إستطاعت شابة سودانية ناصعة الضمير وبرَّاقة الدواخل وصلبة الإرادة تُدعى (قبس) ، أن تفتح باباً على مصراعيه لبنات حواء السودانية في الدفاع عن أنفسهن ضد المتحرشين في الشوارع والأسواق والمركبات العامة ، ذلك كونها إستطاعت أن تسبح ضد تيار الإتجاهات العرفية والتقليدية التي يدفع بها مجتمعنا لما يمكن أن تقوم به النساء من ردة فعل تجاه مثل هذه الجريمة الشنعاء ، رفعت قبس بلاغاً جنائياً ضد أحد المتحرشين ، وكان ذلك في موقف للمواصلات العامة بالخرطوم ، وواصلت بإصرار في الإجراءات العدلية لبلاغها إلى أن أوصلته إلى المحكمة المُختصة ، ثم ظفرت أخيراً بحقها الأصيل في الحصول على الأمان والإحترام وهي ترتاد الشوارع والمرافق العامة وذلك عبر حصولها على حكم من المحكمة يُدين الجاني ويقضي عليه بالسجن 6 أشهر والجلد 75 جلدة والغرامة 1000 جنيه ، والمغزى من ما حدث أن قبس أثبتت أن حالة التحرش مهما كانت بساطتها ولو لم تتعدى الألفاظ الخادشة للحياء تستحق أن تُتابع قانونياً بإصرار وعزيمة ، إنطلاقاً من كونهِ تعبير مباشر عن إسترداد الفتاة لكرامتها وكبريائها وإحترامها كإنسان ، وما حدث في ذات الوقت هو إشارة من الإشارات التي يمكن أن تُساهم في تغيير نظرة المجتمع الذكورية للمرأة حال خروجها من بيتها لقضاء حاجاتها الضرورية كالذهاب إلى المدارس والجامعات والعمل والتسوُّق وغيره من المتطلبات الأخرى في أمانٍ وسكينة تضمن لها عدم التعرُّض للتحرش والذي تتفاوت أنواعه إبتداءاً من النفسي واللفظي وإنتهاءاً بالجسدي ، لذلك وجب علينا أن نشجع ونشدُ من أذر كل فتاة سودانية تنشط وتصرُ على متابعة ومقاضاة كل من يتحرش بها دون شعور بالحياء ولا الخجل أو الإتهام بالسفور والمبالغة في ردة فعلها تجاه الموقف المعني ، لأن الصمت والتغاضي السائد الآن تجاه ما تعانيه الفتاة في المواقف والمركبات والمرافق العامة من تحرش ومُضايقات بواسطة ضعاف النفوس من المُتفلِّتين أو أولئك الذين يعتقدون أن كل فتاة تقف على الرصيف في إنتظار المواصلات هي على إستعداد لمرافقته في عربته الخاصة ، مُهدِّدين بذلك أمن الشارع السوداني وأخلاقياته وقيَّمة الدينية والعرفية هو سبب مباشر لإستمرار هذه الظاهرة وتناميها ، وهو في نهاية الأمر تقنين (ضمني) و(مُستتر) لسيادة آفة الإستعلاء الذكوري في مجتمعنا وعدائيته المبدئية لتحرُّر المرأة وعدم إعتدادهُ وإحترامه لريادتها ومشاركتها الفاعلة في مسيرة التنمية العامة وبناء المجتمع ، ولتتعلَّم فتياتنا من قصة قبس أن الحياء والأدب والخلق النبيل لن يقف أبداً حائلاً دون المطالبة بحقهن في التمتع بالإحترام وصيانة كرامتهن وكبريائهن في الشوارع والمركبات والمرافق العامة ، أما عُصبة الرجعية الذين يميلون في مثل هكذا قضايا إلى الحديث عن تفاصيل ما تلبسه الفتاة في الشارع ودوره في إثارة غرائز المتحرشين ، لا رد لهم عندي سوى أن أقول (ولو كان ما ترتديه الفتاة فيه من الإبتذال ما فيه) فإن ذلك لا يعطي هؤلاء المرضى النفسيين الحق في التحرُش وفي ذات الوقت لا يحرم الفتاة حقها في مقاضاته وخضوعه للعقاب ، وللمجتمع عبر آلياته الرسمية كالشرطة والمؤسسات الإجتماعية والدينية ، وغير الرسمية كالأسرة والمنظمات والهيئات الأهلية أن تعمل على حماية الشارع العام من ما يؤذيه من ممارسات أخلاقية تتعارض مع التقاليد والعُرف والدين ، و لكن على المستوى الفردي فليس لأحد الحق في الإتكال على أيي نوع من المبررات (يُبيح) له التعدي على فتاة مهما كان ما ترتديه من زي ، تحية الإجلال و التقدير والإحترام للرائدة بت الرُجال قبس ، التي هي و بلا جدال إسمٌ على مُسمى.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة