في كتيبه النفيس (رؤية أفريقية)، تناول الكاتب النيجيري الراحل شنوا أشيبي بإسهاب الحالة النيجيرية فقال أن مشكلة نيجيريا هي ببساطة ووضوح هي فشل القيادة. لا يوجد خطأ في الأساس في الشخصية النيجيرية ولا يوجد خطأ في أرض نيجيريا أو مناخها أو مائها أو هوائها أو في أي شيء آخر في نيجيريا. مشكلة نيجيريا هي عدم رغبة أو عدم مقدرة قادتها على الارتفاع لمستوى المسؤولية، وطرح أنفسهم كقدوة شخصية.القدوة الشخصية هي علامة القيادة الحقيقية.نيجيريا ليست عصية على التغيير بل يمكن أن تتغير اليوم اذا استطاعت اكتشاف قادة لديهم العزيمة والقدرة والرؤية. أمثال هؤلاء القادة نادرون في أي مكان وزمان لكن واجب المواطنين المستنيرين قيادة البحث عن أمثال هؤلاء القادة وتهيئة المناخ لظهورهم،والا فإن الأشرار سيوالون الهيمنة ويطردون الأخيار،تماما مثلما تفعل العملة الرديئة التي تطرد العملة الجيدة من السوق. إن قادتنا ليست لديهم الأفكار الملهمة والأفق الواسع مثل قادة آخرين في أفريقيامن شاكلة توم مبويا وجوليوس نايريري وكوامي نكروما.إن الموضوعية والانضباط الفكري وسط القادة خصوصا في اللحظات الحرجة من حياة الأمة ليس ترفا أكاديميا بل هو حاجة ضرورية يدفع غيابها بكل الوطن لحالة من القصور العقلي والنمو غير المنتظم. ويواصل أشيبي تشخيص الحالة النيجيرية فيتطرق لغلبة الروح القبلية،ويقول أنها تتجلى في أقبح صورها في كافة الاستمارات الحكومية حيث تخصص مساحة واسعة فيها لاسم القبيلة.يعرف أشيبي القبلية بأنها (التفرقة ضد المواطن بسبب مكان مولده.). وبالاضافة للقبلية،هناك الصورة الزائفة التي يحملها النيجيريون عن أنفسهم،أو ما يعرف بتضخيم الذات. ويقارن في هذا الصدد بين حالتين.حالة ألمانيا وحالة نيجيريا. في عام 1979 قال المستشار الألماني هيلموت شميدت(إن ألمانيا ليست قوة عالمية، ولا ترغب في أن تصبح قوة عالمية)، في حين أن الجنرال أوباسنجو حاكم نيجيريا يقول بكل ثقة وجرأة في سنوات لاحقة( إن نيجيريا ستصبح واحدة من الأمم العشر القائدة في العالم بنهاية القرن).إن من أبرز مظاهر التخلف واحدة من الاعتقادات السائدة للتخلف هي ميل النخب الحاكمة للأحلام غير الواقعية وكأنما سترسو على شواطيء بلادهم سفينة سحرية محملة بكل شي جميل يحلمون بامتلاكه. إن البطل الحقيقي هو من يحب وطنه فعلا لا قولا، وليس من يقول أنه يحب وطنه. يواصل أشيبي تعداد أمراض نيجيريا فيتطرق لغياب العدالة الاجتماعية وعبادة الأفكار الضحلة،والحروب الأهلية التي أفرزها غياب العدالة الاجتماعية وروح القبلية، ويشير بصفة خاصة لحالة عدم الانضباط السلوكي في الشارع وفي مكاتب الدولة وفي مرافق التعليم وحتي في البيت، وهي عادة سيئة يرهن الناس أنفسهم لها على مسؤوليتهم الخاصة. ثم يتوقف طويلا عند ظاهرة الفساد الذي بدد كل عائدات النفط في مشاريع فاشلة أو مشاريع أقيمت بأضعاف تكلفتها الحقيقية أو تبخر هذه العائدات النفطية بالسرقة المباشرةواختفائهافي جيوب بعضهم وفي أرصدتهم البنكية في الخارج. يقول الكاتب أنه متى ما التقي نيجيريان فإن الحديث بينهما سيتطرق عاجلا أم آجلا إلى الوضع في نيجيريا والدعاء بزوال أوجه القصور وانصلاح الحال. حديث يتكرر بشكل يومي مثلما يكرر الانجليز عن الطقس.أمر طيب،لكن الخطورة أن يختزل طرح قضايانا المتعلقة بالموت والحياة في هذه الأحاديث اليومية الروتينية عديمة النفع.لا يمكن لأحد أن يفعل شيئا لمعالجة الطقس وعليه أن يتقبله ويتعايش معه كظاهرة كونية، لكن علاج مشاكل وهموم المجتمعات أمر مختلف،هذه أمور مصيرية لا ينبغي الوقوف أمامها بنفس العجز والاستسلام الذي نقف به أمام ظواهر الطبيعة. عجز القيادات،وروح القبيلة،وغياب العدالة الاجتماعية وغياب الانضابط السلوكي،وتضخيم الذات، واستشراء الفساد،وغلبة الشر، واختفاء عائدات النفط. لكأنما كان شينوا أشيبي يحكي عن السودان! (عبدالله علقم) [email protected]