صحيفة حريات و قضايا التغيير بقلم عادل إسماعيل

صحيفة حريات و قضايا التغيير بقلم عادل إسماعيل


05-03-2018, 03:25 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1525357541&rn=0


Post: #1
Title: صحيفة حريات و قضايا التغيير بقلم عادل إسماعيل
Author: عادل إسماعيل
Date: 05-03-2018, 03:25 PM

03:25 PM May, 03 2018

سودانيز اون لاين
عادل إسماعيل-
مكتبتى
رابط مختصر



كانت صحيفة حريات الالكترونية مخلصة في توجهاتها ، و بجانب ذلك كانت حريصة حرصا شديدا على أن تكون مستقلة و محترمة في طرحها . كما كانت دقيقة في أخبارها و لا تنشرها إلا بعد الاستيثاق منها من عدة مصادر ، مما أكسبها مصداقية كبيرة عند قرائها . و أيضا فتحت صحيفة حريات الباب واسعا على مصراعيه للعديد من وجهات النظر المتباينة حول قضايا التغيير في السودان . فبالرغم من أنها تبنت بوضوح دعم الانتفاضة الشعبية للإطاحة بنظام الحزب الواحد الفاسد في السودان لصالح قيام دولة الوطن الواحد الذي يتساوى فيه أبناؤه ، إلا أنها كانت كانت ترحب بكل أفكار التغيير التي لا تتبني بالضرورة إنجاز عملية التغيير عبر الانتفاضة . أعني تلك المقالات التي أكتبها أنا عن ضرورة إنجاز عملية التغيير عبر الانتخابات ، و أدفع بها إليهم ، و كانوا ينشرونها على الفور ، و كذلك تلك التي أصبح يكتبها كتاب آخرون من الذين آمنوا لاحقا بالانتخابات آلية للتغيير ، مما أدخل في نفسي السرور .
أيضا ، أفدت كثيرا من صحيفة حريات لحرصها الدؤوب و عملها المهني الكبير لمتابعة ما يلي السودان فيما يرد من أخبار و تقارير و سيمنارات عالمية ، و هو ما تفردت به صحيفة حريات تفردا جميلا من بين كل الصحف الالكترونية و الورقية ، و ذلك لغزارة و أهمية مادتها و حسن انتقائيتها . و هو جانب بالغ الأهمية لجهة استكمال الصورة السياسية و الاجتماعية للسودان في عيون العالم ، و العالم في عيون السودان . و هو أمر مفيد خصوصا لمن هم دون الأربعين ، ليرون وضع وطنهم من العالم من حولهم ، ليقدح فيهم مزيدا من الطموح و السعى ليساهموا في صناعة دولة ينتمون إليها و يستطيعون الدفاع عنها . كما إنها تفردت بمتابعة العديد من تيارات الثقافة و السياسة في المنطقة و العالم . و كان ذلك توسعة لرسالتها التغييرية . كما كانت مخلصة في توثيق ملفات الفساد في السودان الذي تحميه السلطة التنفيذية بالشكل الذي لا تستغني عنه أي حكومة قادمة في السودان ، للانطلاق منه و البناء عليه ، لتوجيه التهم بالأدلة الدامغة لسوء استخدامهم للثروة و السلطة . و هذا عمل له أهمية قانونية و سياسية يحمدون عليه .
مرت علاقتي بصحيفة حريات ببعض التوتر بالنسبة لي . لا أدري إن كان مهما أن أحكيه . و في حقيقة الأمر ، عندما شرعت في كتابة هذا المقال ، رغبت و ما زلت أرغب في إبداء التعاطف مع صحيفة حريات لما قدمته لي و لغيري من خدمات صحفية كبيرة ، فقد كانت صحيفة حريات حريصة على تقديم الرابط الالكتروني لمصادر معلوماتها ، فتوفر لي زمنا ثمينا للبحث عن هذه المصادر ، فأدخل الرابط مباشرة لأستزيد منه ما يهمني منه . شكرا لصحيفة حريات و لطاقمها المخلص .
كان سبب التوتر أن دفعت إليهم ، كعادتي عندما أكتب ، بمقال حمل عنوان "الدكتور حيدر إبراهيم علي و الشخصية السودانية" ، و هو عبارة عن تعقيب على أحد مقالات الدكتور الفاضل ، و كنت غاضبا فيه غضبا شديدا على الدكتور الفاضل لما جاء في مقاله من استخفاف بنفسه و بالشعب السوداني . فلم تنشر صحيفة حريات مقالي ، بالرغم من أن مواقع أخرى قد نشرته . فقررت ألا أنشر فيها مرة أخرى ، بل قاطعت قراءتها بالمرة ، لما رأيته من سوء تقدير حينها . و أكتفيت بأن تنشر مقالاتي ، كعهدها ، صحيفة الأيام الورقية و صحيفة سودانايل و الراكوبة و سودانيزاونلاين الالكترونية و لاحقا صحيفة الحوش الالكترونية .
بيد أني فوجئت بصحيفة حريات و هي تنشر لي مقالا لم أدفع به إليها ، حمل عنوان "العلمانية تضاد الحتمية وليست تضاد الدين" . وبالرغم من ذلك ، فقد سرني ذلك . و لم أتساءل إن كانت صحيفة حريات تنشر ما يروق لها و يقترب من مفاهيمها . و قلت في نفسي لعل بعض المقالات تسبب لها حرجا ، أو لعل تقديرها لبعض الشخصيات التي نحترمها ، يجعلها حساسة أكثر من اللازم لجهة انتقادهم . و لعل ذلك مألوفا في الثقافة السودانية لبعض مسئولي الصحف . و أذكر في هذا الصدد ، أن إحدى الصحف المحترمة التي كانت تنادي بقيام دولة محترمة في السودان ، قد نشرت كاريكاتيرا لإحد السياسيين تنتقده فيه انتقادا لاذعا ، فكان أن عاجل إداريو تلك الصحيفة بالاعتذار عن ذلك الكاريكاتير ، و أضافوا أن ذلك السياسي المعني يحظى عندهم بالاحترام . و كان ذلك قبل انفصال جنوب السودان .
صرحت صحيفة حريات في كلمتها الأخيرة ، لقرائها و كتابها ، عن أن أزمة مالية خانقة كانت السبب وراء قرارها بالتوقف عن الصدور ، كما ألمحت في كلمتها الأخيرة هذه إلى أنها آثرت التوقف عن الصدور حفاظا على استقلاليتها ، مما يشي أن جهات يمكن لها أن تدعمها ماليا مقابل التنازل عن بعض استقلاليتها ، و هو ما رفضه إداريو صحيفة حريات .
لو كان ذلك صحيحا ، فعلى صحيفة حريات كشف تلك الجهات المبتزة لنلعنها أجمعين . و لو كان ذلك مجرد مبالغة في الحذر للحفاظ على استقلالية الصحيفة ، فلتستشر الصحيفة قراءها و كتابها ، و تطرح عليهم الشروط المحتملة للجهات التي تنتوي دعم الصحيفة ، و من ثم تستقوى بآراء قرائها و كتابها ، فلربما عندما تعرف الجهات الداعمة المحتملة أن صحيفة حريات لها قاعدة متنوعة و عريضة من القراء و الكتاب ، ربما تحسن شروطها و تري أنهم شركاء في ترتيب أمور المنطقة بما يكتبون و ينشرون من تنظير يصب في اتجاه إرساء دعائم السلام المحلي و الإقليمي و الدولي . فليس هناك إملاءات و لا يحزنون إنما هي مصالح مشروعة و محمودة لمصلحة تحقيق التغيير المفضي للسلام الذي فيه خير المنطقة و العالم . و بعد ذلك لو أصر المانحون المحتملون علي جر الصحيفة لأهداف لا نرى وجاهتها لأي أسباب وجيهة ، نقول لهم بصوت واضح: إذهبوا للجحيم ، و ربما نردفها بعبارة شائعة يطلقها الفرنجة في وجه من يرغبون قطع العلاقة معه إلى الأبد .
أحب ، في هذا السياق ، أن أشير إلى أن الجهات الدولية المانحة تعلمت من تجربتها في دعم حركات التغيير أن التغيير لا يتم إلا بعمل يلامس تحريك الجماهير و تلقيح وعيها على أرض الواقع ، و أن تكون هذه الجماهير شريكة في صناعة هذا التحريك و هذا الوعي . و ذلك لأسباب عديدة يضيق المجال هنا لذكرها . ولعل هذا ما يصب في اتجاه افتراع وإنجاز عملية التغيير عبر الانتخابات على المدى الطويل باعتبارها الطريقة الوحيدة التي تحرك الجماهير و تلقح وعيها ، كما تتلقح هي بمشاعر و أفكار الجماهير بما يضمن استمرار مشروع التغيير لأنه ، ببساطة ، يكون تجسيدا لأنفاسها و ترجمة لأفكارها ، فلن تكون بعده مضطرة للتنفس و التفكير خارجه لأنها هو ، كما إنه هي .
في ما يلي السودان و حركة التغيير فيه ، فقد دعمت مؤسسات المجتمع الدولي ومرا كز بحوثة المعارضة السودانية ، لأنها في واقع الأمر تطرح فكرة الديموقراطية والتعايش و التداول السلمي للسلطة بديلا لدولة الحزب الواحد التي أحبت أن تفوق العلم أجمع بتهميش و إفناء الآخرين المختلفين . و في حقيقة الأمر ، ما تزال أحزاب المعارضة السودانية ، بكامل أطيافها تطرح هذه الأفكار الصحيحة صحة كاملة و النبيلة نبلا كاملا . بيد أنها لا تعرف السبيل لتحقيق ذلك . فعلى سبيل المثال ، حاصر المجتمع الدولي نظام الحكم في السودان ، و هنظبه بسلاح اتفاقية نيفاشا عام 2005 ، فرفع نظام الحكم في الخرطوم يديه عاليا و ظهره على الحائط . فسلخت تلك الاتفاقية ، من بدنه ، 48% من الثروة و السلطة التي كان يمتلكها نظام الحكم في الخرطوم بقيادة حزب المؤتمر الوطني ، قسمت بنسب معلومة . و تطلع المجتمع الدولي ، و من قبله الشعب السوداني ، أن تملأ أحراب المعارضة و معها المجتمع المدني ، المنحاز لقضايا التغيير ، ذلك الفضاء السياسي الذي أنتزعتة الاتفاقية من كبد المؤتمر الوطني ، و من ثم تزحف في منطقته لتسلخ المزيد من فضائه السياسي لصالح تصحيح نتوءات المتصل السياسي الاجماعي التي أعترت قيام دولة يتساوى فيها أبناؤها . و الفضاء السياسي هو المجال الذي تستطيع أن تتحرك فيه الرؤى السياسية وسط جماهير محتملين لدعمها ، تغذيهم و يغذونها ليتبلور بهم و معهم مشروع التغيير ، وحينها يكون هو مشروعهم صاغوه بمشاعرهم و أفكارهم ، و من ثم ، ما على قادة التغيير سوى ترتيب الأولويات لتنسجم مع الصورة الكبيرة لتشذيب نتوءات المتصل السياسي الاجتماعي . و بدلا عن أن يتم ذلك ، قام حزب المؤتمر الوطني بنهش الفضاء السياسي للمعارضة التي عجزت عن تعبئته ، فنهشت منه ما شاء لها النهش و ما شاءت له سذاجة المعارضة و كسلها الذهني . وحتى الحركة الشعبية ، ركيزة التغيير ، في تلك الفترة ، و بعد أن أفل نجمها في جبال الأماتونق ، غاصت في كراسي السلطة الوثيرة لا تحرك ساكنا . فما أن هبت لتحتج على وضع يصب في صالح التغيير ، حتى حاصرها المؤتمر الوطني داخل الغرف المغلقة ، ينفرد بها بعيدا عن عيون الجماهير الذين تركتهم يهيمون في عراء الخوف و الرجاء ، فتعود مشتاقة إلي كراسيها الوثيرة ، تمسح من على جبينها وعثاء النضال . و لسخرية القدر ، تنكرت لمبادئها التي صاغتها بكلتا يديها و أحدتث بها هزة في نخاع الفكر السياسي الكلاسيكي في السودان ، فسحبت مرشحها الرئاسي لانتخابات 2010 ، و أرتضت أن تكون بقايا سياسية متعفة ، أتلفت تربة الجنوب و هواءه و سممت واجدان أهله و هردت أحشاءنا .
و جاءت انتخابات 2015 في نفس المناخ الذي شهد المزيد من البعاد بين الشعب السوداني و الأحزاب المعارضة بما يشمل منظمات المجتمع المدني التي تدعم خط التغيير . و تمطى الوعي الجماهيري خارج الوعاء الحربي كم شرحنا ذلك في مقالات عدة ، تكرمت صحيفة حريات و غيرها بنشرها ، آخرها حمل عنوان "صلاح شعيب ، لماذا تريد لنا هذا " . و في عام الانتخابات ذلك في 2015 ، برز نجم الاستاذ إبراهيم الشيخ عن حزب المؤتمر السوداني بعد تدخل الاتحاد الأروبي لإطلاق سراحه ، إذ أنه اعتقل لانتقاده لمليشيا الدعم السريع . فكان بارقة أمل لتدشين عملية التغيير في الانتخابات ، و كنت كتبت مقالا دعما له حمل عنوان "تقدم أنت و سيتبعك الآخرون" ، ولكن إبراهيم الشيخ أضاع اللحظة التاريخية إذعانا لصوت مكتبه السياسي . و للإمانة ، كان إبراهيم الشيخ يرغب في دخول الانتخابات ، فهو كان يشعر بوهج اللحظة السياسية التي أدرك أن عليه إمساكها ، و هو تقدير صحيح تماما . ( عرفت منه ذلك عندما ألتقينا لاحقاعلى غير موعد ) .
و شاءت الأقدار أن ينبري لقضايا التغيير من أدركها إدراكا محكما ، و سبق الآخرين في الإيمان بالانتخابات وسيلة مثالية لقيادة حركة التغيير في سودان اليوم ، مسلح بسلاح ماض لا يخيب و هو إيمانه الراسخ بقدرة الشعب السوداني في قدرته على ترجمة وعيه ، الذي اكسبته له التجربة المريرة لحكومة الإنقاذ ، أصواتا انتخابية ، يخط بها في دروب المجد الوطني . ذلك هو الكاتب و المثقف السياسي عادل عبد العاطي . و تلك ، يا ابن ودي ، مغامرة جديرة بالإحتفاء بها و تمديدها على كامل المتصل السياسي الاجتماعي . و لو أدركت الصحف الورقية و الالكترونية دورها في صناعة الأمل و تحريك الجمود و التخشب السياسي الذي يسكن أعصاب قضايا التغيير ، لاستطلعت آراء الرجل و لاستزادت من ذلك الاستطلاع معه و مع غيره ، و لكانت تحدثت عن كيفية حماية الانتخابات من التزوير ، أو حصرها في أضيق نطاق على أقل تقدير ، و لشجعت الجماهير على خوضها ، و لشرحت مراحل الانتخابات بحيث تصير ثقافة تدرك بها جماهير الشعب السوداني قدرتها على فعل التغيير ، ولأعادت إليها ثقتها بنفسها ، و لنفضت الغبار الذي غطى على كمالاته ، و لفرضت على الأحزاب تغيير خطابها الذي تجاوزته الجماهير بوعيها الذي أبقاها حية حتي الآن بغير مساعدتها ، و لساهمت في بلورة مشروع وطني ، قدر له أن يكون في حالة تطور مستمر للتعامل مع الفوران العالمي اليومي ، الذي يتوق هو الآخر للراحة ، حيث لا راحة ، و لفرضت على الخارج أن يعاملها باحترام ، دون إيحاءات بالابتزاز منه أو من غيره ، فكما نحن نحتاج العالم ، كذلك هو يحتاجنا ، فالحياة هي ما تصنعها أنت . و قيمتك هي التي تضعها أنت لنفسك . و على قدر أهل العزم تأتي العزائم .