|
Re: شربكة الشبكات الطائفية الحزبية والمعاناة (Re: عباس خضر)
|
الأخ الفاضل / عباس خضر التحيات لكم وللقراء الكرام والشكر الكثير على ذلك الأسلوب الهادي في تناول الحوار ،، ونحن لم نختلف معكم طلاقا في فداحة المفاسد والمعاناة والغلاء والبلاء والتدهور الذي لحق بالسودان في سنوات حكم الإنقاذ .. ونقول لكم بالصوت العالي الواضح بأن تلك الحقائق أكيدة ومعروفة جداً لدى الشعب السوداني ،، بغض النظر عن سرد تفاصيل تلك المفاسد والشقاء والغلاء والمعاناة التي يعاني منها الشعب السوداني خلال الثمانية والعشرين عاما الماضية .. تلك المفاسد التي تشيب الرؤوس بهولها وفداحة أمرها في الكثير من الجوانب .. وخاصة تلك المفاسد في الجوانب المادية والمعنوية والأخلاقية .
ولكن يا أخي الفاضل لا تظن أننا ننطلق من الفراغ حين نقول أن الشعب السوداني يعيش المعاناة منذ الاستقلال ،، وكاتب هذه الحروف ليس من أبناء الأجيال الجديدة حتى يفتري على الأحداث ،، ولكنه عايش بنفسه أيام الاستقلال وهو ما زال صبيا صغيرا ،، ثم عايش أيام حكم الأزهري وعبد الله خليل ،، ثم أيام حكم المحجوب والصادق ،، وكذلك أيام حكم الفريق عبود والنميري ثم فترة حكم الصادق المهدي الأخيرة قبل 89 .. وأخيرا عايش وما زال يواكب سنوات حكم الإخوان المسلمين ،، والمعايشة لتلك المراحل السياسية كانت لصيقة بدرجة المتابعة الجنونية ،، تلك المتابعة التي تطرد كليا النزعات الحزبية أو النزعات الجهوية البغيضة ،، وكل مرحلة سياسية في مسار السودان منذ الاستقلال كانت تعج بكل ألوان الشقاء والبلاء ،، وكم وكم هتف الشعب السوداني ( العذاب ولا الأحزاب ) ،، وتلك الهتافات كانت تجري في كل سنوات الحكم الديمقراطي في البلاد قبل 89 ،، وأنت تعرف جيدا معنى كلمة ( العذاب ) ،، والشعب السوداني لم يستخدم كلمة ( العذاب ) حبا في تلك الكلمة ،، ولكنه كان يعايش تلك الكلمة بالمعنى الحقيقي في كل مراحل الحكم في السودان ،، في مرحلة الديمقراطية الأولي حيث الأزهري وعبد الله بك خليل غرقت البلاد في مناوشات حزبية بغيضة لم تراعي فيها أوضاع البلاد الوليدة الحديثة ،، وقد عاش الشعب السوداني تاءها في متاهات الطائفية البغيضة الكريهة ،، وفي سنوات حكم الفريق عبود وصلت البلاد لحافة الهاوية ،، حيث القحط والجدب ،، لدرجة أن علبة الكبريت قد انعدمت في الأسواق ،، والبعض يظن أن الانتفاضة ضد نظام عبود كان سببها تلك المناوشات السياسية ،، وتلك نادرة تجلب الضحك ،، فقد ضاقت الحياة بالناس في ظلال الكبت والقهر وعدم توفر السلع الضرورية في البلاد ،، ثم بعد الانتفاضة كانت فترة الحكم الانتقالي حيث فترة سر الختم الخليفة وتلك الفترة حدث عنها ولا حرج ،، ثم التجربة الثانية للديمقراطية في البلاد حيث معية الأزهري والمحجوب والصادق وغيرهم .. تلك المرحلة التي شهدت المناوشات الحزبية العويصة ،، والتي أدت إلى حل الحزب الشيوعي السوداني ،، مرحلة كانت كئيبة كالحة على الشعب السوداني ،، ومثلت الحقيقة الكبرى التي أكدت فشل تجربة الديمقراطية في السودان ،، وهي الفترة التي جعلت الشعب السوداني ينادي ويفضل العذاب على الأحزاب ,, ثم كانت مؤامرة الحزب الشيوعي السوداني الذي جاء بانقلاب جعفر النميري .. تلك المرحلة التي أدخلت البلاد في دوامة التجارب السياسية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ثم الوسط ,, وكذلك كان التدهور والتراجع من نصب دولة السودان ،، وسنوات النميري كانت قاسية جداً على الشعب السوداني وخاصة في نهاياتها ،، ثم كانت تجربة الديمقراطية الثالثة بقيادة الصادق المهدي ,, وتلك المرحلة كانت من المراحل القاتلة في مسار السودان ،، حيث المرحلة الفوضوية التي عرفت بالصفوف الطويلة وبالندرة في ضروريات الحياة ،، وحيث الشعب السوداني الذي كان ينقب في براميل النفايات من أجل لقمة تسد الرمق ،، وحيث عدم توفر الأمن والأمان في البلاد ،، وقد وصل السودان في تلك المرحلة بأن يكنى برجل أفريقيا المريض ،، وفي ليلة الإنقاذ في عام 89 كانت البلاد بمثابة جنازة البحر التي تفتقد الوجيع والأهل ،، وبعد كل ذلك من سخرية الأحوال أن يأتي أحدهم ليمدح قوة الجنيه السوداني الذي ظل يقاوم ثم يضعف رويدا رويدا منذ رحيل ذلك ( الخواجة ) النجس .. ولا ننسى مشاكل العملة السودانية قبل 89 حيث الدولار الذي كان يكتسح الأسواق السوداء ،، وعندما جاءت حكومة الإنقاذ في 89 أدعت النزاهة وقامت بإعدام البعض من تجار العملة ،، وذلك فقط لتذكير الناس بأوضاع الجنيه السوداني قبل 89 ،، وليس تمجيدا لنظام الإنقاذ الذي أعدم الأبرياء من تجار العملة الصعبة ليمارس بنفسه تلك التجارة الهالكة المهلكة ،، ولذلك لا يمكن أن يدعي أحدهم أن معاناة الشعب السوداني هي فقط أبان حكم الإنقاذ .. بل تلك المعاناة والعذاب والشقاء والغلاء والبلاء الذي ظل يلازم الشعب السوداني منذ الاستقلال ،، وكل من يدعي غير ذلك فهو مراوغ يريد أن يلتف حول الحقائق الدامغة لحاجة في نفس يعقوب .، واليوم نشاهد أن الشعب السوداني الذي يكابد العذاب والشقاء والأمراض والأسقام والغلاء لا يتحرك لإيجاد البديل المطلوب ،، لأنه يدرك جيدا عيوب القادم البديل ،، ولديه التجار الطويلة منذ يوم الاستقلال ،، وقد كل ومل من كثرة تلك التجارب الفاشلة مع الأحزاب ومع الجماعات المعارضة ومع الحكومات العسكرية .
ثم هو ذلك الشعب السوداني الذي لا يراوغ ولا يجامل ولا يهادن أحدا ليقول بالصوت العالي المسموع بأن أية انجازات بنيوية أو تنموية تمت في البلاد منذ الاستقلال تمت في مراحل الحكومات الديكتاتورية ،، وخاصة في سنوات حكم الإنقاذ حيث تغيرت ملامح السودان إلى الأفضل مليون مرة ،، ولا ينكر ذلك إلا حاقد يراوغ عن قول الحقيقة ،، ولا يعني ذلك أن حكومة الإنقاذ هي الخالية من المفاسد والعيوب ،، بل عيوبها ومفاسدها تفوق زبد البحار ،، ومع ذلك فإن كل صاحب ضمير ملزم بقول الحقائق مجردة من النزعات الذاتية التي لا تقدم ولا تؤخر ولا تخدع مصالح الشعب السوداني .
شطة خضراء
|
|
|
|
|
|