تصاعدت وتيرة التراشق الأعلامي بين السودان ومصر من جديد في شأن النزاع على منطقتي حلايب وشلاتين على أعقاب اعادة مصر جزيرتي ( تيران و صنافير) الي المملكة العربية السعودية في نيسان إبريل الماضي ، وعقب مطالبة السودان جارتها مصر استرجاءالمناطق الحدودية المتنازعة عليها أسوة بجزيرتي تيران وصنافير ، وتعتبر أزمة النزاع الحدودي بين السودان ومصر من القضايا الملتهبة في المنطقة ومنذ سنوات يدور صراعاً نائماً بين البلدين حول تبعية المنطقتين وتتجدد كل عام من خلال الوسائل الإعلامية ثم تعود المياه الي صفائها مثل سحابة سيفٍ عابرة أو زوبعة سرعان ما تنفثيء فقاعتها دون ان تخلًف أثرا على طبيعة العلاقات القائمة بين البلدين منذ عقود ، ولكن هذه المرة بدأ النزاع يأخذ ابعاداً قد يؤدي الي توتر دبلوماسي أو مواجهة خشنة بين البلدين . لقد تحول التراشق الاعلامي بين البلدين الجارتين الي حرب اعلامية تتوسع دائرتها وتزداد وتيرتها كل يوم بموازاة مع تصعيد الخطاب الرسمي بعد ان اشترطت السودان مصر الجلوس الي طاولة التفاوض او اللجوء الي المحكمة الدولية ، في خضم هذا الصراع شنت وسائل الاعلام المصرية المكتوبة والمرعية والمسموعة هجمة شرسة ضد السودان لا تقل شراستها عن اي مواجهة عسكرية لإثبات أحقية مصر للمنطقتين ، وعلى رغم من إدعاءات الإعلامية المصرية عارية عن الحقيقة إلا أنها حشدت تفاعلاْ متضخماُ وتركت تأثيرا واسعا على الرأي العام لدرجة ان بعض المواطنين المصريين ضحايا الإعلام المضلل طالبوا من خلال وسائل التواصل الإجتماعي الجيش المصري ضم السودان الي مصر ، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تبنت وسائل التواصل الإجتماعي رديفة الإعلام المصري موقف أكثر تشددا حيال الأزمة حيث دعت بغزو السودان ولجم لهجتها المتصاعدة . . تعاطي الاعلام المصري مع الأزمة رافقته مشاهد ساخرة والتي لا تعدو كونها مشاهد فكاهية إحتوته نوع من الغباء والكذب والتضليل ( ضحك على الدقون ) بشكل تفوق التصور والمنطق وتناول الأزمة من منطق الفهلوة وعلوا الصوت ، وقد فشل هذا الأعلام الذي انيطت ادارتها لكوادر نخبوية متمرسة ايراد دليل واحد للعالم يثبت أحقية مصر لمنطقتي حلايب وشلاتين دون تكرار تلك الاسطوانة المشروخة التي ملت العالم من سماعها والتي باتت لا تصلح استخدامها بعد الأن كدليل لتبعية المنطقتين لمصر ، وقد أظهرت وسائل الأعلام المصرية التي أفردت حيزاْ واسعاْ للكتاب والنخب السياسية على مدار أسبوعين الفائتين ضعف الحجج المصرية وسطحيتها وسذاجة الجانب المصري في ادارة الأزمة المتجددة مع السودان وإتصل التعاطي الإعلامي المصري تجاه الأزمة بالسياسة الرسمية المصرية والتي تتخلله أيضا الضعف الواضح وغياب الأدلة والتهريج السياسي ، ويمكن تحليل السياسة الدعائية للإعلام المصري من خلال السياسة الحكومية المتعجرفة تجاه الأزمة والتي فشلت بدورها إتيان بالدليل القاطع لإثبات أحقيتها للمنطقتين , وامام حرب التصريحات المشتعلة بين البلدين خرج الإعلام المصري عن خط التعاطي التقليدي للأزمة وصعد من لهجته الي أشبه بأعلام حرب مستعرة مع العدوء ،
وتحت غطاء دفاع عن الأرض والوطن لم يترك الإعلام المصري جانباً من جوانب السودان إلا وتناوله بنوع من السخرية والعنجهية ضمن أنماط وترهات الأكثر تخلفاْ عن السودان حيث طالت السودان حكومة وشعبا قاذفات المنطلقة من منصات الأعلام المصري الذي دائما ما يكون سببا لتوسيع الشرخ بين الدولتين ، وتمثلت العبقرية المرعبة للاَلة الأعلامية المصرية في قدرتها على توجيه الرأي العام المحلي من خلال التضليل الأعلامي كأداة لتأليب الشارع المصري ضد السودان والسودانين حيث وصلت هذا الإعلام المضلل صداه كل بيت وكل شقة بصورة تفوق الخيال واستطاع توجيه الرأي العام المصري ثم تحويل النزاع الى حرب مقدسة من خلال استيقاظ الشعور الوطني لدي المصريين كأنما وقوع إعتداء عسكري سافر من السودان على مصر دون مرعاة العلاقات التاريخية التي تربط البلدين منذ عقود عدة ضاربه بتلك العلاقة الفريدة في مهب الريح
وقد وجدت السودان الرسمية نفسها بين فكي كماشة الألة الإعلامية المصرية وأكتفي النظام السوداني فقط بردود تكتيكية مع غياب الإستراتيجية الإعلامية في وجه حرب ( البروباغندة ) المصرية التي حولت الأزمة الي القضية الوطنية الأولي وحرصت السودان في لجم القاهرة وتكثيف جهودها الدبلوماسية لإيجاد التسوية السلمية للنزاع القائم منذ أكثر من نصف قرن ، وعلى رغم من ان خيار التهدئة وإحتواء الأزمة يبدو راجحا بسبب المصالح المتبادلة والعلاقات التاريخية بين البلدين والتي لا يمكن إزاحتها جانبا إلا ان اللهجة الإعلامية المصرية الحالية تجعل سيناريو الإنزلاق الي التصعيد وارداً في ظل حالة الغليان التي يعيشها هذا الإعلام المضلل فمن غير المتوقع ان تقف السودان دائماً مكتوفة الأيدي والتزام الصمت أزاء الحرب الإعلامية المصرية التي تجري رحاها منذ أكثر من اسبوعين بلا توقف تجاه السودان وشعبه .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة