أكثر ما كان وما زال يخيفني في (غياهب) حكومة المؤتمر الوطني ودهاليزها المظلمة فيما نسمعه عن خفاياها المُغطاة بالشعارات والهتاف المُزيَّف ، ذاك الصمت المُطبق الذي يصيب مسئوليها ونافذيها وصومهم عن التصريح عندما يقع أمرٌ جلل تهتز له أركان العواطف الثائرة وتخرُ أمامه قداسة الإنسانية ومسوغات تبجيل الوطن والقيِّم والمباديئ التي لا يختلف حولها عامة البشر ، ولأنهم يحبون بل يعشقون التصريحات والإلتفاف حول الهتافات المهرجانية التي إستمرت تمجِّدهم وتروِّج لترُهاتهم وأوهامهم التي عاشوها وحدهم حتى صدقوها ، أخاف حين يصمتون ولا يهتمون ولا يلقون بالاً وهم في علمٍ اليقين بفداحةِ المسكوت عنه ، أما تصريح قائد شرطة كسلا الذي أعقب إعلان إستشهاد الأستاذ / أحمد الخير ، رحمه الله وغفر له وجعل مقامه الفردوس الأعلى ، ورغم ما شابهُ وما قيل حوله من ملاحظات عامة وأخرى (عميقة) أدلى بها متخصِّصون وزملاء مهنة سابقون في الشرطة ، كانت وبلا جدال ضمن (الإخراج) الحتمي لفعالية الخروج من الأزمة بأقل قدر ممكن من الخسائر وهي بالتأكيد (تكتيك متواضع الرؤية) ومؤقت يساعد على تجاوز مرحلة (الصدمة الأولى) وتقبُّل ذوي الشهيد والمجتمع القريب من حوله للخبر الفاجعة ، ثم بعد ذلك إنهالت الأخبار والتفاصيل والحكايا ، والتي ومن باب الموضوعية نعترف أنها إحتوت الحقائق والشائعات معاً ، لأنها لم تكن تصدر من جهة رسمية ، ووسائط التواصل الإلكتروني ليست منزَّهة من النقائص والعيوب التي تُغلِّف أكثر أخبارها ، في مثل هذا الظرف وهذا الحدث الجلل وتلك الملابسات كان على الحكومة (إن كانت راشدة كما تدعي) وعلى مستوى قياداتها أن تنبري للناس وتعلِّق على الموضوع ، ولو أدى هذا التعليق إلى إعترافها بالجرم والتقصير ، ما الذي يضير حكومةً يغلي شعبها ضدها في الشوارع مهما بلغت أعداد الذين يؤمَّون المظاهرات في أن تعترف لمرةٍ واحدة بأن ليس كل ما تقوم به قواتها الأمنية في الشوارع أو في المعتقلات قانونياً وأخلاقياً وينتمي إلى قيَّم العدالة والإنصاف والإنسانية ، لو كنت مسئولاً في هذه الحكومة العرجاء (حمانا الله) لأعتبرتُ كل مجنَّد في جهة أمنية مهما كانت رتبته يقومُ بتعذيبٍ أو قتل مُتهماً و(مُندس) ومُنتمياً لثورة الشباب المقدسة ، كيف يقبلون أن تُشير الأجهزة الأمنية للنظام إلى سوءة سمعتهم في مجال إحترام القانون والإنسانية والدين والأخلاق ، عندما يكون عنوان القضية التي تشغل الرأي العام هو (المعلم) بكل ما تحتوي هذه الكلمة من قداسة في مجتمعنا ودواخلنا ، وبكل ما تشير إليه مكانة التعليم والمعلم وعُلو مقامه عند الإنسان السوداني بكافة مقاماته الإدراكية ومكوِّناته الثقافية ، لا بد أن يتغيَّر الإسلوب وتتبدَّل أسس المنطق الحكومي في تناول المشكلة ، أن يموت معلم في المعتقل وبغض النظر عن الطريقة والأسباب التي أدت إلى إستشهاده ، لهو أمرٌ جلل يستوجب تصريحاً وتوضيحاً وإنكاراً (مبدئياً) ولو على غياهب الباطل كما عودونا ، وذلك قبل الإسترسال في حديثٍ عن التحقيق والبحث والتحري والحساب العسير والمحاكمة ، اللهم إنا فوّضنا أمرنا إليك فكُن لنا وكيلاً أنت خيرُ الحافظين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة