لقد قام الدكتور كامل الباقر في السودان بالدور نفسه الذي طمح الشيخ الإمام محمد عبده إلى القيام به في مصر. وجد الباقر وضعا شبيها إلى حد كبير بالوضع الذي واجهه الإمام عبده من حيث سيطرة أسلوب التقليد والتلقين على العملية التعليمية في المناهج الدينية. وهو الأمر الذي حجب خريجي المعاهد الدينية عن أحوال الدنيا العملية وفنونها ومهاراتها وجعل حصول أحدهم على وظيفة حكومية مجزية الأجر أمرا نادرا. ولذا قام بتوسيع إطار مساقات الدراسة المتخصصة في جامعة أمدرمان الإسلامية، حيث أصبحت تستوعب الكثير من العلوم الإنسانية والاجتماعية مثل الفلسفة، والتاريخ، وعلم النفس، والاجتماع، والسياسة، والاقتصاد، والتوثيق والمكتبات، والصحافة والإعلام. وبذلك تطور معهد أم درمان العلمي لا ليصبح جامعة تقليدية تقوم بتدريس العلوم الدينية الخالصة، في أصول الدين والشريعة، على نهج المتون والشروح المعروفة، من أجل إعداد كودار من العلماء التقليديين وحسب. وإنما صار جامعة وسطا بين الجامعات الدينية الخالصة والجامعات المدنية الخالصة. وقد حالف جهود البروفسور الباقر توفيق كبير؛ فتمكن من استقدام كبار الأساتذة في العالم العربي للتدريس في الجامعة الناشئة التي تولى إدارتها. ومن أبرز من استقدمهم في سنوات الجامعة الأولى الأستاذ الإمام محمد أبو زهرة، والأستاذ الإمام عبدالحليم محمود، والبروفسور سليمان دنيا، والبروفسور عبدالحميد متولي، والبروفسور علي عبدالواحد وافي، والبروفسور عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطيء)، والبروفسور محمد المبارك عبدالقادر، والبروفسور أحمد محمد الحوفي. وقد كاد أن يستقدم لها إمامي الهند الأكبرين؛ الشيخ الإمام أبو الأعلى المودودي، والشيخ الإمام أبو الحسن الندوي. وأصبح للجامعة اتصال وثيق بقضايا المجتمع السوداني فعقدت كبريات المؤتمرات العلمية لمعالجة المشكلات الاجتماعية مثل مشكلة العطالة وغيرها. وأقامت الجامعة احتفالا عالميا مهيبا بمناسبة مرور خمسة عشر قرنا على نزول القرآن الكريم، كان من أبرز حضوره فيلسوف الجزائر وكبير علمائها الاجتماعيين، وصاحب كتاب (الظاهرة القرآنية) الأستاذ مالك بن نبي. وقد لقي البروفسور الباقر في سبيل إرساء بناء الجامعة وتطويرها على هدي هذا التصور الإحيائي الحضاري العداوة والحرب من قبل طرفي التخلف كليهما: الإيديولوجيين الشيوعيين المتعصبين، والعلماء التقليديين العدائيين الرجعيين. ولكن التف حوله كبار العلماء الثقات أولو الشأن يتقدمهم الشيخ الإمام مجذوب مدثر الحجّاز، والشيخ يوسف إبراهيم أبو النور، والشيخ محمد العبيد، والشيخ الأمين الضرير، وغيرهم من العلماء الأفذاذ الذين أسهموا في نجاح جامعة أمدرمان الإسلامية. وقد قام البروفسور الباقر ببعث أفاضل الخريجين لنيل الدراسات العليا في الجامعات العربية والغربية من أمثال: يوسف حامد العالم، ومحمد عثمان صالح، وعلي أحمد بابكر، ودفع الله الأمين، فعادوا وأسهموا بدورهم في تطوير الجامعة، ومنهم من تولى أمر إدارتها لمدد طويلة في الدهر الأخير. وقد تولى البروفسور الباقر إدارة جامعة أم درمان الإسلامية في فترتين: كانت الأولى بين عامي 1965 – 1969م. وانتهت هذه الفترة بقيام الشيوعيين في استعجال بالغ بحل جامعة أم درمان الإسلامية بعد شهرين فقط من قيام قيام انقلاب الخامس والعشرين من مايو 1969م. وكانت الثانية بين عامي 1975 – 1980م. وقد انتهت بمكيدة دبرها له بعض الحاقدين من داخل الجامعة وخارجها. فرجع إلى العمل بالجامعات السعودية التي استفادت خير فائدة من خبرته الثرة في تخطيط المناهج وإنشاء الأقسام الأكاديمية الجامعية. حيث عمل أستاذا ومستشارا بكل من الرياض وأم القرى. ونال عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ورابطة الجامعات العربية، ورابطة العالم الإسلامي، والمجلس المساجد العالمي. وقد عرف البروفسور كامل الباقر بجانب جهوده العلمية الإحيائية باهتماماته الأدبية، من حيث نظم الشعر، وقد نشرت قصائده صحيفة (النيل) في الخرطوم، وهي القصائد التي ضمها ديوانه (وحي القلم الفضي) الصادر في عام 1970م. وعرف بكتاباته الأكاديمية المتصلة بفقه الواقع. ومن مؤلفاته كتاب (حرية الأديان في السودان) الصادر باللغة الإنجليزية. وكتابي (في معركة الثقافة) و(تاريخ جامعة أم درمان الإسلامية) الصادرين باللغة العربية. وقد عمل البروفسور الباقر بالسياسة من منظور إسلامي وطني لا حزبي. وفي هذا المنحى عمل سكرتيرا للهيئة الوطنية لإقرار الدستور الإسلامي. وساند من الوجهة العلمية الأكاديمية المجهودات الدستورية التي بذلت لتنفيذ قرار حل الحزب الشيوعي السوداني باعتباره حزبا منافيا لعقائد الإسلام وشرائعه وآدابه. وقد عاش البروفسور الباقر حتى شهد توسع جامعة أم درمان الإسلامية، حيث أصبحت تضم الكليات والأقسام العلمية، التي تدرس الهندسة والزراعة والطب، وغيرها من المساقات العلمية الخالصة، التي أصبحت تخضع أيضا للتصور الإسلامي للمعرفة. وقضى البروفسور الباقر السنوات الأخيرة من حياته أستاذا ومستشارا بالجامعة التي أنشأها وظلت تحتفظ بآثار بصماته عليها. وتوفي في عام 1995م. رحمه الله تعالى وجعل الجنة مثواه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة