يبدو المناخ الثقافي و الاجتماعي و السياسي معتما فيما يخص تنشيط الحركة الخلاقة و الابداعية و الارتقاء بالعلم و الاداب و الفنون , من ناحية اهمال االفنانين و المبدعين و الاقصاء و التطفيش للاخرين و حجب الميزانيات و الامكانات و تعرية المشهد الثقافي ليصبح قاعا بلقعا , الا من محاولات خجولة هنا و اخرى هناك. يقول كولين مارتيندال ان الانتاج الابداعي يحدث و ينمو في سياقات اجتماعية مترابطة و منظمة و ممرتبة و ليس في سياق معزول , و كما ينمو في ظل الحرية و الانفتاح و ليس البطش و الانغلاق و الصيرورة الي نقطة التلاشي الثقافي و التي تعني دمارا و نهاية حتمية للامم. و يجب ان نشير الى ان التغيير الحقيقي هو الذي يؤثر في الناس و المجتمع و ليس الفكرة او المنتوج الابداعي فقط.بل ان المجتمع الذي يحدث فيه الابداع هو المسئول عن الارتقاء بالفن و توفيرر ظروف الاستقرار و النمو و الازدهار. و حين يكون الواقع الاجتماعي و السياسي محفزا ’ تزدهر الفنون الى ااقصى الاماد مثل ما حدث في مصر الفرعونية الاسرة الثامنة عشرة مثلا و نمو فن النحت, و لكن انهار ذلك بعد تدخل كهنة امون و الفراعيينن و ادى االى تقهقره و توقفه تماما فيما بعد. و يجب على المبدع ان يكون قويا صلبا و مجالدا ليتحمل المساسقة و المجابدة في واقع طارد لكل جميل و جاذب لكل قبيح و منكر’ و يكون له شخصية خاصة و مقاومة و مجاوزة للضغوط و العقبات و ما اكثرها في هذه البلاد.
و نلاحظ في الاونة الاخيرة ان السلوك الابداعي اصبح ترفا لدى الكثير من المثقفاتية ’ يتزينون به و يتباهون به في سذاجة و عدم نضج مجتمعي’ و ادى ذلك الي تاكل المجتمع و مهددا مباشرا للامن الثقافي و ظهور انبياء الثقافة الكذبة و نبيات الضلال الفكري ليجوسوا خلال الديار زخرفا و غرورا. يتصور كثير من الناس ان الابداع يختص بنوع معين من النشاط الهادف الى افراز استجابات معينة في مجال معين كالنحت و الرسم’ التلوين ’ الشعر و غيره’ او في مجال العلوم كالطب و الزراعة و الصيدلة و غيرها’ و ان كانت هذه الاوجه على قدر عال من الاهمية الا ان الابداع في بناء النفس و تطوير الذات لا يقل عنها اهمية و بل يتعداها باعتباره ذروة سنام العملية الابداعية في درجاتها العليا و مقاماتها الرفيعة, و تلك درجة سامية لو كانوا يعلمون و كما ظن الكثيرون ان الذكاء ضروري للعملية الابداعية و هذا ليس صحيحا ’ فقد يكون الفررد ذكيا جدا و لكنه غير مبدع او العكس’ و قد ابدع الكثير من المبدعين و هم في درجات ذكاء دون الوسط و لا يزالون.
و اذا نظرنا لمبدعينا اليوم من ناحية الذكاء الاجتماعي ’ الفهم اللفظي’ التذكر ’ الاستبصار’ الاستدلال’ الجراة ’ المغامرة’ التفوق’ و غيرها من الصفات و القدرة على صب ذلك في قوالب جمالية مناسبة للسياق و مقبولة’ و منفعلا بالماضي و متماهيا مع الحاضر وكل تلك الاشياء ’ لوجدنا ان واقع حالنا اقرب للضياع منه للابداع الحقيقي. ان كانت النار من مستصغر الشرر, فان نار ابداعنا لا تزال تواصل الدخان و و يتزايد السعال و القئ الثقافي ’ و لم يجد حداة ركبنا نارا ليبشروا بها ااهلهم و ساروا وراء سراب بقيعة حسبوه ابداعا ’ فوجدوه ضياعا و يا له من ضياع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة