في الأسبوع الماضي قرأت مادتين صحفيتين.. عبر المقال اليومي الراتب لأستاذ الأجيال وعميد الصحافة السودانية الأستاذ محجوب محمد صالح .. في بابه الراتب.. أصوات وأصداء.. فعادت بي الذاكرة سنوات إلى الوراء.. تتجاوز العقود من الأعوام.. فلي مع هذا الباب قصة تستحق أن تروى.. فقد تشرفت ذات عام بأن كنت المسؤول الأول عن استلام مادة هذا الباب من الأستاذ محجوب محمد صالح.. ثم متابعة جمعها وتصويرها وتصميمها في أعلى الصفحة الخامسة من صحيفة الأيام.. كان ذلك في العام 1987.. والأستاذ هو رئيس التحرير وأنا سكرتير التحرير.. كانت تلك مدرسة تعلمت فيها الكثير.. ومنها الدرس التالي.. كنت أفكر كثيرا في تغيير موقع مادة الأستاذ محجوب محمد صالح وبابه الشهير أصوات وأصداء.. كنت أردد في سري.. أن أهم الأعمدة الصحفية ينبغي أن تكون في الصفحة الأخيرة من الصحيفة.. وكان ولا يزال المعيار في الصحف.. أن أهم الأعمدة تكون في الصفحة الأخيرة .. وفِي أسوأ الفروض تكون في الصفحة الثالثة.. بعض الصحف تسمي صفحتها الثالثة.. أولى 2..! الشاهد أنني استجمعت شجاعتي ذات يوم وقلت للأستاذ محجوب.. اريد تحويل باب أصوات وأصداء من مكانه في الصفحة الخامسة.. بدهشة عظيمة سألني الاستاذ محجوب.. ليه ياخي مضايقك في شنو..؟ أسقط في يدي من لهجة السخرية التي بدت منه.. إلا أنني تمالكت نفسي وواصلت.. والله يا أستاذ موقعه غير مناسب.. فسألني.. وعايز توديه وين..؟ فلقت له دون تردد.. في الأخيرة.. أجابني وقد مد شفتيه امتعاضا.. الأخيرة عمرها ما كانت صفحة رأي.. دي بدعة منكم.. قلت له.. طيب تمشي صفحة تلاتة.. وقد بدا عليه الضيق باغتني بسؤال.. إنت يا ابني في أي واحد من القرّاء اشتكى ليك..؟ قلت له وقد فاجأني السؤال بالفعل.. أبدا يا أستاذ لكن أنا بفتكر إنه عمود مهم ولازم يكون في مكان بارز.. من المفارقات أن زاويتي اليومية كانت تحتل الصفحة الأخيرة.. حسم محجوب نقاشي معه بقوله.. يا ابني العمود دا من أكتر من تلاتين سنة دي حتته.. ومن تجربتي مع القارئ فهو قادر يصل للمادة البتهمو أو البتخاطبو مهما كان موقعها في الصحيفة.. فانسحبت من الحوار ومن مكتب رئيس التحرير.. ألملم خجلي وفكرتي البائسة.. وبقيت أصوات وأصداء في مكانها بأعلى الصفحة الخامسة للأيام.. تحمل الدرر.. وتنشر الوعي والاستنارة.. وقبل ذلك المعلومات والتحليل الرصين.. يبحث عنها قراؤها في كل صباح.. وأنا منهم.. للوصول إليها وبدء الصحيفة ويومهم بها..! تذكرت ذلك وأنا أسترجع في ذاكرتي تاريخي في صحيفة الأيام.. مدرستي الصحفية الأولى.. التي تعلمت فيها كل فنون العمل الصحفي.. ويظل الأستاذ محجوب محمد صالح أبرز أساتذتي في هذه المدرسة العظيمة.. ورحم الله ربان الأيام بشير محمد سعيد.. ورحم الله نجمها المتوهّج محجوب عثمان.. ثم التقدير لكل من تعلمنا منه حرفا .. والتحية لكل الزملاء.. الذين عبروا بمحطة الأيام.. والصامدين فيها حتى حلول عيدها الرابع والستين.. فقد انطلقت الأيام في الثالث من أكتوبر1953.
alyoumaltali
العنوان
الكاتب
Date
فلتدم أصوات وأصداء.. في صفحتها الخامسة! بقلم محمد لطيف
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة