الهَيصة والهَيلة والهيمانة التي تضجُّ بها الأسافير ومواقع التواصل الإجتماعي والصحافة الورقية هذه الأيام كتداعِي و رد فعل لإقالة ياسر عرمان من سكرتارية قطاع الشمال ، ومُذكرة الإستقالة المسبَّبة من عبد العزيز الحلو عن موقعه كنائب لرئيس الحركة ، هي مشاهِد ومناظر لواقعين شديديّ الوضوح .. أولهما ظاهرة الحقد العميق ، والسذاجة الأعمق ، من أعداء الحركة الشعبية في الإعتقاد بأنَّ هذه الأحداث إيذان بإنهيار الحركة الشعبية أو إنشقاقها وتمنِّيهم ذلك.. وثانيهما .. من الوجه الآخر ، التشنُّج الحاد والإنفعال الهَمجي الذي قابلت به غالب عضوية الحركة الشعبية هذه الأحداث وكأنَّهم أيضاً يتوهَّمون بأنَّها نهاية الحركة الشعبية أو إنشقاقها وبالتالي الجُنوح للمُبالغة في العواء والعويل ، والإستماتة للدفاع عن الحدثين بالإنحدار لدرجة الغوغائية والبُعد عن الموضوعية والخروج عن المنطق ، وترديد شعارات محفوظة ومكررة بلا مضامين.. الواقع إن الحركة الشعبية مصابة بخلل وعُطب مفصلي ستطول معاناتها مما يسببها لها من آلام وأوجاع إن لم تتواضع مؤسساتها للإعتراف بهذا العطب والخلل ومحاولة معالجته ، وهو مرض التناقض والتبايُن الواضح جدَّاً بين العضوية في فلسفة وتفسير شعارات وأدبيات وأهداف الحركة الشعبية ، والثورة بشكل عام ، ومحاولة بعض العضوية الهرولة من آخر الصف التنظيمي إلى واجهة المُقدِّمة للتصدِّي وتصدُّر الحديث وفق تفسيرات وتعليلات غاية في الإسفاف والسطحية ، في قضايا هي من إختصاص القيادة والأجهزة التنظيمية.. ــ ما حدث من إقالة لشخص (واحد) ، وإستقالة من شخص (واحد) آخر ، لم يكن يستحق كل هذا الضجيج ، أولاً من حيث المنطق والموضوعية المؤسسية لكون المؤسسة الحزبية تقوم على رؤية وأهداف وضوابط ودستور ولوائح وهياكل لا علاقة لها ببقاء أو ذهاب أفراد ، وثانياً من حيث مُقارنة ذلك بأحداث جسيمة واجهت الحركة الشعبية في تأريخها أقواها وأشهرها إنشقاق د. رياك مشار عن د. جون قرنق ، ثُمَّ ما تبعه من مجموعات كاربينو كوانين بول ، لام أكول أجاوين ، الأستاذ محمد هارون كافي ويونس دومي كالو .. إلى آخر المجموعات .. ثُمَّ موت د. قرنق ويوسف كُوَّة القائدين المُؤسسين للحركة على المُستوى القومي وجبال النوبة ... إلى آخر مثل هذه الأحداث والمحطات فلماذا كل هذا الهُتاف والتشنُّج بسبب ياسر عرمان وعبد العزيز الحلو !!؟؟.. بل حتَّى في تجارب الآخرين فإنَّ ثورة الإنقاذ الوطني التي إنشطرت وتشظَّت إلى : مؤتمر وطني ، وشعبي .. سائحون .. الإصلاح الآن .... إلخ ، وأرسلت بعض أقطابها وأعمدتها ورموزها إلى منازلهم وبعضهم إلى ما وراء الشمس بدءاً بعرَّابهم الترابي ، إلى الزبير ، شمس الدين ، على عثمان ، نافع ...إلخ ، لا تزال تقبض على كل المفاصل بيد من حديد.. ــ جزء كبير من هذه الظاهرة وهذا الخلل البائن في الحركة الشعبية يعود إلى طبيعة التركيبة العضوية الهجين للحركة الشعبية والجمع بين كائنات بالغة التناقض دون أدني محاولة لتوحيدها فكرياً بإستيعاب أناس ــ خاصة في صفوف الأجيال الجديدة من عضوية الحركة الشعبية ــ متساقطين من ثقوب تنظيمات فكرية مُغايرة تماماً من الجهاديين والدبَّابين ، والإسلاميين الأصوليين و(الوصولين) ، وأنصار السنَّة ، والبيوتات الطائفية (حزب الأمة ، الحزب الإتحادي) ، والصوفية ، ويساريين علمانيين ، وبعثيين عروبيين ، ... إلخ ، دون أن ينظِّفوا عقولهم من أفكارها القديمة فجنحوا إلى التعاطي مع قضايا الحركة الشعبية بذات خلفياتهم القديمة في عبادة الأشخاص والإعتقاد بأن (التنظيم ، الحزب ، الطائفة ، الطريقة) هي الأسماء والأشخاص وليس الأهداف والمبادئ ، منطلقين من مخزون ومفهوم الـ(concept) الباطن عن (أمير) و(إمام) الجماعة .. و(سيِّد) و(راعي) الطائفة .. و(خليفة) و(مُرشِد) الطريقة.... إلخ. ــ والآن مثل ما تنبَّأنا تماماً في كلمات سابقة ظهر المنافقون والمهرطقون والسابحون مع كل تيَّار وموجة ليقولوا .. إن الخلاف شئ طبيعي ودليل عافية .. إن هذه الخطوة لن تؤثر في مسار الحركة وستخرج منها وهي أكثر .. فإذا كان هؤلاء يؤمنون بهذا حقَّاً وصِدقاً فلماذا إستنكروا هذا الحق وهذا الشئ الطبيعي على الآخرين حين قالوها وإتهموهم بأنهم مخرِّبين ويريدون إضعاف الحركة ...إلخ ، وفصلوهم وأحالوهم للمعاش في أغرب إجراء في تأريخ الحركات التحررية ، فالثوري يتم حتى إعدامه حين إتهامه بالخيانة أو القصور ولكن (الإحالة للمعاش) من صفوف التُوَّار لم يأتي به إلا عرمان والحلو وشلتهما الوصولية.. وهذه حالة الإنتهازيين الببغائيين في أي زمان وأي مكان وداخل أي تنظيم ، يسبحون دائماً مع تيَّار من بيده السلطة والقرار والأمر والنهي ، وهؤلاء أبعد ما يكونون عن وصف الثورية والنضال ، فهم مجرد سَدَنَة كراسي وعَبَدَة أسماء ولا تتغيَّر عقولهم ولا سلوكهم مهما غيَّروا الأماكن ومهما تشدَّقوا بشعارات ، إئما هم دائماً مع الزعيم و الـ (boss) فالحق دائماً معه يتقلّب به حيث شاء وكيف شاء.. فلا يمكن لعاقل أن يقول أن الحركة الشعبية كانت تسير نحو الأمام وهي تبعِد من صفوفها (بالإبعاد القسري) رموزاً بالجملة من أمثال : إسماعيل خميس جلاب .. تلفون كوكو أبوجلحة .. رمضان حسن نمر .. أحمد بلقة أتيم .. أبكر آدم إسماعيل .. ياسر جعفر سنهوري .. صديق منصور الناير .. وعشرات ممَّن هم في وزنهم ، وتقدِّم في نفس الوقت أصوات ببغائية مهرطقة تسبِّح بحمد عرمان والحلو ليل نهار من أمثال أنصاري السُنَّة مبارك عبدالرحمن أحمد (أوردول) ، والدبَّاب قمر ضلمان (جاتيقا أموقا) ، وغيرهم من الذين عملوا حتَّي على تغيير أسمائهم في إطار مبالغتهم في الإدعاء بأنهم قد غيَّروا جلودهم القديمة لمواكبة مزاج تلك القيادة المزاجية.. ــ بديهي أنَّ كل الفقاقيع والبالونات التي إنتفخت وطفحت في الفضاء بسبب إهتمام الحاقد الفاسد الكاسد عرمان بالمطبلاتية والهتافلين وماسحي الجوخ وكساري التلج سيعودون إلى أحجامهم الحقيقية تحت أحذية الثُوَّار الحقيقيين الصادقين.. ..و ستسير القافلة ولا يصح إلا الصحيح مهما تعالت أصوات البراميل الفارغة بحسب الحكمة الإنجليزية (empty barrels make much noise )..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة