معلوم أنّ سلطنة دارفور أُسقطت في المرة الاولى بعد مقتل السلطان إبراهيم قرض في معركة منواشي وأُتبعت لمناطق نفوذ الحكم التركي المصري . لم يمض وقت طويل بعد ذلك حتى ظهرت الثورة المهدية متزامنة مع سلسلة الثورات التي ظل يقودها أمراء دارفور ضد الغزو التركي سعياً لإسترداد سيادة دولتهم ، وبالتالي فلا غرابة في أن تكون نظرتهم للمهدية هي ذات النظرة في أنها دولة إحتلال مادام الحق لايزال مسلوب في أن تكون دارفور سلطنة مستقلة ذات سيادة . ولذلك بدأت المقاومة في العهد التركي واستمرت في عهد الثورة المهدية على أيدي الأمراء هارون بن سيف الدين بن ابراهيم فرض . ثم يوسف بن ابراهيم فرض . ثم عبدالله بكر بن أبكر بن محمد الفضل الملقب بعبدالله دودبنجى ( كان يقيم ايضا جنوب غرب الملم في المكان المسّمى - بوباية دود بنجي - قريبا من شاواية وكان زوجا للميرم تاجا شقيقة علي دينار ) . ثم أبو الخيرات بن ابراهيم قرض . وبالطبع فقد تخّللت المقاومة حالات تعاطف ديني جعلت البعض مثل الامير / عبدالله بكر ابكر محمد الفصل ( دود بنجي ) يلتحق بالثورة المهدية ، بموجب ترتيبات تفاوضية ، وحالات اخرى ترّتب عليها الالتحاق بصورة قسريه كما في حالة السلطان علي دينار . - [ ] ومن صور تلك المقاومة خروج السلطان أبو الخيرات بن إبراهيم قرض (بويع سلطاناً بعد عبدالله دود بنجي) ومعه أناس كثيرون إلى قارسيلا والى ديار السلطان اب ريشه في شمال تشاد إحتجاجاً ومقاومة ً لدعوة عثمان آدم الملقب بـ ( عثمان جانو) وهو أحد أمراء المهدية الذين أُوفِدوا لإستنفار الناس بعد أن تمّ إستدعاء محمد خالد زقل . حرص عثمان جانو لإعتراض أبو الخيرات وجماعته إلاّ أنّه لم يفلح لاختلاف الطرق التي سلكها الفريقان ، وتورد الروايات المتواترة أنّ جيش عثمان جانو قد مارس قسوة منقطعة النظير في سبيل حشد الناس وإرسالهم قسراً إلى المهدية وهذا بدوره أورثه وجيشه كراهية الأهالي ويقال أنّه أثناء تحركه باتجاه كبكابية ونواحيها بلغ الخبر إلى (فقرا) البرقو في تلك النواحي فأعدوا أربعة ثيران ارادوا تقديمها ضيافة لعثمان جانو وجيشه ( ربما عملاً بالمثل الدارج عند اهل دارفور : البلاء بيرفعوه بكرامه ) . تقول الرواية أن هذه الثيران سُقيت أسما ولا أدري هل يُقصد بالاسم (المحايا والتي هي عبارة عن آيات من القران الكريم تكتب بمداد من الفحم ثم تُغسل وتُشرب تبركاً أن تتحقق المقاصد الطيبة ) ، أم يُقصد بها تعاويذ للإضرار بالغير. على كل حال فالرواية تقول : أنّ أفراد الجيش وعند رؤيتهم للثيران لم يتّمهلوا فقاموا برميها وذبحها وتوزيعها قوتاً لعناصر الجيش فكان أثر ذلك أن تفشى مرض الطاعون والذي حصد أعداداً كبيره من الجيش ولم ينج من الوباء عثمان جانو الذي مات بسبب الطاعون ودُفِن في (كبكابية) . أما السلطان أبو الخيرات فقد وصل ومن معه إلى قارسيلا والي شمال تشاد حيث وجدوا ترحاباً من السلطان أب ريشة والذي أكرم وفادتهم وخصص لهم ناحية من أرضه أي (حاكورة) للعيش فيها ويُقال أنّه أي أب ريشة قد زوج إحدى بناته للسلطان أبي الخيرات ويقال أنّ أبا الخيرات قد مكث ومرافقوه حوالي ثماني سنوات وتقول الرواية أنّ بعضاً من عناصر أبي الخيرات وأثناء بقائهم في ديار السلطان أب ريشة يُقال أنهم إستمرؤا اصطياد صبيان الداجو وبيعهم لقبائل السلامات . أُبلغ السلطان أبي الخيرات بهذه الممارسات من قبل الأمير بخيت أحد أبناء السلطان أب ريشة . قام السلطان أبو الخيرات بإسداء النصح لجماعته مراراً لمراعاة الأصول كونهم وجدوا الضيافة الكريمة عند القوم وبالتالي لاينبغي أن يقابلوا الحسنة بالسيئة . لم يُجْدِ ذلك النصح نفعاً وتكررت الممارسات . أسّر أبكر البيقاوي السلطان أبي الخيرات بانّ هذه الأمور وراءها عبد الله محمد دندور وعمك علي (يقصد علي دينار) . اضمر أبو الخيرات ذلك في نفسه وقرر أن يتخذ خطوة حاسمة يعاقب بها المذنب ويخيف بها الأخرين على سياق المثل (دق القراف خلي الجمل يخاف ) ومن ثمْ فقد انتهز فرصة اجتماع القوم عنده وبعد تناولهم الطعام كان أبو الخيرات يجلس على سرير وأمامه سيف فدعا عمه علي دينار قائلاً تعال ياعمي علي فلما جاء قال له : خذ السيف واقطع رأس ( دندور) الآن أمامي ويُقال أنّ دندور هذا صديق لعلي دينار غير أنه يُوصف بكثرة الإجرام ، هنا وفي هذا الموقف الصعب تدخل والد السلطان محمد كبكبيه (من أهل نيالا وينتمون للبيقو) تدخل وأسّر للسلطان قائلاً : نعم سيدي أمرك يمشي لكن الأفضل أن يتم ذلك بعيداً ناحية الخور فقبل السلطان الرأي واشترط أن يُنفذ الحكم وأن يُؤتى له برأس دندور ليراه وبالفعل وكما تقول الرواية فقد نُفذّ الحكم رغم توسل أم ( عبدالله دندور) والتي جاءت تستنجد وتقول ( ياعلي أنت ياتقتلي دندور) وتُكرر العبارة لما تعتقد أن هذا الأمر إن كان حاصل فلا يمكن أن يحصل من علي لما تعرفه من صداقته لابنها إلا أن تلك التوسلات لم تفلح في إبطال الحكم والذي قيل أنه تم بواسطة شخص آخر وليس بواسطة علي دينار نفسه . بعد هذه الواقعة أبدى علي دينار إمتعاضاً فلم يعد يقدم إلى مجلس أبي الخيرات ولأيام متوالية ولعل أبو الخيرات أحس بأنّ الأمور لم تعد مطمئنة ولذلك أهاب قومه بضرورة الرجوع إلى دارفور فضُرب النحاس وحُدد أجلٌ للرحيل إلى دارفور وعند حلول الموعد المضروب للتحرك انطلق أبو الخيرات وأتباعه . ولكن في منطقة (آروّلا) اختلفت الطرق التي سلكوها فسلك أبو الخيرات طريق (آريبو) المؤدي إلى (زالنجي) كما سلك علي دينار الطريق المؤدي إلى موقع قبره المعروف الان. وقد مضت مجموعة مع أبي الخيرات وأخرى مع علي دينار ، وممن كان مع علي دينار كلٌ من أبوه (جد عبدالحميد ضو البيت) ، محمد الفضل (والد زهرة بت فضل) ، وتيراب ولكنهم لم يواصلوا معه المسير و تخلفوا عنه لاحقاً وتوزعوا في نواحي وادي قندي . يجدر ذكره أن ثمّة ملابسة حصلت قتل فيها الأمير أبو الخيرات علما بأنّ علي دينار قد مضى في مسيره حتى وصل (قوبا) في منطقة كِويرا فأرسل بكر (كُبرا) لكلٍ من أبي البشر ودبلال (وأمونقاوي) ، (وكرسى) جد (هارون كرسي) لمقابلة السلطان في (قوبا) حيث نصّب علي دينار نفسه سلطاناً. ذهبت الملوك والشراتي لملاقاة علي دينار في (قوبا) ولعل السلطان كان بتلك الخطوة يسعى للحصول على البيعة غير أن (أمونقاوى) لم يحضر وأرسل رسولاً اسمه عبدالرسول تُوسوه . تفقد السلطان الحضور وسأل عن (أمونقاوى) فقيل له أنّه لم يات ولكن أرسل فلاناً فأبدى السلطان إمتعاضاً وعدم إرتياح لهذا السلوك وعندها سأل قائلاً : لمن تتبع هذه الديار والأراضي التي نحن فيها وهي مناطق (قوبا وكالوكتنج) فقيل له أنها تتبع (للأمونقاوى) فعلى الفور أعطاها لأبي البشر ود بلال ولم يُبق (للأمونقاوى) إلاّ رقعة (كدنير) المعروفة . وماذكر في هذا السياق كذلك أن رسول (الأمونقاوى) وبعد رجوعه سأله سيده قائلاً : (الزول الفتو قابلتوه وبيقول هو سلطان كيف لقيتو حاله) . فعلق الرسول قائلاً : ( هاي أبو .. سلطان شنو ، زول دربه مثل درب فأراي) وكان شاهداً لهذا الحديث أحد الأشخاص من أهل كيلا اسمه (أبيدا تورونكوى) أحد قرابة السلطان علي من أهالي كيلا ولعل هذه التصرفات كانت وراء عدم الإنسجام الذي لازم علاقة السلطان بالامونقاوى طول فترة حكمه . وبعد مُضي خمسة إلى ستة أيام تقريباً حضر السلطان إلى كيلا مع أتباعه وكانت كيلا عامرة في ذلك الوقت وكان أن أخبر الناس بمقدمه فأعدوا وجهزوا لهم النزل ومكث أربعة عشر يوماً ، وهنا حُكي للسلطان علي دينار ما صدر عن (الامونقاوى) ورسوله من حديث . هذا ويُعتقد انّ ثمة اتصالات ربما تكون قد جرت مع عملاء المهدية في الفاشر اثناء وجود السلطان علي دينار في كيلا الامر الذي نتج عنه قرار السلطان علي دينار بالسفر الى الفاشر والتي سافر إليها في جماعة من قرابته من أهل كيلا حيث حدث ما لم يكن يحتسب فحُبس وسُجن لمدة شهرين ثم بُعث به إلى خليفة المهدي في ام درمان . ولهذه الواقعة رواية حكاها السلطان علي دينار بنفسه عما جرى له من أمر المكيدة التي حيكت ضده فأُلبس تهمة إتيانه الخمر وسعيه لزرع الفتنة وتحريض الناس كمُسوق لحبسه ....
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة