كانت تلك المرة الأولى أن يطلب منا الشيخ حسن الترابي أن نبعد هواتفنا.. في آخر ليلة من يناير ٢٠١٦.. كان الشيخ يتحدث بحماس أن الحوار الوطني سيؤسس لبداية جديدة في التوافق الوطني.. حينما تشككتُ في الأمر نعتني بعسر الفهم.. كانت رؤية الشيخ أن الحوار سينتهي بمجلس وزراء صاحب سلطة واسعة لا يملك رئيسه إلا صوت الترجيح.. الأهم من ذلك أن انتخابات عام ٢٠٢٠ ستفرز جمعية تأسيسية منوط بها وضع دستور دائم.
كلما يمر يوم أزداد يقيناً أن الإنقاذ تحاول دائماً شراء زمن إضافي بأغلى ثمن.. الحوار الوطني كان فقط مجرد هدنة لالتقاط الأنفاس وجذب عدد من المعارضين لداخل الملعب بعد منحهم ما لا يستحقون من المناصب.. الفكرة الأساسية المجربة أن معظم الثوار ينتهون إلى مجرد هتّيفة يمجدون السلطان بعد أن يتذوقوا مذاق السلطة الذي لا يُقاوَم.. حتى هذه اللحظة تبدو الخطة ماضية بكل تفاصيلها.. نسي المعارضون السابقون دعوتهم للحريات.. تجاوزوا كثيراً من القناعات بحكم ضرورات المرحلة الجديدة.
علينا أن نلتقط إشارات متفرقة ستكون أخبار الغد بعد تجميعها.. الدكتور فيصل حسن إبراهيم مساعد رئيس الجمهورية تحدّث عن تعديل لوائح الحزب الحاكم وربما تعجيل مؤتمره العام.. صحيح أن إطار حركة الرجل يبدو داخل دار الحزب الوطني.. لكن الحقيقة أن تعديلات اللوائح هي مجرد الخطوة الأولى في تعديلات ستشمل كل شيء.. في عطبرة تحدّث الدكتور فيصل عن الدستور الجديد بالقدر الذي يجعلنا نتحسس رؤوسنا.. الدستور المعني ليس دستور الحزب بل هو دستورنا جميعاً.
مخرجات الحوار الوطني تحدثت بوضوح أن آجال المؤسسات الحاكمة تنتهي في العام ٢٠٢٠ بانتخابات عامة.. هذا النص القاطع يقطع الطريق أمام دعاة الانتخابات المبكرة.. كما أنه من المهم أن تمتلك المؤسسة التشريعية القادمة تفويضاً شعبياً يجعل لها القدرة على كتابة الدستور الدائم.. لا يجدر بنواب معينين أو من نالوا استحقاقهم الدستوري في انتخابات مخجوجة لم تحظ برضا جميع القوى السياسية لا يجدر بهم أن يقرروا مصير البلاد الدستوري.
في تقديري.. مطلوب من جميع القوى السياسية حتى التي لم تنخرط في الحوار الوطني أن يشددوا على ضرورة الالتزام بمخرجات الحوار الوطني.. مسيرة الحوار يمكن أن تكون شوطاً أول يصلح البناء عليه.. كما أنها تمثل امتحاناً حقيقياً لمدى التزام الحكومة بالمواثيق والعهود.. لهذا علينا أن نناصح إخوتنا في الحزب الحاكم أن يتعلموا من الأيام عواقب تصفير المواقف في كل حين وعند أول اختيار.
بصراحة.. أي حديث عن دستور جديد قبل انتخابات عام ٢٠٢٠ سيصبح في حد ذاته تجاوزاً على روح الدستور الحالي.. علينا ألا نتعامل مع الدستور مثل صنم العجوة نحترمه جداً.. ولكننا نلتهمه مع أول إحساس بالجوع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة