أول مرة أقابل فيها عبد الله عبد القيوم كانت في أواخر العام 2007م ، أو أوائل العام الذي يليه ، عندما زارني بمنزلنا الكائن بديم النور ، كان لقاء قصيرا ، انتهي بأن وضع أمامي 500ج (500 ألف) تبرعا لصالح مجموعة "قضارف ضد الفساد" التي نشطت في ذاك العام في مناهضة الفساد بالولاية في حقبة والي القضارف الفاسد عبد الرحمن الخضر . كانت ال500ج تكفي وقتها لإقامة ندوتين تقريبا ، وكانت هذه أكبر مساهمة تتلقاها "قضارف ضد الفساد" في مسيرتها التي امتدت نحو ثلاث سنوات .
عبد الله عبد القيوم هو أحد مؤسسي النشاط السياسي العلني للحركة الشعبية لتحرير السودان بالقضارف في أعقاب اتفاق السلام الشامل 2005 ، كان يعمل في صمت ، كريما ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر ، وهو فعلا لا يخشى الفقر ، عمل بإخلاص في خدمة الوطن من خلال حزبه بفكره وجهده وماله .
وقد تدافعت إلى الحركة الشعبية في تلك الفترة أعداد كبيرة من الناس المخلصين الباحثين عن العدل والمعولين على مشروع السودان الجديد ، كما تكالب عليها عدد مقدر من الانتهازيين الطامحين للجلوس على المناصب وامتصاص الثروات . تزاحم الانتهازيون على المواقع العليا بشتى السبل: تقربا من القيادة ؛ أو استقواء بقبيلة ؛ أو حتى بدفع من جهاز الأمن من وراء جدار ـ فنالوا منها نصيبا معتبرا . وعند نهاية شهور عسل نيفاشا في 2011 تفرّق الانتهازيون أيدي مصلحة ، بعد أن قضوا وطرهم ، وتوزعوا بحثا عن مواقع جديدة للحصول على منافع شخصية تخصهم . وتجد الآن من كان رئيسا للحركة الشعبية قد أصبح عضوا في السلطة التشريعية ممثلا للمؤتمر الوطني ، فتأمّل !
لم يكن الجو السياسيي طوال السنوات الفائتة ـ خاصة بعد انفصال الجنوب ـ ملائما للعمل السياسي المناهض للنظام ، فقد كشّر نظام الإنقاذ عن أنيابه تنكيلا بالمعارضين . ومع عصاه الغليظة قدم النظام جزرات السلطة والمال لضعاف النفوس لإضعاف المعارضة . وقد شكّلت عصا التنكيل مع جزرة السلطة مصفاة للقيادات . فللقمع والإغراء ، رغم المساوئ المريعة ، فائدة الفرز واكتشاف معادن البشر . والآن هنالك فرصة لكل الأحزاب لتنظيف صفوفها من الانتهازيين وتجار السياسة .
لا شك أن كل قواعد الحركة الشعبية لا زالت عند موقفها المناهض لنظام الإنقاذ ، ولكن القيادات ذهبت في سبل متباينة . جلس الانتهازيون على موائد نظام الإنقاذ ، وبعضهم لا يزال واقفا ممسكا بالأباريق في انتظار خلو مقعد أو في انتظار الفتات . وصبرت الأكثرية ولم تنجر إلى موائد السلطان وظلت محتفظة بموقفها المناهض للطغيان في صمت جراء القمع وذلك أضعف الإيمان ، وانخفضت همة البعض لأسباب شتى . لكن عبد القيوم هو أحد القلائل الذين تواصل سعيهم لإسقاط النظام بهمة لا تفتر وعزيمة لا تلين .
تدهورت الأوضاع المادية لـ عبد القيوم نتيجة لغدر بعض من أحسن إليهم ، ثم حاربته حكومة الإنقاذ في رزقه فعطلت عمله بمنطقة القلابات ، ولكن ظلّ رغم ذلك هاشا باشا كريما شجاعا .
خبرنا معدن عبد القيوم في تجربة الخلاص في انخابات الولاية 2013 ، الهادفة لتوظيف هامش الحرية المتسع للإسهام في إسقاط النظام ، فقد كان أحد الركائز الأساسية لإنجاح تلك التجربة ، وتعرض بسببها للويلات .
تم اعتقال عبد القيوم بعد مظاهرة مبادرة الخلاص التي نددت بتزوير الانتخابات ودعت لإسقاط النطام ، يوم 17 مارس 2013 مع آخرين ، وقد تم تعذيبه بضراوة بإشراف المدير السابق لجهاز الأمن بالقضارف العقيد عبد الحليم محجوب ، وشارك في تعذيب كل من النقيب محمد قسم والملازم معاوية محمد صالح ، والرائد إيهاب الإمام ، والملازم محمد سراج . لاحقا تم اعتقال عبدالقيوم مرة أخرى يوم الثلاثاء 25/6/2013 وظل معتقلا لأكثر من أربعين يوما . ولقد تم استهدافه بصورة مباشرة قبيل مخاطبة مبادرة الخلاص بشأن حجاج القضارف الذين تم قتل 11 منهم ونهب أموالهم بواسطة منسوبين للشرطة ، وكان عبد الله عبد القيوم ـ قبل يوم اعتقاله ـ قد واجه الوالي غير الشرعي الضو الماحي الذي كان يرافقه العقيد عبد الحليم محجوب في مأتم إحدى ضحايا إدارة الحج بحي الصوفي ـ واجههم ـ أمام الملأ ـ وحملهم مسئولية قتل ونهب أموال الضحايا ورد الوالي غير الشرعي (كتلهم الله ..ما كتلتهم أنا ) . تم اعتقاله بعد متابعة لصيقة من منسوبين للجهاز بقيادة الرائد إيهاب الإمام ، وقد قال مدير الجهاز العقيد عبد الحليم محجوب (عندي تصفية حساب مع عبدالله عبد القيوم) ، مكث عبد القيوم 44 يوما في زنزانة جهاز الأمن وخرج أقوى .
لم ينجح الإفقار في كسر عزيمة عبد القيوم ، ولم تقعده أسرته واحتياجات الأطفال ، ولم تفت أمراض الضغط والقاوت عضده ، ولم يخضعه التعذيب الخرافي بمعتقلات جهاز الأمن بالقضارف ، ولم يثنه غياب العدالة والفشل في مقاضاة جهاز الأمن عن مواصلة سكب العرق وبذل الجهد لإسقاط النظام .
ولأنّ عبد الله عبد القيوم قد عمل بجد وإخلاص لإنجاح العصيان المدني في ديسمبر الماضي ، اختطفته زبانية العقيد محمد الطيب أمبيقا ، المدير الحالي لجهاز الأمن ـ اختطفوا عبد الله عبد القيوم ، بقوة كبيرة يوم 18 ديسمبر من العام المنصرم ، جاءوا بعبد القيوم إلى زنازين الجهاز وسط صيحات منسوبي الأمن بمن فيهم مدير الجهاز العقيد أمبيقا ، فكأنما استطاعوا تحرير الفشقة المحتلة ، يا للجبناء !
سيحفظ التاريخ لعبد الله تضحياته الجسام ، وأمبيقا ورهطه لن يضيفوا لتاريخهم سوى الخزي والعار والشنار .الآن انقضى شهر وعبد الله عبد القيوم لا يزال في سجن كوبر ، وواثقين أنه سيخرج أقوى ولسان حاله يردد ..
لو انتو شلة مسخرة وعبدة كراسي ومفترين نحنا البلد درقا وسيوفا الطالعة شلالات يقين