لماذا؟
لماذا؟
لماذا يغرق كل هذا الإرث الحضارى قبل أن يتم الكشف عن أهم جوانبه لكل العالم كمركز فخيم فى تاريخ البشرية؟
منقول
--
***منطقة مروي الأثرية:
تقع مروي على الضفة الشرقية للنيل حوالي ٢٠٠ كيلومتر شمال العاصمة الخرطوم و تضم:
أ/ المدينة الملكية: وهى مروي القديمة ،
"وتشمل عدة معابد . كمعبد الآله آمون ومعبد الإمبراطور" أغسطس"
وغيرها من المباني المنتشرة بالمدينة بالإضافة إلى الحمام الروماني.
كما نلاحظ الكثبان المنتشرة بالمدينة وذلك نتيجة لإزدهار صناعة الحديد
التى عرفتها هذه الحضارة حتى أطلق عليها المؤرخون إسم بيرمنجهام
أفريقيا .
ب/ الأهرامات الشرقية : تقع على بعد أربعة كيلو مترات الى الشرق
من المدينة الملكية و تضم جبانتين شمالية و جنوبية يفصلهما مضيق يحتويان على إهرامات ٣٤ ملكاً و و خمس ملكات و أميران.
ج/ الأهرامات الغربية : وتقع بين المدينة الملكية والأهرامات الشرقية،
وهي إهرامات صغيرة الحجم لرجال البلاط الملكي والوزراء كما توجد
بقايا معبد الشمس." (٤).
اختلف الباحثون حول ما إذا كانت مروي عاصمة النهضة الكوشية منذ القرن الثامن قبل الميلاد(الزاكي) أم أنها تبعت نبتة التي يُعتقد أنها العاصمة الأولى للنهضة الكوشية، وتباينت الآراء حول التاريخ الذي انتقل اليها مركز الحكم ٦٦٤ ق م (جاد الله) أو ٥٩١ ق م بعد غزو بسماتيك لنبتة و تدميرها (أركل)، أو ٥٨٣ ق م (دنم) أو ٣١٠ ق م حسب اعتقاد آخر(رايزنر) (١).
قسّم بروفسر عمرحاج الزاكي تاريخ مروي الى ثلاث حقب:
*الفترة المروية الأولى: بدأت بعهد بعانخي (بيّا) سنة ٧٥١ ق م حيث بدأ النشاط العمراني في عهده و بلغ ذروته في عهد تهارقا ثم انحسر بعد غزو الفرعون بسماتيك الثاني و ما أحدثه من تدمير للمعابد سنة ٥٩٢ ق م ، شهدت هذه الفترة اتساعاً للامبراطورية التي وصلت فلسطين شمالا(١).
*الفترة المروية الثانية: بدأت بعهد أسبلتا (٥٩٣- ٥٦٨ ق م) و أقدم نشاط معماري في عهده يظهر في معبد الشمس و استمرت حتى عهد نتكماني في القرن الأول الميلادي (١) . و من مميزات هذه الفترة تطور لغة الكتابة المروية الى الإختزالية. (١)
*الفترة المروية الثالثة: و تمتد من القرن الأول الميلادي حتى سقوط مروي على يد عيزانا ملك أكسوم عام ٣٥٠ م. تميزت هذه الفترة بعلاقات طيبة ربطت مروي بمصر الرومانية. ازدهرت فيها الحركة المعمارية على امتداد الدولة من النوبة السفلى (الشلال الأول) حتى ملتقى النيلين بالإضافة الى سهل البطانة في النقعة و المصورات و جبل قيلي التي كانت تحت الإدارة المباشرة لمركز الحكم في مروي (١). و بالرغم من وجود آثار متناثرة في مناطق أبعد مثل الجزيرة و كردفان إلا أننا لا نستطيع الجزم أنها كانت تابعة للإدارة المباشرة لمروي (١).
أما ملوك و ملكات مروي طيلة الأحد عشر قرناً المتصلة (من ٧٥٠ ق م الى ٣٥٠ م) فينحدرون من سلالة واحدة ترجع الى الجد الأعظم "ألارا" مؤسس نبتة. و كان توريث الحكم عبر إبن الأخت، لذلك حرصوا على تصوير الأم الملكية خلف الملك المتوج لإثبات شرعية حكمه. و في مراحل لاحقة برز دور الملكات في الحياة السياسية حيث تربعن على العرش بدءاً بالملكة "برتاري" (٢٨٠ ق م)، و لعل أكبر الشواهد على بروز دور الملكات حجم هرم الملكة "أماني شاخيتي" (هرم رقم ٦) فهو أكبر أهرامات مقبرة مروي الملكية الشمالية على الإطلاق (١). و قد نالت الملكات ألقاباً تشريفية مثل كنداكة، كدكي و كدور. لقب الأمراء بالألقاب "بكر، بكوري، بكري" أي الأمير المتوج، و "بشتو" أي إبن الملك. و لقب جنرالات الجيش بلقب "بملوش". كما أظهرت الكتابات المروية ألقاباً أخرى لم تعرف معناها و لكنها تدل على وجود نظام إداري محكم أدى الى استقرار الدولة (١).
يذكر بروفسر أسامة عبدالرحمن النور أن الملك أركماني-كو (٢٧٠- ٢٦٠ ق م) كان أول من نقل الدفن الملوكي من نوري الى مروي، و هو أحد ملوك مروي النادرين الذين ذكرهم المؤرخون الإغريق و أشاروا اليه بإسم "أرجمنس"، و في عهده حدثت عدة تغيرات جذرية في مروي حيث ثار على كهنة آمون و دمر معبدهم في نبتة و أعلن الإله أبيدماك إلها رئيسياً للدولة، و كان انقلابه على نظام اغتيال الملوك الطقسي و احتكارالطبقة الكهنوتية للسلطة الدينية والدنيوية (٢). و على الرغم من هذا الإنقلاب على الديانة و التقاليد القديمة لم تختفي الديانة الآمونية كلياً بل أضيفت إليها مكونات محلية جديدة و أجنبية مثل الإغريقية و الرومانية و الآسيوية مما نتج عنه ما يسمى ب"دمج الأديان" و لكن ظل الإلهين آمون و أبيدماك كإلهين رئيسيين. كما ظهرت هذه المؤثرات في الزخرفة الفنية و النحت و الأنماط المعمارية مثل الكشك و الحمام الروماني، مما يدل على أن مروي كانت بوتقة انصهرت فيها العديد من الثقافات عبر إثنيات مختلفة وفدت إليها.
يعتقد أركل أن الإله الجديد أبيدماك ربما يعكس وفود تأثير هندي على المعتقدات في مروي، حيث صور بأذرع و وجوه متعددة (الجدار الغربي لمعبد الأسد)، و قد يكون نتاج إيحاء من البيئة المحلية حيث ظلت الأسود تجوب الغابات حول مروي حتى القرن ال١٩ (١). و في حين تمركز بناء المعابد في المراحل الأولى شمال مروي حيث أعيد بناء و ترميم المعابد التي شيدت ابان الإحتلال المصري عهد الدولة الحديثة في مناطق مثل الكوة و جبل البركل، توسعت المعابد جنوبا منذ القرن الأول الميلادي خاصة معابد الأسد (١). هناك معبدان رئيسيان خصصا للإله الأسد (أبيدماك) في النقعة و المصورات. و في الفترة المروية المتأخرة، برزت عبادة إيزيس بشكل واضح كما كان الحال في مصر البلطمية و الرومانية المعاصرة، و أصبح لمعبدها في فيلة مكانة كبيرة تسببت في اشعال الحروب بين المرويين و الرومان من أجل حق التعبد فيه (١).
اشتهرت مروي بالتعدين لاسيما صهر الحديد لصناعة الأسلحة و الأدوات الزراعية و حتى لأدوات الطبخ و الجراحة والزينة. توجد آثار أكوام و أفران الحديد بكثافة في الناحية الشرقية للمدينة كما توجد في مواقع متفرقة أخرى من المملكة (١). كما تشير دلائل الى صناعات معدنية أخرى مثل النحاس و البرونز و الذهب. و من الصناعات التي اشتهرت بها مروي السيراميك الفاخر و الطوب الأحمر كبير الحجم (١).