فوضى اللهث المتسارع من أجل الحصول على المال الذي هو في نهاية الأمر وسيلة و ليس غاية أدت إلى حالة من إنعدام الضمير التجاري والحرفي والأخلاقي بصورة عامة إلا لمن رحم ربي ، فكل ما يمكن أن يعترض الحياة اليومية من سبل التعاقد أو التعامل مع آخرين منتسبين إلى سوق هذه الأيام يؤدي بك إلى الكثير من الخسائر أقلها المعنوية ، ولشد ما لفت إنتباهي الصلف البائن في أسلوب تعامل التجار مع عملائهم مع إستثناءات قليلة ، تتنافى وأدبيات العمل التجاري الذي تتباهى بعض الشعوب بأنها قامت بتأسيسه عبر نظرية أساسية مفادها (أن الزبون دائماً على حق) .. وفي هذا المبدأ إختصار جيد لآليات عدة تدرس في علم التسويق والمبيعات تحت العنوان الأكاديمي (رضاء العميل) ، هذا المصطلح الأخير يُعتبر هدفاً أساسياً للإنتاج والجودة والبيع ، أما عندنا فللأسف تعتبر التجارة مهنة من لا موهبة له ، وفي مسارات حياتنا الإجتماعية كثير من الأمثلة التي تُعبِّر عن هذا الإتجاه ، من ضمنها أن معظم المغتربين العائدين بعد سنوات من الغربة والتضحيات حاملين ما إستطاعوا جمعه من مال وفي مخططاتهم المتعلقة بالإستقرار من جديد في الوطن أن المشاريع التجارية هي أوسع باب يستطيعون من خلاله تحقيق النجاح ، غير أن الواقع بعد حين يثبت لهم أن الأمر ليس بهذه السهولة واليسر ، وكثيرٌ منهم خسر ما جمعه من مال ، بل وإستدان ليشتري (تأشيرة) إغتراب ليبدأ الكرة من جديد ، كما أن في مجتمعنا الكثير من الآباء الذين واجهت أبناءهم مشكلات أكاديمية فأصبحوا فاقداً تربوياً ، يصِّرون أن السوق والتجارة هو أمثل بديل لهؤلاء ، وأيضاً تتضح الصورة بعد حين لتجد أغلبهم غارمين في السجون أو يمارسون أنواعاً غير شرعية من التجارة ، إن التجارة مهنة ليست هينة ولا بسيطة و حتاج إلى الكثير من المواهب والحِرفية ، وإتساع الأفق والثقافة ، هذه الأخيرة أيي الثقافة تتعلَّق بكل ما يربط البائع مع الزبون مثل أسلوب التعامل وطرق طرح العروض والمقدرة على الترويج الجيد للبضاعة موضوع التعامل ، ثم المواهب الإضافية الأخرى كالفراسة التي تتيح للتاجر أن يقرأ عقلية العميل وإتجاهاته من خلال شكله الخارجي وأسلوبه في التحاور ، فضلاً عن الأخلاقيات الإنسانية الأخرى المُتفق عليها من قبل الجميع كالأمانه واللباقة والتهذيب والمقدرة على التعامل مع كافة الشرائح الإجتماعية وإحتواء عيوبها وذلاتها المتعلقة بشخصية كل فرد ، لم يزل التاجر السوداني إذا إستثنينا القلة بعيدٌ كل البعد عن مُجمل المهارات التي يتمتع به التجار في بلدان أخرى ، فهو سريع الغضب ، وسريع الملل ، وقليل الإكتراث لمن يدخل عليه من العملاء فالمقابلة الأولية دائماً فاترة ، ثم لا مجاملة في التعامل الذي ينبني على أساس النديه بينه والعميل ، بالقدر الذي لا ينم عن أن الفائدة الأساسية من نجاح عملية البيع عائدة إليه بالتحديد دون غيره ، فضلاً عن أنك بعكس ما نراه خارج السودان لا تشعر أنك ضيفاً مرحب بك إن دخلت متجراً ، و ربما في بعض الأحيان ألم بك إحساس مفاده أنك غير مرحب بك لو جئت في الوقت غير المناسب ، بالتأكيد التجارة مهارة وليست فهلوه ولا شطاره.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة