مصطلح (عوير) و ( عوارة) من المصطلحات الشائعة و الالفاظ الرائجة في المجتمع السوداني منذ القدم ’ و تم تخليدها في التراث الشعبي و الغناء العاطفي و الحماسي كذلك ’ كاغنية ( تمساح جزاير الكرد) و فيها: من قومة الجهل ما هو العوير و هبيل و الاسد ان نتر لا بيركز نمر لا فيل كما ان كلمات من شاكلة 0 ( ما تتعاور) و ( بطٌل العوارة) يتم تداولها في اليوم الواحد الف مرة او تزيد في مختلف المناحي و شتى ضروب الحياة اليومية و تثُير ما تُثير و يكون لها حديثاً و الحديثُ عندنا ذُو شُجوْن!! بل تجاوز الوصف العادي للانسان لدينا بذلك ليشمل النبات ايضاً ’ حيث يُعرف نوع من النباتات تنمو في الاطراف و في الاماكن الغريبة و لا ثمر لها ’ تعرف بالعوير و التي هي تسمية سودانية خالصة لم يسمع بها اي عالم نبات من الاحياء او الاموات.! و على العموم فلسنا هنا بصدد الحديث عن العوارة بمعناها العريض ’ و لو شئنا لاستفضنا في ذلك و اسهبنا و نحنُ على ذلك لقادرون’ و لكن أود أن اشير الى نوع جديد و قاتل و خطير من انواع ( العوارات) و التي ضربت بأطنابها مجتمعنا السوداني في الصميم و اصابت و لم تُخطئ بسهمها و نبلها و مُحكم تصويبها الكثيرين و الكثيرات من ضحاياها’ ألا و هي ما يمكن تعريفه و توصيفه بالعوارة السياسية (عديييل كده)! و هي مجموعة من السمات و الانماط و االسلوكيات التي تُميز شريحة واسعة من السياسين و القادة و الائمة و الزعماء لدينا قديما و حديثاً ’ و تجعل الناس في واد و ذلك ( السياسي العوير) في واد اخر’ نتيجة لفققدان مهارات التواصل و لغة الجسد و القدرة على الاقناع و الحوار و توصيل الفكرة و التاثير على الغير. ليس هذا فحسب بل الاندماج و الانغماس في اشياء هامشية و معارك في غير مُعترك و بطولات مُزيفة و اوهام و احلام زائفة ’ و قُدرة عجيبة على عدم الفهم و الادراك للمجرى العام لللامور و تحليل الواقع بما يتماشى مع العقل و المنطق و الوجدان السليم و لا يُثير الدهشة لدى الرجل و المواطن العادي و يجعل الوطن يتألم من صنائع ابناءه الاذكياء و الحصيفين منهم و ( العوراء) على حد سواءْ!!
و للتدليل على ذلك فلا زال اهل الحكم عندنا يسمعوننا صباحاً و مساءً و غُدواً و رواحا’ حكايات التسامح و مد الايادي البيضاء و صهر الجميع في بوتقة واحدة و العفو و التناسي و يسكبون الدموع مدرارراً امام الشاشات و لا تزال اجساد الشهداء ندية رطبة تشكو الي ربها جور العباد ’ و معلقة ارواحها بين السماء و الارض بلا معرفة من قتلها و باي ذنب’ و دون قصاص او محاكمة او حتى اعتذار او دية! كيف يُعقل ان تكون كل دول جوارنا على علاقة دبلوماسية و اقتصادية و عسكرية قوية للغاية مع اسرائيل ’ بينما نحنُ فقط ووحدنا في محيطنا الافريقي لا نزال متمسكين (بالعدو الاسرائيلي) و حكاية (كل الاقطار الا اسرائيل) لنحمل جوازات سفرنا للعالم كاكبر دليل على (عوارة) حكوماتنا المتعاقبة بما فيها حكومة سارقي الثورة الحاليين و الذين يشكلون امتدادً للعوارة الثورية لسابقتها العوارة الكيزانية!! لازلنا نبني علاقاتنا الخارجية على حسن النية و سلامة الطوية و حُسن الاخلاق و حب الخير للاخرين في زمان المصالح المشتركة و التحالفات و اللوبي الخارجي و توازنات القُوى’ حتى اصبحنا الدرويش العربي و الافريقي بلا مُنازع الا من ههبنقة و ابو دلامة و سعدون المجنون و ابو جوالق ’ و لو كان النيسسابوري حياً لترك هؤلاء العوراء و خصص كتابه فقط لنا في بلادنا المنكوبة بالعوراء و الحمقى و المجانين!! لازالت حكومتنا الفاضلة تعتقد ان الجميع خلفها و انها وان كانت الاخيرة زمانها ستأتي بما لم تستطعه الاوائلُ. و لازال رئيس وزراءها المُوقر يملؤه الاعتقاد و يسود لديه الظن ’ بانه مُحًد الشعب و حادي ركبه الميمون الاوحد ’ و أنه قد جاءنا مُبرئاً من كل عيب و كأنه قد خُلق كما يشاء ’ و أن نساء السودان الجريح كلهن قد عجزن عن أن ياتين بمثله و لو كان بعضهن لبعض ظهيراً و عضددا. هل هنالك عوارة اكثر من هذا و تلك’ دون شك ان العوارة السياسية هي آفة و متلازمة خاصة اصابتنا و كما اصابت حكومة ثورتنا الوليدة و التي لا تزال تواصل طقوس العوارة السياسية و الدروشة الحكومية في ابهى صورها و أنقى تجلياتها’ و كانها لم تسمع بمن قال: لا يغرنك ما ترى من اناس ان تحت الصدور داءً دويا فضْع السوط و ارفع السيف حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا فيا حكومة ثورتنا المجيدة ’ رجاءً ( بطلوا العوارة بتاعتكم دي) ’قبل ان ياتينا صبح الظلام مرة اخرى و اني لا اراه بعيدا بل قريبا ان كنتم فاعلين!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة