(قال ألم نربك فينا وليدا.. ولبثت فينا من عمرك سنين..) سورة الشعراء آية 18.
فرعون يواجه سيدنا موسى بمنطق سياسي اجتماعي (sociopolitical).. بحساب أنه وصل إلى القصر الرئاسي لقيطاً من عرض البحر، وبشفاعة زوجة الفرعون استثني من قرار تصفية جميع المواليد (وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا….).. استفاد من عفو رئاسي محدود ومشفوع، بل وأضيف إلى العائلة المالكة اجتماعياً ووفرت له رعاية ملكية.
لكن الاتصال الطبقي الملكي اقتصر فقط على الرعاية لا على التربية، فقد قدر الله أنّ الأزمة السياسية الناشئة من قرار تصفية المواليد أنضبت معين الأمهات المُرضعات.. وبعد جُهدٍ لم يكن مُتاحاً للقصر الملكي إلا العثور على أمه الحقيقيّة – دُون أن يعلموا بذلك – لإرضاعه.. ليس فقط الحليب بل (أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون).. كلفت أمه بتغذيته ثم الإشراف على تنشئته.
السنوات التي قضاها سيدنا موسى في القصر الرئاسي كان يفترض أن تجعله وريثاً للحكم بالتبني (أو نتخذه ولدا).. ألم يكن مُمكناً له الصبر قليلاً حتى يرث الحكم ثم يبتدر حزمة الإصلاح التي من أجلها أُرسل؟
إذا قدر الله أن تسير قصة سيدنا موسى بهذا المسار.. توريث الحكم ثُمّ استصدار التشريعات الإصلاحية من بلاط القصر الملكي، فإنّ مجمل الرسالة الموسوية تنهار تماماً.. لأنها تتحوّل من تسلسل المواجهة السياسية بين الحق والباطل إلى فرض الوصاية الديكتاتورية لإنفاذ الإرادة والإصلاح قهراً بحد السيف وسُلطة الحكم السياسي.
كان فرعون يُحاول أن يُقرِّر المسار الذي يراه لفكر سيدنا موسى.. فأخرج فاتورة الحساب (الاجتماعي السياسي).. فاتورة السنوات التي قَضَاهَا موسى في البلاط الملكي والتي تحتم عليه تمام الولاء وممارسة أي إصلاح فكري أو سياسي من موقعه في البلاط لا خارجه.. وهي النظرية التي كان يؤمن بها فرعون وجهر بها في وجه السحرة لما آمنوا لموسى بعد نصره المبين عليهم في الميدان.. قال فرعون للسحرة: (آمنتم له قبل أن آذَنَ لكم..) لم يعترض فرعون على مبدأ الإيمان.. لكنه اعترض على أن لا يكون التحول الفكري أو الديني السياسي بلا قرار ملكي.. من خارج سلطة القصر.. فهو لا يزال على رأيه الأول الذي قاله لموسى إن تسلسل الإصلاح والارتقاء الديني يجب أن يكون من داخل القصر لا خارجه.. فلا حاجة لرسول أو نبي بل ملك قديس.. شرعية الفرعون السِّياسيَّة والدينيَّة في مُواجهة شرعية النبوة المُلهمة.
كان فرعون مغتاظاً ليس من هزيمة السحرة الذين استجلبهم في مُواجهة موسى، بل هزيمة السلطة السياسية بكل قُوتها في مُواجهة فكرة إصلاحية لا يسندها إلا فئة قليلة عديمة السلطة السياسية، فطلب من الناطق الرسمي باسم المملكة أن يصدر بياناً يقول فيه (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين…… إن هؤلاء لشرذمة قليلون.. وانهم لنا لغائظون).
كان إعلاناً للطوارئ في مُواجهة سيدنا موسى ومن معه، ثُمّ بدأت المُواجهة غير المُتكافئة.. فرعون بكامل جيوشه العسكرية.. وموسى ومن معه..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة