ويسترسلُ الشيخُ في صمتِه يحدِّث أفكارَه الثائِرة ونظارةٌ قد يَرى عَبرَها وإن لم تكن بعدُ بالفاخِرة أهذا جزائِي كما الخيل ألقى إذا شقَّ شيْءٌ له حافرَه؟ أنا قوتي في جناني الرهيبِ وإن هدّ جسْمي قوًى ناخِرة فمن لي ببُردِ الشباب الذي نضته يدٌ لم تزلْ قادِرة : يقولون لي ها كفاكَ انسحبْ وأَبعدْ خطاك عنِ الدائرة فسبعونَ عاماً أتت بغتةً وما زلتَ تحسَبُها العاشرة وأنصِتُ والقولُ في مسمعِي كرصَّاصة أطلِقت غادِرة تنحّ عن الدور قد أسدلت عليك ستاراتُه الحاسِرة ألا اجلسْ بعيداً ففي لحظةٍ سيأتي السفيرُ إلى الآخرة) ويرنو بعيدا بعين الخيال لأيامِه الحلوةِ الغابِرة غداة الشباب وغضّ الأهاب وما كان من لُمّة وافِرة وصوْت العنادلِ في سمعه يرنِّم من نغمةٍ ساحرة فيهتزّ منها شجيّ الفؤاد بما صَاغ من لذٍّة غامرة وقد أرهف الليلُ آذانه لدندنةِ الموجَة العابــِرة :أهذامئال الفتي قابعا على مقعَد البؤسِ للناظِرة ؟ وذا الظلّ تمتد أفياؤه إلى أنْ تقلّص فِي الهاجــِرة يحدّق في الشارع الملتوي وما فيه من صورٍ مائرة فهذاك طفل يحثّ الخطا ويبدو قريبا من العاشرة بيمناه يحمل كراسةً وفرجـــَاره يرسم الدائرة وفي كتفه قد بدت حُرّة حقيبةُ أحلامـــِه الزاخرة وفي ذهنه غابَـة أحلامِه بمائج أفكــــارِه الحائرة وذي جنبه طفلة وجهــــها ينبئ عن فتنــةٍ آسرة وغمّازتين ..ألا ليتني سأحيا لكي أبصر الساحرة ونهدين في الصدر قد كوِّرا وخُصلاتُ شعرٍ بدت نافِرة أيا ليتني ..آه من ليتني! أيا شيخُ قد عدتَ بالذاكرة تيقظ فهذي رياح المنون تناديك لَكِن إلى الحافرة وهذا الردى في مـَدى خطْوِه وأنيابه كشّرت كاسِرة فكيف الشتـــاء تشهّى الربيع ألا إنها قِسْمة جائرة ! وتعدو الصغيرة لم تنتــبه لصيحاتِ شيخ لها زاجِرة وما كان إلا مدى لَمعةٍ فدوّت لها صَرخةٌ ذاعــِرة وطارت كما تختفي في الدجى شموس تُضِيء في الهَاجرة تضرجت الأرض يا منظرا به حدّقت أعيَنٌ فاغـــِرة فأين الجمال وأين الرواء وأين ابتــِسام المُنى الباهرة؟ وها أنت يا شيخ لمّا تمُت ولم تفْنَ أيامُــك الغائرة وحدّق ترَ الشمْسَ مُحمَرّة وقد خبّأتْ ضوءَها الماكرة وجاء المساء ولكن به مضت تلكم الطفلة الساحرة وشيخ يئن لوطْءِ الحياةِ فيا ليْـــتها تقبل الآخرة!
عبد السلام كامل عبد السلام يوسف ص ب 1246 الخرطوم بحري السودان الرمز البريدي 13311 هاتف 00249129092503