في لقاء تلفزيوني، بُثّ قبل أيام في برنامج (دفتر أحوال) بقناة الشروق ضيفه سعادة العميد الدكتور ماهر عبد الله شلكي مدير إدارة شرطة أمن المجتمع، وضّح فيه سعادته أن محاربة الدجل والشعوذة في رأس اهتمامات هذه الإدارة التي هي من صمامات الأمان المهمة في مجتمع بلادنا الغالية إلى نفوسنا،
وإن من الواجب المتحتّم الوقوف معهم في هذه المهمة العظيمة في محاربة الدجالين والسحرة والكهان والعرّافين، خاصة وإن محاربة هذا النوع من الجرائم الخطيرة والقبض على المجرمين الذين يعملون في هذه الجرائم فيه من الصعوبة والعسر ، وهو بحاجة إلى تضافر الجهود لتحقيق المقصود بحماية أمن المجتمع من أضرار هذا الصنف من عُبّاد الشياطين الذين يستخدمون السحر في القتل والإمراض والتفريق والعطف ، ولا يحصل ذلك إلا بقدر الله الكوني. ويأتي هذا المقال لأداء جزء من الواجب في دعم هذه الإدارة التي هي كما عبرت عنها بمقال سابق أنها (غرة في جبين السودان) زادهم الله من التوفيق والسداد، والحفظ والتأييد ، ومن الشرف الكبير التعاون معهم للدلالة والقبض على السحرة والدجالين الذين يتكسَّبون بهذه الأعمال الخبيثة. مؤسف جداً أن تجد (الكهانة والعرافة والدجل والشعوذة والسحر) .. سوقاً رائجة في مجتمعنا، ويدفع كثيرون وكثيرات أموالاً يعطونها لمن يدعون معرفة المغيبات، ويتكهنون لهم بأخبار مستقبلية ، أو يعدونهم بأفعال معينة، أو لأجل عمل السحر (العمل) لتحقيق مآربهم، وللأسف فإن الدجالين والمشعوذين والكهان والسحرة لهم وجود في المجتمع وبكثرة، يمارسون دجلهم وكذبهم على مرأى ومسمع من المجتمع بمختلف أطيافه. إن صور هذه الجريمة التي تمارس في مجتمعنا كثيرة جداً، منها ضرب الرمل و(خت أو رمي الودع) و(التنجيم) وهو الاستدلال بالحوادث الكونية على الأحوال الأرضية ، فيقول من يوم كذا إلى يوم كذا أو ساعة كذا لا تفعلوا الأمر الفلاني أو افعلوه، و(قراءة الفنجان) و(قراءة الكف) و(الأبراج) التي تتناقلها بعض الصحف .. ومما يفعله السحرة والدّجّالون أن يأتي الشخص – رجلاً كان أم امرأة - إليهم ويطلب منهم أن يفعلوا له أمراً محدداً، كالإتيان بزوج، أو رد الضالة، أو الانتصار في المباراة ، وهزيمة الخصم ، أو الصرف أو العطف ، أو التعيين في منصب أو طلب التثبيت فيه، أو الضرر بالإمراض والقتل لفلان أو فلانه ، والسحر دركٌ أشد سفلاً من درك الكهانة والعرافة، فالكاهن يدعي المغيبات ويخبر بها، والساحر يصنع السحر، ينفث في العقد ويستعين بالجن فيمرض ويقتل ويمرض ويفرق بين الأخ وأخيه والمرأة وزوجها بإذن الله وإرادته الكونية القدرية ، ولذلك كان حكم الساحر القتل مقابل إفساده وتدميره للمجتمع. إن من المؤسف جداً أن يوجد في مجتمعنا الكهان والدجالون ، يضحكون على عقول الناس ويأخذون أموال البسطاء والسذج ، يسطون على أموالهم بمكر وخداع، فيطلبون الطلبات ممن يأتونهم، بدءاً بالدجاجة والخروف إلى الذهب والمجوهرات ونفائس الأموال والعقارات كقطع الأراضي والفلل والعمارات !! يستغلون حاجتهم وجهلهم ويطلبون منهم أن يعطونهم أموالهم وهو ما يسمى بــ (البياض) ، والبياض (خشم بيوت) كما يقال!! ، فعلى حسب الزبائن وإمكانياتهم تكون (المَكْنَة) منهم، فقد يكون البياض مائة جنيه وقد يكون خمسمائة !! وقد يكون قطعة أرض، أو شقة، أو سيارة، وقد يكون عمارة !! وأسألوا هذه الإدارة عن أرقام المبالغ التي ضبطت في أعمال السحر في الأشهر الأخيرة سيجيبونكم بأنها (مليارات) والمؤسف حقاً أن يأتي إلى هؤلاء الدجالين أشخاصٌ لهم نصيب من العلم الدنيوي أو الشهادات الأكاديمية!! والوظائف الكبيرة!! وقد تأتيهم مؤسسات وشركات ومجالس إدارات !! وإدارات أندية !! وغيرهم .. يطلبون منهم معرفة المغيبات وإخبارهم بما سيكون !! وقد تكون حجة بعضهم : أن هذا الشيخ أخباره صحيحة، وقد أخبر قبل هذا بالشيء الفلاني فوقع كما قال ، فهذا هو مبلغهم من العلم !! فتجدهم يصفونه بعبارات مثل (شيخ كارب أو فكي مكرّب) (فكي كلامو ما بجلي).. وغير ذلك. ولهؤلاء المساكين المغشوشين المخدوعين أسوق هذا الحديث : عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بِالشَّىْءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا قَالَ : (تِلْكَ الْكَلِمَةُ الْحَقُّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّىُّ فَيَقْذِفُهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ وَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ) رواه مسلم، فهذا خبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام وفيه أن الجني يجتهد لأن يسترق السمع قبل أن يتبعه الشهاب الثاقب ، فيخطف الكلمة ثم يلقيها على قرينه الدجال العرّاف فيكذب معها مائة كذبة، وكثير الكذب هو الذي يوصف بالدجّال. ولم يستفد كثيرون ممن يدفعون أموالهم لهؤلاء الدجالين في نظرهم وتأملهم في أحوال الدجالين أنفسهم ، فكثيرون من المشعوذين والدجالين بهم من الفاقة والفقر ما هو مشاهد غير خفي، وقد تكون الأمراض والأسقام المزمنة تصحبهم الأزمنة الطويلة، فهم أشد حاجة من تغيير أحوال أنفسهم قبل أحوال من يأتونهم !! و(فاقد الشيء لا يعطيه) !! ، ولكن قلة البصيرة يعمى بسببه الكثيرون "ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور" ، ويزداد المصاب عندما يوجد في المجتمع من ينشر أن أشخاصاً من خلق الله تعالى يعلمون المغيبات ، فينشر المنثور والمنظوم . ولدى الجهات المختصة في شرطة أمن المجتمع وغيرها من أقسام الشرطة وبعض الجهات الأمنية من الشكاوى والبلاغات في هذه الأمور ما يجعلها تدرك خطورتها والضرر الديني والدنيوي المترتب على هذا النوع من الإجرام، فالضرر الديني واضح ومَن مِن الناس لم يسمع بالحديث الصحيح أن (من أتى كاهناً فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد ..) والرواية الأخرى والتي معناها أنه إن أتاه إلا أنه لم يصدقه فإن عقوبته ألا تقبل له صلاة أربعين يوماً.. والضرر الديني أيضاً يتضح في رد ما دل عليه كتاب الله تعالى في منطوقه الصريح ، وفي هذا خطر عظيم فقد قال الله تعالى : "قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ". لتتكاتف الجهود مع شرطة أمن المجتمع ومع غيرها من الجهات الأمنية ولتتكاتف الجهود الدعوية والتعليمية لتوعية مستمرة وتوجيه ونصح أمين حتى يختفي الدّجالون من أرضنا وحتى يسلم للناس دينهم ودنياهم ومالهم وصحتهم وعافيتهم .. وإنها لمسؤولية عظيمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة