لم أكن أريد للأمور أن تسير بالوجه الذي سارت عليه . أي ما كنت أريد للتغيير أن يكون بكلفة دماء و معاناة الشباب ، و تدخل المؤسسة العسكرية ، التي كثيرا ما اشتكينا تدخلها في عملية التطور السياسي ، و أن تكون شريكا في عملية التغيير بطلب من مفجري الثورة و قادتها . كما لم أكن أرغب أن يجبرنا الوضع الجديد على التصالح مع العقل السياسي القديم الذي كان له النصيب الأوفر في الحضيض السياسي و الاجتماعي الذي وصلنا إليه . و لم أكن أرى أن تلك الدماء المبذولة و المصالحة الاجبارية مع العقل السياسي القديم و جرجرة القوات المسلحة للتدخل في المسار السياسي ، ضروريا لإنجاز عملية التغيير . لأنها ، في أفضل حالاتها ، تجعل طريق التغيير وعرا و طويلا . كنت في المقال السابق دعوت إلى تحويل الطاقة الاحتجاجية إلى طاقة انتخابية ، وسيلة ناجعة للتخلص من العقل السياسي السائد عموما و الحاكم خصوصا ، و ذلك حتى نتفادى طول و وعورة الطريق ، و أن أصواتنا كانت محروسة بشاب لهم مخالب و أنياب . كما استهجنت استسخاف دعاة التغيير أن يكون الخبز أقوى دوافع الثورة ، لأنه هو الذي دفع الطبقة الوسطى الجديدة لتفجير الثورة ، و ذلك بوعيها الفردي الذي اكتسبته من تجاربها المريرة التي أجبرت على خوضها إبان سني حكومة "الإنقاذ" الإسلامية . و هو بالضرورة وعي أنتجته تلك التجارب و لم يخرج من ماعون حزبي ، بل لا يتسنى لذلك الماعون ضمه إليه . و قلنا ، أيضا ، إن ذلك الوعي الفردي للطبقة الوسطى الجديدة قد التقى أخاه الوعي الفردي الذي اتفق للشباب و سارا معا بحثا عن مجرى التغيير . إلا أن الطبقة الوسطى الجديدة عادت أدراجها لأسواقها و مفارشها عندما تم استسخاف مطالبها المتعلقة بالخبز . و حسنا فعلت قيادة التغيير بتضمين الخبز في تسمية شعار مسيرتها الظافرة في السادس من أبريل 2019 ، و هكذا ولد شعار "مسيرة الخبز و الحرية" . على أية حال ، رأى الشباب و قادتهم ضرورة هذه التضحيات الكبرى ، و أنها السبيل الوحيد للتخلص من هذا الكابوس اللعين ، كما رأوا ضرورة جرجرة القوات المسلحة للانخراط في المسار السياسي و معها قوات مسلحة أخرى ، كما رأوا أن لا بأس بالتصالح مع العقل السياسي القديم و لو إلى حين . و ذلك ، يا ابن ودي ، طريق طويييييل و وعر للتغيير و التعافي ، و لكنه طريق على أي حال . فليسر فيه الشباب سيرا ، إذن ، و ليتعلموا من أخطائهم ، ف"السايقه واصله" ، و الألف خطوة تبدأ بخطوة . كما يجب أن يعلموا أن ليس هناك شيء مقدس سوى "الخبز و الحرية" ، فليبنوا تحالفاتهم عليها ، و ليفضوا تحالفاتهم بها ، فهي المسيرة القاصدة فحسب ، و يتعلموا من الأيام . و بالرغم من الكلفة العالية و طول الطريق و وعورته ، أحب ان أعرب عن ارتياحي النفسي الكبير الذي أشعر به ، لأنني لن أرى البشير يهز عصاه مع كل كذبة مجددا بعد اليوم ، و لن أرى تلك الوجوه و هي تتنعم بمال الفقراء الذين كانت تسرقهم بالفهلوة حينا ، و باسم الله حينا آخر . فقد طويت ، الآن ، حقبة سخيفة من عمر الشعب السوداني ، فقد فيها هيبته و مكانته بين الأمم ، و جعلت أدناهم يستحقر بلادنا بسبب ذلة و وضاعة حكام حكموه في غفلة من الزمان . شكرا لك أيها الشباب . فغضبك ما يزال جميلا زي بسمتك .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة