لم تكن مفاجأة أن يستهدف طلاب جامعة أم درمان الإسلامية الثائرين جمعية ود نميري الخيرية إبان انتفاضة أبريل.. كان العقل الجمعي للسودانيين يعتقد أن الجمعية تمثل واجهة الفساد المؤسسي في البلاد.. لكن بعد انقشاع موجة الثورة اكتشف الناس أن جعفر نميري وأسرته الصغيرة لم يملكوا من حطام الدنيا إلا بعضًا من ميراث الآباء والأجداد في حي ود نوباوي العريق.
قرأت قبل أيام عن تسريبات في الإعلام تتحدث عن تعقب السلطات السودانية لحسابات بعض من يشتبه في فسادهم بمصارف دولة ماليزيا.. وعلى ذات المناخ المواتي بدأت بعض الأقلام تستغل منصات الـ (سوشيال ميديا ) في فبركة الأكاذيب عن حسابات فلان وعلان.. سيناريوهات تفتقد المنطق لكنها قابلة للتصديق عند عامة الناس.. ليس من السهل كشف حسابات البنوك الماليزية لجهات أجنبية.. حتى لو كان الخبر صحيحًا بمعنى أن حكومتنا شرعت في ذلك فمن الأفضل ترك الأمر سرًا حتى لا تهرب الأموال لجهات لا يمكن الوصول إليها.
حسنا فعلت الأجهزة الأمنية بنفي خبر اكتشاف مبلغ مائة وعشرين مليون دولار في بيت ضابط سابق.. منذ الوهلة الأولى كان الخبر عصيًا على التصديق.. لكن في ذات الوقت لم يكن من صنع صحافتنا.. هنالك من يحاول الاصطياد في المياه العكرة ويوظف الأجواء المواتية لتحقيق أهداف آنية.. لكن مثل هذه السيناريوهات تطرح سؤالًا محرجًا أين كانت الدولة وكل ذلك الفساد يحدث.. وجود أي فساد يعني أن ثمة غطاءً سياسيًا وإمدادًا إداريًا.. الفساد الكبير يحتاج لتدابير تشمل عددًا كبيرًا من الأفراد.
الآن الناس تعيش ظروف قاهرة.. مازالت صفوف الوقود تتطاول حتى بعد أن عادت المصفاة لحالة الصفاء.. الغاز في ندرة.. فيما عادت صفوف الخبز لتضيف بعدًا جديدًا وحزينًا لموسم الأزمات.. ليس أمام الحكومة خيارات سواء رفع سعر الخبز وزيادة قيمة الوقود.. هذا يعني ارتفاع حالة التوتر الاجتماعي.
في تقديري من المهم جدًا ضبط الخطاب الإعلامي لحملة الحرب على الفساد.. من السهل جدًا استثارة حماس الناس بدواعي مكافحة الفساد.. لكن يمكن للتناول العاطفي لهذه الحرب أن يحولها لذخيرة حية تهدد السلام الاجتماعي.. صحيح أن رفع شعار مكافحة الفساد أمر في غاية الأهمية..على أقل تقدير أن هذه الحملة أوقفت معظم عمليات الفساد .. الآن كل من يحمل قلمًا يتردد عشرات المرات قبل أن يمهر أمرًا بالموافقة.
بصراحة.. من المهم جدًا التعامل بحذر في تجريم الناس وأخذهم بمجرد الشبهات.. المناخ قابل للاشتعال.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة