بعد اغتصاب وتعذيب المعلم أحمد الخير عوض الكريم حتى الموت. وبعد قتل العشرات من المتظاهرين حان الوقت للحديث الواضح: البشير لا يريد الشعب والشعب لا يريد البشير اذن فلنطبق قوله تعالى (فإمساك بمعروف أو تسريح باحسان)..
فلنتفاوض مع البشير على فتح باب الهجرة بالبر والجو والبحر أمام الشعب ليغادر. وهكذا يحكم البشير نفسه. يصبح كمساري يوما ويصبح مزارعا في اليوم التالي وسباكا في اليوم التالي ثم يمكنه أن يمثل دور الشعب أيضا ويهتف:(تسقط بس) ثم يمثل دور القناصة ويطلق رصاصة وهمية على الشعب. هل تعتقدون أن هذه مزحة؟ هذا صحيح رغم أننا لسنا في وقت مزاح...لكن ألم يفعلها شعب الهندوراس؟ لقد غادر الشعب كله وترك الرئيس مثل القرد جالسا على عرش دولة بلا شعب. أمريكا التي ناصرت الانظمة القمعية هذه ودعمتها تارة بالمال واخرى بالصمت أغلقت حدودها أمام المهاجرين من العالم المضطهد. واليوم يصمت المجتمع الدولي وهو يرى كل ما يحدث صمتا مريبا لا تفسير له سوى الابقاء على النظام لغرض لا يعلمه الا امريكا ومن تحرك خيوطهم. كل شيء واضح فقد دخلت التظاهرات شهرها التالي ولم نسمع صرخات مجلس الامن ولا هيومان رايتس ووتش ولا وزيرة الخارجية الامريكية ولا المجلس الاوروبي لحقوق الانسان. الا يبدو هذا مريبا .. الا يبدو شديد المفارقة تلك الزوبعة التي ثارت حول مقتل رجل واحد في السفارة السعودية بتركيا ومقتل عشرات بل مئات بالسودان. الجزيرة التي تحولت الى الجزيرة خاشقجي والسي ان ان والبي بي سي ...الخ... أين هم؟ مجلس الأمن الذي يدوخنا بالحديث عن حقوق الانسان، أين هو ؟ أوروبا التي قدت طبلة آذاننا بمناهضة الدكتاتورية اين هي؟ الشعب يخرج .. وينافح الظلم.. لكن لابد من التفكير مليا في ادوات منافحتنا للظلم...وأن نقرأ الواقع بحصافة لنحدد خطواتنا القادمة. كيف السبيل الى تطوير مقاومة النظام... قبل يومين حاول مجموعة من المحامين التجمع للدفاع عن المعتقلين ، ولكنهم هم انفسهم تم اعتقالهم. هل هذا قانوني أم مخالف للقانون؟ وهل هناك قانون أساسا في هذا البلد؟ هل هناك دستور؟ هل هناك مؤسسات عدلية؟ طيب على أي أساسا ستدافع عن المعتقلين؟ ألم يكن ذلك سؤالا جديرا بالطرح قبل القيام بالتجمع؟ نعم نستطيع ان نفتح صدورنا للموت ولكن لابد ان يكون لذلك مقابل مواز حتى لا تضيع التضحيات هباء منثورا فنحن في لحظة نحتاج فيها العقل والقلب معا... فبدلا عن مخاطبة النيابة والقضاء والشرطة عن شيء تم أساسا تحت سمعهم وبصرهم..خاطب المؤسسات العدلية الدولية..خاطبها بلغتها..اكتب شكاوى مفصلة وترجمها بعدة لغات وارسلها. ابحث عن المنظمات الحقوقية الدولية وخاطبها. ابحث عن السفارات وخاطبها. لكن كيف ستخاطب ادوات الحكومة لتشتكي الحكومة؟ ألا يبدو ذلك متسما ببعض البله؟ زمان عندما صدر النظام انتخابات نقابة المحامين وانبرى تجمع الدموقراطيين مدافعا عن ضرورة المشاركة في الانتخابات ، وعندما رفضت ورفض الكثيرون المشاركة في تلك المسرحية الهزلية ؛ أصرت قيادات الدموقراطيين على المشاركة... ضخت في اعلامها أحلاما كاذبة وآمالا عراضا ، وكنت اراقب بهدوء النتيجة التي تعلمها (الغنماية البياكلو عشاها) ، وقد حدث ذلك وحدثت الصدمة لمن يسعى خلف هواه سرابا وسربا معطلا عقله مندفعا وراء توهماته التي خلقها بنفسه. وانتهت المسرحية باحتفالات صاخبة للنظام بنتيجة الانتخابات واصبح كل حديث يتلوه وصف النقابة بالمنتخبة تعزيزا لشرعيتها. إنني لم أجد شيئا يخافه هذا الشعب مثل الخوف من الحقيقة. فحتى الموت أقل إخافة له من أن يسمع صوت الحقيقة. حقيقة أنك مخطئ وأنك تسير في الاتجاه الخاطي وأنك تتعامل برد الفعل وليس الفعل. وأنك منقاد كقطيع البهائم بلا ارادة يحركها وعي متزن. منذ أكثر من سنة ونصف كتبت عما سيحدث اليوم بالتفصيل ، وعن ما سنصل اليه من حالة انسداد بائس جدا. وقبلها بعشرات السنين كتبت عن خطأ الخطاب السياسي لحملة السلاح فلم يستبينوا النصح إلا ضحى اليوم. وكتبت عن خطأ النزع غير الدستوري لجنسية الجنوبيين ، وكتبت خلاف ذلك الكثير. فلا النظام فتح عينه ولا حتى المعارضة رغبت في سماع ورؤية شيء خلاف ما تريد سماعه ورؤيته. واليوم نكتب ونكتب ونكتب ..وغدا تتجسد حروفنا واقعا ، فلا يستبينوا النصح أبدا لا اليوم ولا ضحى الغد ولا بعده لأنهم سينشغلون بالكارثة. دعاني البعض لاتباع القطيع. فهل انا بهيمة الانعام؟ وان كنت اتبع القطيع فلماذا لا اتبع قطيع المتأسلمين والنظام أليس هذا أجدى لي نفعا؟ .. واذا لم يجز لابراهيم عليه السلام أن يسأل (أرني كيف تحيي الموتى) في النهايات فلماذا يجب عليه أن يسأل عن حقيقة أصنام آبائه في البدايات؟ وإذا كنا نغض الطرف عن ما بين أيدينا فلم لا نغض الطرف ذاته عما خلفنا؟ وإذا كنا نتجاوز عن الخطأ الآن فلم ليس من حقنا تجاوزه سابقا. فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون قولا.
العنوان
الكاتب
Date
رأس الشعب ورأس النظام ... واستمرار البله بقلم د.أمل الكردفاني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة