بعض الأصدقاء والمتابعين لكتاباتنا المتعلِّقة بالشأن العام ، طالما وصفوا ما ننقله للقاريء من أفكار بأنه مُغرق في الظلامية ، وفيه الكثير من معالم اليأس ، وعدم القدرة على رؤية الجزء المليء من الكوب ، أما أنا فما زلت أحاول بإستماته من أجل إستخراج بارقة تفاؤل ولو كانت على ومضة عابرة في بحر الإحباطات التي يعيشها شعبنا النبيل ، فلا أجد ، هذا الوطن أيها الأصدقاء لا بد أن تجتاحه ثورة التغيير ، حتى لو كان الهدف التغيير في حد ذاته ، فقد تصادفنا الأقدار ما هو متجه لمصلحة البلاد والعباد برحمةٍ من لدنه ومن حيث لا ندري ولا نحتسب ، أما وكنا قد تأكدنا منذ أمدِ بعيد من كون الفساد السياسي والإداري قد إستوطن وتمكَّن في مفاصل الدولة وأصبح في بنيانه الهيكلي جزءاً من منظومة الحكم والإدارة ، ومقبولاً لدى المستفيدين والمتضررين كثقافة إجتماعية جديدة ، فضلاً عن مقدرته على حماية ذاته المادية والمعنوية ، بالقانون الذي أصبح لا يعلو على نافذ ، ولا يُطبق إلا على الكادحين البسطاء ، ثم بالسلطة وقواها التي يُعتبر التجويع والإفقار أهم أدواتها في (كبح) جماح الثورات و(المُنغصات) القانونية ، أما الدستور ولو أنه معيب بعدم الإجماع ونكوص بعض الذين وضعوا لبناته عن عهدهم فقد أصبح في دولة (اللا مؤسسات) غير قادر على حمايته قُدسية وجوده القانوني ، طالما كانت البلاد بأسرها يتحكم في مصيرها ومصير شعبها قِلة من النفعيين الذين أصبحت أبصارهم في مداها لا ترى غير المصالح والمكاسب الحزبية والشخصية ، كنا نعتبر الفساد وحده أُس المعضلة والمعاناة التي يتخبط فيها هذا الشعب الثري في دواخله والفقير في بيئته المعيشية ، لكنا إكتشفنا وباءاً آخر أصبح مؤخراً واحداً من أهم الأدوات التي تزرع في دواخلنا والآخرين مسارات الإحباط وإنعدام الأمل في كون هذه الحكومة قادرة على إيجاد حلول لمشكلات الوطن ومعاناة المواطن ، بل لا أظن أبداً أنه لم يزل في جُعبتها و لو حتى (آمال) أو تطلعات أو (أمنيات) ذات علاقة بقضايا الغُبش البسطاء ، وأصدق دليل على ذلك ما يترى بين كل حين وآخر من إعترافات بالفشل واليأس والإحباط من نافذين وتنفيذيين وأصحاب مناصب عليا وإسترتيجية وأحياناً دستورية ، يفيد بعضها حالة الصلف والتكبّر وهول الشعور بزهو الأنا ، وبعضها الآخر يشوبه العجز والفشل واليأس ، وقد بدأها السيد والي الخرطوم في أول أيام توليه أمر الولاية حين صرَّح تصريح المحبطين العاجزين مُدلِّلاً على ضعف الميزانيات والإمكانيات التي بين يديه بقولته المشهوره (المحلات كلها باعوها وما فاضل شي يِتباع) ، ثم أتى بمثلها الأمين العام لجهاز المُغتربين مًدلِّلاً على عجز الدولة وجهازه البائس عن الوفاء ولو بكلمة بطيبة في وجه آلاف الأسر العائدة طوعاً من السعودية بقولته المشئومة (الدولة ليست منظمة خيرية منوطاً بها توفير العمل للعائدين) ، أما بالأمس القريب وفي برنامج تلفزيوني ميداني ينقل مأساة ما سببته أمطار الخميس من كوارث على قناة سودانية 24 ، مرق إلينا السيد معتمد محلية جبل أولياء بعد أن شاهد بأم عينيه أمهات الغرقى والمصعوقين كهربائياً والأُسر التي تشرَّدت في العراء ، مقولته التي صمَّت أذني وأذن من سمع (لو قلنا نحنا بنقدر نحِل المشكلة نكون كضابين أنا عندي عدد 2 بوكلن فقط) أما معتمدي الخرطوم بحري وأم درمان فقد آثرا الصمت ولم يستجيبا لمحاولات ونداءات وإستجداءات القائمين على البرنامج .. و بعد كل هذا يقول لك بعضهم من أين لك بكل هذا الإحباط والتشاؤم .. اللهم ألطف يا لطيف.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة