأسمالية.
وسنوالي استعراض هذه الملامح من بروفايل الثورة المضادة.
العنوان
الكاتب
Date
الثورة المضادة: نفس الملامح والشبه بقلم عبد الله علي إبراهيم
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة