كانت الطائرة تخترق الاجواء الرحبة الممتدة بامتداد السودان حتى وصلنا القرى الوديعة التي ترقد على مشارف مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور ، وما لبثت السحب ان انقشعت لتكشف عن سماء زرقاء صافية تسمح برؤية الحياة الهادئة البسطة لمدينة الجنينة الخضراء في أعقاب خريف ممطر. ونحن على مشارف الهبوط لفت انتباهنا رتل من السيارات المغطاة بالبلاستيك وهو تسير في طابور طويل ومتناسق تماما كالنمل الذي يسعى لنقل قوته في حركة دؤوبة بلا كلل او ملل. وعندما قاربت الطائرة ملامسة الارض اكتشفنا انها رتل السيارات تتبع للجنة الدولية للصليب بشعارها المميز ذو الصليب الاحمر على خلفية بيضاء والمنتشرة في كل مكان من ارض المطار، تحمل مواد إغاثية من غذاء ومواد غير غذائية تم إفراغها للتو من طائرات ضخمة جاثمة على ارض المطار الصغير الذي ضاقت ساحاته بما رحب من مختلف صنوف الطائرات. بينما خرجت أرتالا اخرى من سيارات الصليب الاحمر تحمل معها مساعدات لأكثر الناس حاجة، فإنها ايضا تحمل بين طياتها أمل من اجل حياة أفضل لمن عانوا ويلات النزاع المسلح غير الدولي في ذلك الإقليم.
لقد كان هذا المشهد في العام ٢٠٠٥ في أوج ايام النزاع في اقليم دارفور، غربي السودان الذي مزقته الحرب، حيث كانت اللجنة الدولية للصليب الاحمر صاحبة قصب السبق في دعم المدنيين بما يحتاجونه من مواد لا غنى عنها للبقاء، حيث كانت تعمل في كل حدب وصوب بعزيمة واصرار وبتنسيق مع الجمعية السودانية للهلال الاحمر السوداني وبقية الجهات ذات الصلة. لقد ترك ذلك المشهد اثرا على نفسي لما لهذه المنظمة - الخاصة التي تحظى باعتراف دولي- من دور انساني غير مسبوق ولا تخطأه عين في تخفيف ولايات الحرب. ومن ثم اتحيت لنا فرصة كوفد قادم من الخرطوم للوقوف على الأحوال الانسانية بالولاية. وكانت تلك سانحة لا تقدر بثمن للتعرف على أنشطة عدد من المنظمات العاملة بالمنطقة ومن بينها اللجنة الدولي للصليب الاحمر ، والتي كان يومها يمثل نشاط اللجنة الدولية في دارفور الأكبر من نوعه في جميع أنحاء العالم.
ثم لاحقا اتحيت لي فرصة الدراسات العليا في جامعة جنيف للتعرف بتفصيل دقيق وفهم عميق على أنشطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تم تأسيسها منذ قرابة قرن ونصف، في فبراير، ١٨٦٣، بجنيف، سويسر، حيث تسعى هذه المنظمة إلى الحفاظ على قدر من الإنسانية في خضم الحروب. ويسترشد عملها بالمبدأ القائل بوضع حدود للحرب نفسها، أي حدود لتسيير الأعمال الحربية وحدود لسلوك الجنود. ويرجع الفضل للسويسري جان هنري دونانت الذي وضع اللبنة الاولى للمنظمة التي فازت لاحقا بجائزة نوبل للسلام باعتبارها منظمة مستقلة ومحايدة تضمن الحماية والمساعدة في المجال الإنساني لضحايا النـزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى. وتتخذ إجراءات لمواجهة حالات الطوارئ وتعزز في الوقت ذاته احترام القانون الدولي الإنساني وإدراجه في القوانين الوطنية بما يحفظ حياة وكرامة ضحايا النزاع المسلح وحالات العنف الأخرى وتقديم المساعدة لهم. وفي سبيل ذلك تهتم بنشر أحكام القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية العالمية وتعزيزها.
ولعله من المفيد ان نذكر بعض انشطة اللجنة الدولية للصليب الاحمر التي تعمل في عدة مجالات نذكر منها على سبيل المثال:
ترسيخ احترام القانون
الدبلوماسية الإنسانية والتواصل
الصحة
الطب الشرعي والعمل الإنساني
العلاقة بين اللجنة الدولية والقطاع الخاص
المهاجرون
المياه والسكن
الحد من آثار ومخاطر التلوث بالأسلحة
حماية المدنيين
زيارة المحتجزين
ضرورة وضع نهاية للعنف ضد الرعاية الصحية
لم شمل العائلات
مد يد العون لذوي الإعاقة
إعادة التأهيل البدني
كما تدعم اللجنة الدولية للصليب انشطة متعددة بصورة اكثر تفصيلا في مجال الصحة واللاجئون والنازحون والمهاجر وتوفير او دعم برامج توفير المياه والسكن بصفة عامة دعم مجمل عملية الأمن الاقتصادي. وتعمل اليوم اللجنة الدولية في جميع أركان المعمورة الأربعة، ونذكر منها على سبيل المثال الاراضي الفلسينية المحتلة والعراق وجمهورية تنزانيا المتحدة وسوريا واليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد والصومال وجنوب السودان وفريقيا الوسطى ولبنان وبوروندي وأفغانستان والسودان واوكرانيا واسيا الوسطى واماكن اخرى عديدة يصعب حصرها في هذا المقال. وتعمل اللجنة الدولية للصليب الاحمر في تواصلها مع الدول المعنية بمنهج يتميز بطول النفس، مع الكياسة والدبلوماسية وتنتهج من السرية اسلوبا لاصدار تقاريرها عندما يتسم الامر بالخطورة والتكرار وعدم الاستجابة من الدولة المعنية.
تلك خواطر عابرة عابرة ، رأيت كتابتها اللجنة الدولية للصليب الاحمر كلجنة طوعية تعمل بلا مقابل ولا تنتظر الشكر من احد، انها منظمة تستحق الاحترام والتقدير والامتنان وكذلك تستحق المؤازرة والدعم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة