محاولات حكومة المؤتمر الوطني المُستميتة لـ (تقزيم) أهداف الثورة الشارعية التي باتت واقعاً لا فِكاك منه في مجرد تزمر الشعب السوداني من الواقع الإقتصادي ، بل تحديد دائرة التقزيم في أزمات الخبز والجازولين والسيولة ، هو بمثابة حال النعامة التي تدفن رأسها في الرمال ، فالذين كانوا يروِّجون بالأمس لفصل الأحوال المعيشية العامة في حياة المواطنين عن مآلات التوجهات السياسية للحكومة ، كانوا يأملون أن يغيب عن وعي الناس أن (شمولية) النظام السياسي وإستئثاره بالحكم دون منافس هو آلة كُبرى لإرساء إنعدام العدالة في توزيع الثروات وإنعدام المساواة أمام القانون واللوائح والنظم ، وغياب النزاهة في تولي الوظائف والمهام والحصول على المنافع الإقتصادية العامة والخاصة عبر الفساد والمحسوبية والتزلُف والإئتلاف ضد حق الشعب والدولة ، غير أن الشباب السوداني المتوَّج بروح الوعي وبُعد النظر في رؤيته الثاقبة ، خيَّب آمالهم بثورته على الواقع (كاملاً) غير منقوص ، وكيف يستوي إرساء الرفاه الإقتصادي وديمومة التنمية وإنبساط دِعة العيش في ربوع الوطن والآلاف من أبنائه وبناته يعانون التشرد المادي والنفسي والمهني والفكري والثقافي داخل بيتهم الكبير المُسمى وطن ، كيف يمكن للحلول والمعالجات التي يدعيها رئيس الوزراء أن تؤتي أُكلها في زنزانة الفساد الذي لا يُبقي ولا يذر ، أو في دوامة غياب المحاسبة والمساءلة عن حقوق الوطن والمواطن أو في غياب خيرة أبناء السودان في المنافي يُعمِّرون في بلادٍ ليست لهم ، ثم بات المسئولون لا يرون في مناصبهم غير المكاسب الشخصية ، تحميهم في إتجاهاتهم هذه معاول التمكين الآثمة ، وتجاهل عين القانون وغفلتها بإسم المحاباة التنظيمية حتى سمعنا ورأينا في بلادنا قادةً من قواد حكومة المؤتمر الوطني يتحلَّلون من بعض ما أقترفت أيديهم في حقوق الناس والوطن نهاراً جهاراً وما من وجيع ، لا تستوي كل النظريات التي تبحث عن حلول (فرعية) إن لم يُقتلع جذع الباطل من جذوره ، فالقضية يا سادتي لم تعد خبزاً ولا جازولين ولا حتى سيولة نقدية ، القضية أصبحت قضية الإنفكاك من النظرية وتطبيقها بإسم العدالة والسلام والحرية والتنمية المستدامة ، هكذا يجب أن ينظر منسوبي حكومة المؤتمر الوطني إلى ما يواجهونه اليوم مع شباب الشارع السوداني الذي أبهر العالم بقدرته الفائقة على إستذكار الماضي وقيادة الحاضر وتخطيط المستقبل ، فعل ذلك رغماً عن كل الأدوات القمعية والتخطيطية والتغفيلية التي كانوا يأملون أن تصنع منهم جيلاً غير قادر على دخول دائرة الوعي الديموقراطي وغير آبهٍ بمستقبل الوطن ، ولا يعرف شيئاً عن مآلات مستقبله ولا مستقبل بلاده ، أبهرونا هؤلاء الشباب قولاً وعملاً وجعلونا نشعر بالحياء والندم كلما تذكرنا كيف كنا ننظر إليهم من خلال (شكلياتهم) ونتغافل جهلاً وظلماً عن مضامينهم ، حقَّق الله آمالهم وأيَّدهم بنصرٍ مُبين .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة