كان اليأس الشديد يمثل الصورة السائدة في الوجوه .. تلك الوجوه التي طال وقوفها في صف الخبز الطويل لساعات عديدة .. البعض منهم كان يتأفف من وقت لآخر .. وهو يشتكي من تردي الأوضاع يوماُ بعد يوم .. تلك الأوضاع التي أوصلهم إليها عمر حسن البشير بعد ثلاثين عاماُ من الوعود الكاذبة الرنانة .. وبالرغم من أن صاحب الفرن قد أعلن للواقفين بأن الكمية المعدة من الخبز لذلك اليوم قد نفذت ولا يوجد خبز إلا في اليوم التالي إلا أن أغلب الواقفين في الصف لم يغادروا الصف .. وحين يسألهم أحد عن السبب كانوا يجيبون بالإجماع : ( سوف نظل واقفين في الصف حتى ينام الصغار في بيوتنا ) .. وبعد ذلك سوف نعود وهم نيام من شدة الجوع .. ثم بدأ الواقفون في أحاديث وحوارات جانبية .. كل مجموعة على حده .. ثم فجأة قال أحدهم للشخص الذي يقف أمامه : ( هل سمعت ماذا قال البشير هذا اليوم ؟؟؟ ) .. وعند ذلك بدأ الجميع يسترقون السمع باهتمام شديد والكل يميل بأذنه ليستمع الخبر الجديد المثير .. ولسان حال الجميع يقول : ( القول ما يقوله عمر !!! ) .. فقال الرجل : ( يقال أن البشير همس في أذن أحد أصحابه المقربين وقال له بالحرف الواحد : المفروض أن يموت الثلثين من الشعب السوداني حتى يعيش الثلث !! ) .. وعند ذلك انتفض الجميع في الصف مذعورين وكأن صاعقة قد سقطت عليهم .. وفي ثواني معدودة كان الهرج والمرج يعم المكان .. الكل في ذعر شديد وقد فقد الاتزان والوقار .. بدأ أحدهم يبحث عن نعاله وهي مازالت في أقدامه .. والآخر بدأ يسأل عن سفة السعوط التي كانت في فمه !! .. ويقول : هل بلعتها أم رميتها على الأرض ؟؟ .. والثالث بدأ يسأل عن الكيس التي أتى به من الدار والكيس مازال في يده !!.. ورابع أعتلى فوق طاولة من طاولات الخبز وبدأ يخطب في الواقفين قائلاُ : ( الموت حق ،، ثم بدأ يردد الشهادتين !! ) .. والخامس أمسك بالنعلين في اليد وشمر الساعدين ثم ربط البطن بالعمامة وهم بالركض وهو ينادي ويقول : ( يا روح ما بعدك روح !! ) .. والسادس بدأ يسأل المتحدث منزعجاُ ويكرر السؤال مرات ومرات ويقول : ( يا زول هل أنت متأكد أن البشير قال الكلام دا ؟؟ ) .. ويجبيه سابع ويقول له : ( يا زول لا تصدق أي كلام !! .. فهو مجرد إشاعة في إشاعة !!) .. والآخر بدأ يهلوس ويسأل الواقفين قائلاُ : ( هسي أنا أعرف كيف روحي مع الثلثين أو مع الثلث ؟؟ ) .. وآخر يردد عبارة : ( دي آخرتها يا البشير ؟؟؟ ) .. وآخر حين جاء إليه ولد من أولاده وقال له : ( أمي بتقول ليك أتأخرت كتيراُ وين العيش ؟؟ ) فيجيبه منزعجاُ : ( يا زول تطير أمك وتطير العيش !! ) .
والعجيب الأعجب ان مقولة عمر البشير تفشى في كل أرجاء السودان في دقائق معدودة .. وقد عمت البوادي والحضر !!.. ودخلت الناس في هلع شديد .. ثم كانت السبب في شرارة الإشعال التي انطلقت من مدينة عطبرة !!..ثم كان ما كان من الأحداث والانتفاضة .. فهل قال البشير تلك المقولة حقاُ ؟؟ .. أم هي كانت مجرد إشاعة من الإشاعات ؟؟ .. وفي كل الأحوال فإن تلك المقولة قد مثلت النهاية لعهد دام ثلاثين عاماُ .. وتظل المقولة في ذمم القائلين .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة