|
Re: الشفافية ركن في محاربة الفساد وشرط في الحكم الزاهد (Re: محمد عبدالرحمن)
|
الأسباب الإدارية: الراتب هو مقابل مالي للخدمة التي يقدمها الموظف والعامل. إن للراتب مقومات موضوعية أهمها أن يكون قادرا على توفير درجة معقولة من المعيشة. وأن يتناسب مع الخدمة التي يقدمها الموظف. فإذا كان الراتب دون ذلك بصورة واضحة فإن المستخدم سيجد دافعاً نحو الفساد. إن للوظيفة استحقاقات معنوية متعلقة بوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وبالترقي المستحق وغيرها من المسائل المعنوية. فإذا شعر الموظف أن عمله لا يكافأ بل يمكن أن يسبقه في الترقي آخرون عن طريق المحاباة أو شعر بأنه عرضة للتشريد في أي وقت لأن ولاءه للنظام مكان شك فإن ولاءه لعمله سوف يذبل. إن السياسات الإدارية الخاطئة قد تسببت في انتشار ممارسات إدارية فاسدة مثل: الرشوة، والاختلاس، والابتزاز، والاحتيال، وإساءة استخدام السلطة، والاتجار بالمعلومة الداخلية وغيرها من الممارسات الفاسدة. هذه الممارسات ضيعت على البلاد مبالغ هائلة من الإيرادات، وكلفتها مصاريف غير مستحقة وأدت إلى تدني الثقة بالاقتصاد الوطني. إن فقدان الثقة في الاقتصاد الوطني في السودان وفي غيره من البلدان ذات الظروف المماثلة قد أدى إلى: • زيادة تغريب الثروة. أنا أقدر الثروة السودانية المغربة في شكل أصول ورصائد بأربعة أضعاف الدخل القومي السوداني. هذا مقياس لعدم الثقة في الاقتصاد الوطني. • وحجم النقود الموجود لدى الأفراد في السودان خارج نطاق النظام المصرفي يبلغ 75% من الكتلة النقدية المتاحة. وهذه النسبة مقياس لعدم الثقة في النظام المصرفي. الممارسات الآتي بيانها على سبيل المثال كانت أهم أسباب فقدان الثقة في الاقتصاد الوطني: o تغيير العملة عام 1990م وفرض 2% على كل حسابات المودعين لدفع تكاليفه، ثم حجز 20% من كل الودائع التي تزيد على مائة ألف جنيه لمدة عامين دون مقابل. o الإجراءات الوحشية لمنع تداول العملة الصعبة لدرجة إعدام أشخاص عقابا كما حدث للشهيد مجدي محجوب محمد أحمد وآخرين. o الضرائب الجزافية. o العمليات الكثيرة التي تتم خارج الميزانية العامة إيرادا وصرفا. o الإعفاءات الكثيرة لصالح مقربين أو جمعيات خيرية عاملة بالتجارة أو شركات مميزة مما أودى بالتنافس النزيه. o إجراءات الخصخصة المطعون في نزاهتها وعدالتها. o الفساد المالي والإداري. هذه العوامل استباحت حرمة المال الخاص والعام وأطاحت بالثقة في الاقتصاد الوطني. والمطلوب الآن إصلاح جذري يعيد الثقة في الاقتصاد الوطني. نحن بحاجة لبناء الثقة في الاقتصاد الوطني، وفي النظام المصرفي، لكي نجذب الاستثمار الوطني والأجنبي. صحيح هنالك الآن استثمار أجنبي ولكنه مركز في قطاع البترول والذهب وهذه القطاعات لها خصوصية لن تتسع إلا إذا استقامت سياسات الاقتصاد الكلي في البلاد بالإضافة لتحقيق السلام والاستقرار. ج. الأسباب الثقافية: في اجتماع عقد في العام الماضي في جنوب أفريقيا لبحث قضية الفساد قال نلسون مانديلا: إننا قد نجحنا في تحرير بلادنا، وإقامة النظام الديمقراطي، ولكن رواد التحرير والديمقراطية انغمسوا في الفساد. قال: هذا معناه أن الديمقراطية وإن كانت من شروط القضاء على الفساد، فإنها ليست كافية لأن هنالك عاملا ثقافياً. هذه الظاهرة أشار إليها كثيرون في إطار الدول الأفريقية والفساد. هناك استخفاف بحرمة المال العام، ودرجة عالية من محاباة الأقارب، والمحسوبية، والاستخفاف بالذمة المالية. هذه عوامل ثقافية تلد الفساد وتروج له. برنارد لويس مستشرق غير منصف ولكنه واسع الإطلاع ولديه بعض الملاحظات المفيدة. قال في كتابه الذي نشره بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م وهو يصف دول الشرق الأوسط قال: "في الغرب يحقق الفرد الثروة في السوق عن طريق الإنتاج المتبادل. ثم يحاول عن طريق الثروة الحصول على تمثيل سياسي للوصول للسلطة. أما في الشرق الأوسط فإن الفرد يقتنص السلطة ثم يحاول عن طريق إفسادها الحصول على الثروة". هذه الملاحظة تنطبق على كثير من النظم الإنقلابية لا سيما نظام "الإنقاذ" في السودان. ولكنها ليست عامة فالإمام عبد الرحمن المهدي فعل العكس تماماً إنه حقق الثروة ووظفها للعمل السياسي ويمكن عمل إحصاء على طول المنطقة وعرضها لتحديد القوى السياسية التي استخدمت السياسة لتحقيق الثروة. وتلك التي أنفقت المال على السياسة. سابعاً: كان سودان الخمسينيات وسودان الستينيات من البلدان الأكثر خلواً من الفساد وقد اطلعت على دليل للسائح الألماني ينصحه بأنك إذا زرت السودان فلا تخطئ بمحاولة إعطاء بقشيش لمن يقدم لك خدمة. في ذلك الوقت كانت روح السودانيين عالية وكان اقتصاد بلادهم مجدياً وكان التطلع للمستقبل واعداً:
|
|
|
|
|
|
|
|
|