كما جاء بانقلاب ها هو أحمد داود أوغلو يرحل بانقلاب. ليس للعملية الديمقراطية أن تأخذ مجراها في البلاط الرئاسي التركي. وها هو أوغلو يطوي صفحة رئاسة حزب العدالة والتنمية وصفحة رئاسة الحكومة وصفحة السياسة الخارجية وصفحة «صفر مشكلات» وصفحة «العمق الاستراتيجي». ها هو «مثقف البلاط العثماني» يطوي مسيرته السياسية منصرفاً ربما إلى كتابة ما رآه وما شهده وما كان هو مخططاً له منذ عام 2003 وحتى اليوم. كان العقل المنتج للأفكار في حزب العدالة والتنمية وكان رجب طيب أردوغان القائد المحارب الذي حمل هذه الأفكار ومضى يحارب في سبيلها. كانا وجهين لعملة واحدة.حتى إذا سقط أحدهما اهتز الآخر. جاء داود أوغلو بانقلاب أردوغان في 27 أغسطس/آب على أقرب الرفاق إليه أي رئيس الجمهورية عبد الله غول.في العاشر من أغسطس انتخب أردوغان باقتراع شعبي رئيساً للجمهورية وكان لا بد من ترك رئاسة الحزب والحكومة.الأقرب إلى المنطق حينها أن يتولى عبد الله غول رئيس الجمهورية حينها زعامة الحزب ورئاسة الحكومة لدى انتهاء ولايته في 28 أغسطس. كان غول قادراً وخبيراً على مواصلة مسيرة الحزب الناجحة. لكن قبل يوم واحد من انتهاء ولاية غول في رئاسة الجمهورية كان أردوغان يحيك خيوط الانقلاب على إمكانية عودة غول إلى رئاسة الحزب والحكومة. قرر أردوغان عقد مؤتمر للحزب قبل يوم واحد من انتهاء ولاية غول الرئاسية أي في 27 أغسطس حتى لا يتمكن غول من المشاركة في المؤتمر كونه لا يزال رئيساً للجمهورية. أعد أردوغان الانقلاب ضد عودة غول وعين في مؤتمر الحزب بالانتخاب وزير الخارجية أحمد داود أوغلو رئيساً للحزب وبالتالي رئيساً للحكومة. اختيار داود أوغلو كان لأن الأخير شخصية موالية ومطيعة لأردوغان. وليس عنده قاعدة حزبية وشعبية وبالتالي يسهل التحكم به وبسلوكه. ولم يخيب أوغلو أمل أردوغان فمرر كل ما كان يأمره أردوغان به. وتحول حزب العدالة والتنمية إلى حزب يأتمر بالريموت كونترول من القصر الرئاسي. لم يعد هناك رأسان للحزب ولا للحكومة بل رأس واحد هو رجب طيب أردوغان. لكن داود أوغلو كان يسعى بالقوة الناعمة وبالتي هي أحسن أن يهيئ حيثية لنفسه داخل الحزب بتكتيل بعض النواب والمؤيدين. ورغم أن داود أوغلو نفّذ كل ما كان يطلبه رئيس الجمهورية غير أنه لم يكن متحمساً بالقدر الكافي لتغيير النظام السياسي في تركيا من برلماني إلى رئاسي لأن هذا يعني أن داود أوغلو يلغي نفسه حيث لن يكون هناك موقع رئيس الحكومة في النظام الجديد كما أن رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي سيكون في الوقت نفسه رئيساً للحزب. تحفظ داود أوغلو وعدم حماسته للنظام الرئاسي كان القشة التي قصمت ظهر البعير بين أردوغان وداود أوغلو. أردوغان كان مستعجلاً لتغيير النظام وهذا يتطلب وقتاً ولا يريد أن يضيع المزيد من الوقت. لذلك كان قرار أردوغان بالانقلاب على داود أوغلو ليس بالضغط عليه لتغيير موقفه بل لتطييره من رئاسة الحزب والحكومة وتعيين آخر بدلاً منه. ومن كان قادراً على تطيير شخصيات قوية مثل عبد الله غول وبولنت أرينتش وتصفية شريك كبير في الحالة الإسلامية مثل فتح الله غولين لن تقف أمامه «لقمة صغيرة» مثل أحمد داود أوغلو. وكما كان الانقلاب على غول في مؤتمر حزب كذلك فقد كان القرار أن يتم الانقلاب على داود أوغلو أيضاً في مؤتمر للحزب في 28 مايو/أيار الجاري. وبذلك تنطوي صفحة مهمة من حزب العدالة والتنمية اسمها «حالة الخوجا» أي داود أوغلو الذي كان العقل المدبر لكل السياسات الخارجية التركية ولكل سياسات تحويل تركيا إلى إمبراطورية عثمانية جديدة. برحيله تنطوي صفحة استثنائية من تاريخ تركيا نجح خلالها في توليد الأفكار لكنه لم ينجح في ترجمتها على أرض الواقع لذا كان هذا الفشل في سياسات تركيا الخارجية. يتقدم أردوغان نحو نظام رئاسي يتطلب تغييراً في قيادة الحزب أولاً ومن ثم إجراء انتخابات نيابية يأمل أن يحصل خلالها على أكثر الثلثين أو 330 مقعداً لتمرير القرارات في استفتاء شعبي. ليس المهم من سيخلف داود أوغلو في رئاسة الحزب والحكومة الانتقالية. ففي ظل وجود أردوغان في الحياة السياسية ليس من «ثان» ولا «آخر».. بل مجرد أقنعة تتبدل! محمد نورالدين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة