تقترح مباحث و مساعي ما بعد الحداثة طرقا جديدة للتعبير ,بل تطرح فكرة التعددية الثقافية و قبول الاخر ثقافيا ’ بدلا عن سياسة المحق و السحق التي نمارسها احيانا كثيرة تجاه هذه الثقافة او تلك في بلادنا’ مما احدث بونا شاسعا بين الناس و ضاعف من التنافر و التباعد بين مكونات المجتمع و جعلنا منقسمين ثقافيا كما انقسمنا و انسلخنا و انضممنا رياضيا و سياسيا و لم ننجح في هذه او تلك.حتى انفصلنا بعد ان لم تكفنا مليون ميل مربع لنعيش فيها معا و ذهبنا ايدي سبا و نحن يسب بعضنا بعضا و لم نترك وصفا مسئيا الا وصفنا به هذا او تلك و لا نزال.
اين نحن الان من الهوية الكونية و التي تدغدغ عواطفنا منذ حين, فالحلم هنا يصبح حلم كل انسان من حلفا الي كوستي و من كسلا الي الجنينة, و هذا امر جدير بالاهتمام و نفترضه حاضرا في ضمائرنا و نفرد له حيزا مقدرا في مساحتنا الجمالية و حسب واقع الحال و ما تسمح به السلطة و اهل السلطان و بطانتهم من المثقفين الذين عشعشوا في اركان الوزارات و عاسوا فيها كما يشاءون: فقالت لقد ازرى بك الدهر بعدنا فقلت معاذ الله بل انت لا الدهر و لقد مارسنا ارهابنا الثقافي على الكثيرين حتى تخلوا عن تراثهم خوفا من الملاحقة و الرمي بالاوصاف الخطيرة كالكفر و الفجور و المعاصي و تخلوا عن ملابسهم و ازياءهم خوفا من الخلاعة, و البعض فاخر بالبراءة منها خصوصا بعد ان قبض الثمن مالا و جاها و تعيينا عند اهل الصولجان من الاخوات و الاخوان.و نرى وزير سياحتنا يقر بعدم دخوله المتحف القومي لرؤية اجدادنا و تاريخنا العظيم من ترهاقا و بعانخي و الكنداكة بحجة انها اصنام.’ بينما يتمرغ في نعيم الوالي و اموال المسحوقين و البسطاء و رسوم اطفال الدرداقات و جبايات بائعات الشاي’ فاي حرام اكثر من هذا لو كانوا يعلمون’ و كانهم لم يتعلموا ان من ياكلون اموال هؤلاء فانما ياكلون في بطونهم الممتلئة و كروشهم المنتفخة نارا’ و ان اوداجهم التي تمددت من اكل السحت سيحمى عليها ليذوقوا ما فعلوه بشعبنا المكلوم و الصابر. هذه الحالة الثقافية تحيلنا فورا الي حالات مشابهة من تنازلات و انبراشات قمنا بها مرغمين و راغبين في مجالات شتى ووفقنا اوضاعها فقهيا ’ تارة بالضرورة و تارة بالسترة و تارة بالتقية و خلافها, و علماء السلطان جاهزين هنا بفتاوى الدفع المقدم و اليمين المغلظ و الذي سوف يغمسهم سبعين خريفا في مكان سحيق’ حتى ضاعت الثوابت و تبدى زيف القناع و ترهات الشعارات منذ زمن بعيد. ماذا فعلنا لاجل الهوية الكونية و الضرورة الداخلية و الصيرورة النهائية و المعقدة’ و هل نحن حداثوين فعلا ام صرنا دون ان نعلم اصناما للرجعية و اوثانا للتقليدية, دون شك اننا قد اصبحنا غير مباليين بما يجري من انتقال ثقافي و ابادة الافكار و مصادرة الاحلام, و لم ننتبه لجرحنا الثقافي النازف و الملئ بالقيح و الصديد و نحن منشغلين باوهام الروائع و مهرجانات العلاقات العامة و جماعة شيلني و ااشيلك و الذين نصبوا انفسهم جورا و زورا و بهتانا ’ امراء للثقافة و اطلق بعضهم على بعض الالقاب و ملأوا الصحف بالصور و التقارير الضاربة ’ في اصدق تعبير عن كهنوت الثقافة الذي اتانا به هؤلاء الدهاقنة الجدد.الا ساء ما يفعلون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة